بقلم: عاموس هرئيل/ رئيس هيئة الأركان المشتركة للجيش الأميركي تشارلز براون قدم، أول من أمس، تنبؤاً غير مشجع حول حرب محتملة بين إسرائيل و”حزب الله”. بعد أيام على وعد مصادر مجهولة في الإدارة بإرسال كل المساعدات الأمنية المطلوبة للجيش الإسرائيلي في حالة اندلاع حرب على لبنان، أوضح براون أن الأمر ليس بهذه البساطة. عملية إسرائيلية ضد “حزب الله”، قال للمراسلين، يمكن أن تقود أيضاً إلى تدخل إيراني لصالح المنظمة الشيعية، إذا شعرت بتهديد حقيقي. في هذه الحالة، أضاف: الولايات المتحدة لن تنجح في توفير حماية كاملة لإسرائيل، لأن كمية الصواريخ قصيرة المدى الموجودة لدى “حزب الله” ستضع أمامها تحدياً أكثر أهمية.
براون قارن بين التهديد الذي ستواجهه إسرائيل في حالة اندلاع حرب مع “حزب الله” وبين إحباط الهجوم الإيراني للـ 330 صاروخاً ومسيرة في 14 نيسان الماضي. في تلك الحالة كان للأميركيين تقريباً أسبوع كي ينسقوا ويخططوا مع إسرائيل ومع دول عربية صديقة الاستعداد الدفاعي. النتيجة كانت نجاحاً مدوياً في اعتراض الهجوم. لكن هذا يختلف عن هجوم مشترك لإيران و”حزب الله” الذي فيه يستطيع الإيرانيون أن يجربوا ويطلقوا عدداً أكبر بكثير من السلاح، ولا نريد الحديث عن ترسانة الـ 100 ألف صاروخ وقذيفة التي بحوزة “حزب الله”. هنا مطلوب استعداد أوسع، ومن غير المؤكد أنه سيكون لدى الولايات المتحدة إنذار مسبق، سواء إذا بدأت الحرب كنتيجة لهجوم من إسرائيل أو لهجوم من لبنان. إذا اندلعت الحرب بشكل مفاجئ فإن الأمور ستستغرق وقتاً أطول حتى لو كان لدى الإدارة الأميركية كل النوايا الحسنة.
أقوال رئيس الأركان الأميركي تضاف إلى النقاش المستمر بين الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس الحكومة بنيامين نتنياهو حول مسألة تزويد السلاح. نتنياهو انتقد علناً الإدارة الأميركية خلال بضعة أيام بسبب تأخير متعمد لإرسالية سلاح تشمل 3500 قنبلة دقيقة لسلاح الجو، إلى جانب إبطاء بيروقراطي (يبدو متعمداً) في نقل إرساليات أخرى. البنتاغون غير معروف عنه أسلوبه السهل مع الإجراءات. في الأشهر الأولى بذلت هناك جهود خاصة من أجل تزويد إسرائيل بالسرعة الممكنة بكل ما هو مطلوب لها. حتى في واقع نقص عالمي في السلاح والمواد المتفجرة. إضافة إلى ذلك تصريحات براون، مثل خطوات بايدن والبنتاغون، ترتبط بفهم واحد وهو أن الولايات المتحدة تخشى من اندلاع حرب غير قابلة للسيطرة عليها بين إسرائيل و”حزب الله”. هي لن تساعد في وضع إسرائيل في موقع انطلاق ربما يغريها بإطلاق الرصاصة الأولى. عند الحاجة الأميركيون سيتجندون للدفاع عنا، لكنهم لن يضمنوا نتيجة سريعة أو كاملة.
نتنياهو الذي يتملص منذ بداية الحرب من إجراء مقابلات مع وسائل الإعلام الإسرائيلية انحرف عن هذه العادة وقام بزيارة أستوديوهات القناة “14”. إذا كان مجرو المقابلة معه قد توقعوا ظهوراً صاخباً يمكن أن يضع الأعداء في مكانهم، لكنهم لم يحصلوا على ذلك منه. هو لم يتعهد بشن حرب على لبنان، بل قال: إنه إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق يوقف النار هناك، فإن الجيش الإسرائيلي سينشر المزيد من القوات في الشمال بعد انتهاء الحرب في رفح. “قوات دفاع، وربما بعد ذلك قوات هجوم”. الاحتمالية الأساسية في هذه الأثناء لاندلاع حرب في لبنان تتعلق بسيناريو إساءة الحسابات: قتل كثيف لمقاتلين أو مدنيين في الطرفين، خوف أحد الطرفين من هجوم مفاجئ للطرف الآخر الذي سيقوده إلى شن هجوم وقائي في وقت مبكر. يبدو أن هذا أيضاً ما يقلق رئيس “حزب الله”، حسن نصر الله. الصحافي المقرب منه، محرر صحيفة “الأخبار” اللبنانية إبراهيم الأمين، كتب بأنه في حالة نشوب حرب فإنه لن تسري على “حزب الله” أي قيود للمس بإسرائيل، وأن “حزب الله” يعد لإسرائيل الكثير من المفاجآت.
في الخلفية، تحلق أيضاً مسألة إيران. الوزير ورئيس الأركان السابق، عضو الكنيست غادي آيزنكوت (المعسكر الرسمي) كشف في خطاب ألقاه في مؤتمر هرتسليا ما تم قوله بالرموز مؤخراً وبصورة ضبابية في بعض وسائل الإعلام الغربية. ليس فقط أن إيران تدفع قدماً بتخصيب اليورانيوم في إطار المشروع النووي، بل تتراكم أيضاً شهادات أولية عن إعادة تحريك “مجموعة السلاح”، أي الانشغال بإنتاج رأس نووي متفجر لصواريخ بعيدة المدى، أي إنتاج سلاح حقيقي. الإيرانيون، أضاف آيزنكوت: “وصلوا إلى مكان متقدم جداً، هذا تذكير لنا كي ننظر إلى الصورة الكبيرة ونفهم أنه لا توجد حلول مدهشة في مكان واحد. هذه ستكون حرباً طويلة جداً”.
معركة الروايات
في المقابلة مع القناة “14”، قدم نتنياهو عنواناً مركزياً آخر وهو أنه مستعد لمناقشة صفقة مخطوفين مع “حماس”، لكنها ستتركز على المرحلة الأولى من إعادة المجموعة الإنسانية (النساء، كبار السن والمرضى) من بين المخطوفين. بعد ذلك على الفور، هو ينوي العودة إلى القتال. رئيس الحكومة كرر في السابق هذه المناورة عدة مرات منذ كانون الثاني الماضي. في كل مرة ظهرت في الأفق احتمالية للدفع قدماً بالصفقة نشرت تصريحات أو معلومات من الطرف الإسرائيلي جعلت “حماس” تتشدد في مواقفها، وبذلك أنزلت عن جدول الأعمال إمكانية التوصل إلى الاتفاق الذي كان سيؤدي بشكل شبه مؤكد إلى انسحاب شركاء نتنياهو في اليمين المتطرف من الائتلاف.
في هذه المرة نفذ نتنياهو عملية قتل على الملأ. الطلب الرئيس ليحيى السنوار، رئيس “حماس” في القطاع، هو الوقف الكامل للحرب مرهوناً بإعطاء ضمانات دولية ألا تقوم إسرائيل باستئناف القتال، ولن تحاول المس به وبقادة التنظيم. حتى الآن نتنياهو لم يوافق على الالتزام، لكن تصريحاً علنياً وواضحاً حول اتفاق جزئي فقط في الواقع يشير للسنوار بأنه لا يوجد ما يمكن الحديث عنه. هذا التصريح أيضاً لا يتفق مع الاقتراح الأميركي – الإسرائيلي الذي عرضه الرئيس جو بايدن في خطابه في 31 أيار الماضي، وحدد الطريق المحتملة لإنهاء الحرب.
“حماس”، كما نتذكر، ردت على هذا الاقتراح بعشرات التحفظات التي أرادت الولايات المتحدة منذ ذلك الحين إزالتها من الطريق بمساعدة قطر، واحداص تلو الآخر. الآن هذا سيكون أصعب، فإعلان رئيس الحكومة بطبيعة الحال فقط زاد غضب الإدارة الأميركية منه. أول من أمس، في خطابه في الكنيست كرر نتنياهو الالتزام بخطة بايدن (التي اهتمت هيئة المخطوفين بوصفها بـ”صفقة نتنياهو”). من كل هذه الأمور ما هو الموقف الملزم للحكومة؟ نحن سنضطر إلى الانتظار كي نرى ذلك.
جبل من الأدلة
لجنة التحقيق الرسمية في قضية الغواصات ألقت ما كان في الأيام التي سبقت الحرب ما من شأنه أن يعتبر أم القنابل: سلسلة رسائل تحذير لجهات رفيعة، مثل نتنياهو ووزير الدفاع السابق موشيه يعلون ورئيس هيئة الأمن القومي و”الموساد” السابق يوسي كوهين. في اللجنة قالوا: إن نتنياهو عرض للخطر أمن الدولة وأضر بعلاقاتها الخارجية ومصالحها الخارجية. هذه أقوال ربما ستكتب مستقبلاً عن رئيس الحكومة حتى بعد تشكيل في يوم ما لجنة رسمية للتحقيق في كارثة 7 أكتوبر. أقوال مشابهة جداً نشرت في السابق مثل رأي قطعي في استنتاجات لجنة التحقيق في قضية كارثة جبل ميرون في 2021. يصعب قياس الضرر السياسي المتوقع لنتنياهو من هذه القضية التي ترافقنا بين حين وآخر منذ ثماني سنوات تقريباً. في نهاية المطاف، فإن الحكم في شأن مسؤوليته عن الكارثة التي قتل فيها 45 إسرائيلياً قام بإزاحتها عن نفسه مثل ذرة غبار غير مرئية. بعد المذبحة في بلدات الغلاف اعتقد كثيرون أن قصة نتنياهو السياسية انتهت. وقد مرت ثمانية أشهر ونصف الشهر منذ ذلك الحين وهو يقلص بالتدريج الفجوة في الاستطلاعات في غير صالحه. مع ذلك عندما تضاف رسائل التحذير إلى إحباط الجمهور المتواصل من تعقد الحرب، وانسحاب المعسكر الرسمي، والغضب من قانون إعفاء الحريديين من التجنيد، والتوتر الداخلي في الائتلاف، فإنه يبدو أن قدرة رئيس الحكومة على البقاء فترة طويلة، حتى نهاية الدورة الصيفية للكنيست وما بعدها، تقف الآن في اختبار أصعب.
نقاشات كثيرة تجري دون توثيق، ربما أيضاً خوفاً من إبقاء أي أثر لشهادات مدينة للجان التحقيق المستقبلية. بعيداً عن الادعاءات المحددة في قضية الغواصات، نتنياهو وصف تعيين اللجنة كانتقام سياسي لحكومة بينيت – لابيد، فإن رسائل التحذير التي أرسلت تضاف إلى جبل الأدلة الذي تجمع في الـ 15 سنة الأخيرة. النتيجة التي تظهر فيه هي نتيجة واضحة ومقلقة: طريقة نتنياهو في إدارة الدولة أفلست وهي تعرض الآن فعلياً أمن الدولة للخطر.
عن “هآرتس”