يتأثر المجتمع الفلسطيني بالأزمة السورية، فهو لم يتكفّل باستضافة أسر فلسطينية نزحت من المخيمات السورية فحسب، بل أُجبر على التزام الصمت وإرجاء المطالبة بحقوقه المدنية التي مازالت تنتظر المراسيم التطبيقية لما أقرّ منها.
ولعلّ إطلاق حملة حقّ التملك للفلسطينيين اليوم، خطوة «جريئة» لناحية المطلب والتوقيت بالنظر إلى ازدياد عدد اللاجئين السوريين إلى لبنان وإمكان الاضطرار إلى إسكانهم في مخيمات، وفق تصريحات رسمية لبنانية. ناهيك بالظروف السياسية اللبنانية، والتعطل الذي يصيب مجلس النواب مقروناً بالملفات المعيشية الطارئة على الحكومة.
باستثناء هذه الحملة ودراسات أخرى أُعلنت لاكتمال نتائجها، يسود الصمت بين الفلسطينيين، وهم مثل اللبنانيين يترقبون التطورات على الساحة السورية. حتى أن إعلان فلسطين دولة مراقبة في الأمم المتحدة لم يجد له الطرفان حتى الساعة ترجمة عملية. فلا الفلسطينيون استخدموه كنقطة إيجابية في مطالبهم، ولا اللبنانيون أسقطوا بعد الإعلان بند المعاملة بالمثل الذي يتقدّم كل معالجة لحقوق الفلسطينيين.
وإذا كان شعار المرحلة بالنسبة إلى حقوقهم المدنية «راوح مكانك»، فإن «لجنة الحوار اللبناني ـ الفلسطيني» تسير بخططها بالرغم من الظروف، وفق رئيسها خلدون الشريف، وإعادة إعمار مخيم نهر البارد انسحبت على مخيم عين الحلوة لترميمه اجتماعياً، وفق ما توحي به خطة اللجنة التي بدأت بها بالتعاون مع القوى الأمنية وجمعية «Pursue» البريطانية.
في السابق وبعيد أحداث نهر البارد، وضع مخيم عين الحلوة، اكبر مخيمات لبنان للاجئين الفلسطينيين، تحت عين المجهر وفُتح ملفّه الأمني استباقاً لتحوّله إلى نهر البارد 2. لكن لجنة الحوار طرقت منذ وقت قريب من باب العدل وقررت سلوك الطريق القضائي عبر إيجاد حلول لقضايا المطلوبين.
ويعتبر الشريف أن اللجنة تعمل بكل طاقاتها ضمن التعريف الرسمي المعطى لها، فهي لجنة استشارية لا دور تشريعياً لها لأنها غير مرتبطة بمجلس النواب. وبالتالي، غير مسؤولة عن إقرار أيٍّ من الحقوق المدنية الخاصة بالفلسطينيين من عمل وتملك وضمان. بل معنية بتقديم الاستشارة إلى رئاسة الحكومة ورفع التوصيات لها لاتخاذ القرارات التنفيذية المناسبة في ما خصّ هذا الملف.
بناء عليه، يرى الشريف أنه لا يتمّ التعاطي مع الملف الفلسطيني بجدّية على الصعيد الرسمي، لأن برأيه يجب دمج الإدارات التي تهتمّ بالشؤون الفلسطينية في يد واحدة، سواء كانت وزارة لشؤون اللاجئين، أو إدارة تابعة لرئاسة الحكومة ذات صلاحيات محدّدة وبقدرة تنفيذية واضحة.
وهو في ذلك يرتكز إلى الصورة العامة للمخيمات، «حيث لا يُعرف قسطل المياه من عمود الكهرباء، لأن المعنيين غير مدركين أن المخيمات هي أرض لبنانية، وعلينا صونها وترتيبها». ويوضح أن لكهرباء لبنان في ذمة «وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين» (الأونروا) مليارات الليرات التي لا تعتبرها الوكالة من مسؤوليتها «فمن يتحمل مسؤوليتها إذاً وهل من مسح جدّي للمخميات في لبنان يُستند إليه في هذا الشأن؟».
في ظلّ الظروف الراهنة وضمن الصلاحيات المعطاة لها، يعتبر الشريف أن «لجنة الحوار اللبناني ـ الفلسطيني» قامت بانجازات أبرزها على صعيد أزمة البارد رفع الحالة العسكرية عن المخيم التي اعتصم لأجلها الأهالي. وكان ملف هذا المخيم أولى الملفات التي فتحها الشريف بحيث جمع تحت جناح رئاسة الحكومة ممثلين عن الأجهزة الأمنية والفصائل الفلسطينية «لإزالة الاحتقان حتى ألغى الجيش تصاريحه، وصار الدخول والخروج إلى البارد يشبه الدخول والخروج إلى المناطق كلها».
وعملت الحكومة على استملاك عقارين خارجيين، بدل عقارين آخرين شغلهما الجيش داخل المخيم، لتستأنف عملية إعادة الإعمار داخل حي المهجرين بمنحة أوروبية، بعدما توقفت لأعوام أربعة. وأعيد أيضاً تفعيل صرف المنحة الإيطالية لترميم بيوت في المخيم وفي محيطه.
وفي الخلاصة بني في البارد أربع رزم من أصل ثمان، بعد أن تمّ صرف نصف المبالغ التي أقرّت في مؤتمر فيينا للدولة المانحة في العام 2008، الذي تقرّر فيه صرف 400 مليون دولار لعملية إعادة البناء.
حتى الساعة، يقول الشريف، ما زال لبنان يتحيّن الفرصة لدعوة الدول المانحة إلى مؤتمر استلحاقي بإعمار البارد، بعدما نصح ممثلوها رئيس الوزراء بالتريث في عقد مؤتمر جديد بسبب الأوضاع في سوريا.
ومن الإنجازات التي وقعها الشريف إصدار بطاقات تعريف سنوية لفاقدي الأوراق الثبوتية، فيما تشرف اللجنة اليوم على حملة تقودها «منظمة العمل للفلسطينيين» و«منظمة العمل الدولية» لدعم عمل الفلسطينيين وإنشاء صندوق ضمان خاص بهم.
يعتقد الشريف أن إعلان دولة فلسطين سيكون له آثار إيجابية على المدى المتوسط والطويل، لأن الفلسطيني سيحمل جواز سفر معترفاً به، يبعد عنه شبح التلويح بالتوطين من أي جهة دولية.
السفير اللبنانية.