إذا استثنينا سورية ودولاب الموت والتدمير والتهجير المستمر، ووضع الحكم في معادلة مع الوطن، فلا نجد في الأحداث خلال السنتين الماضيتين في عواصم الثورات العربية، سوى الامتداد في الفوضى حين لم تقتصر على تلك الدول وحدها، لكن أضافت لبنان والعراق إلى خطوط الأزمات، وما يجري خرج عن سياق الأهداف الوطنية والاحتفال بها بإزالة رموز دكتاتورية، إلى حالة اضطراب مأساوي..
ففي العراق هناك مؤشرات صدامات طائفية، ضد المعتصمين ومن يتظاهرون للمطالبة بوقف تجاوزات المالكي كرئيس وزراء لفريق واحد، وتلقيه التوجيه من إيران التي تمسك بالقرار السيادي العراقي لتنزع عنه استقلاله، إلى جانب التجاوزات الأمنية والسياسية والمادية عندما أصبح العراق عهدة بيد شخص واحد جعله مجرد بلد بلا هوية أو قانون..
ذكريات حريق القاهرة في 26 يناير عام 1952م والتي اختلفت حوله التفسيرات والأسباب، ومن قام بإشعال الشرارة الأولى، تعيد نفسها هذه الأيام بحرائق القاهرة وبورسعيد، ما ينذر بامتدادها إلى مدن وقرى أخرى قد تضع البلد في حالة يصعب السيطرة عليها، وما لم تعالج الأمور بتجاوز الحزبية، وخلافات الأشخاص، ومن يعطي نفسه الحق وحجبه عن غيره، فإن دائرة الحريق لا تقتصر على النيران في الأندية والممتلكات سواء أكانت حكومية أم أهلية، وإنما حرائق أخرى مادية وسياسية واجتماعية، وقد يكون غياب الأمن الذي عجز عن مواجهة مجريات الأحداث المتسارعة لايمكن ان يجازف الجيش بدخول معتركٍ أخذت الانقسامات حدتها التي فاقت التصورات..
لبنان يخرج من حرب، ويستنسخها مرة ثانية، ويخرج من عقبة ليجد الطرق كلها مغلقة، فبلد عاش على الانقسامات تهدده الآن حالة اعتصام زعيم سني أمام هيمنة حزب الله على الجنوب اللبناني، ووسط الجدل بين الطائفتين، يبقى الفراغ الأمني كبيراً حتى بوجود الجيش، ثم تأتي زعامات الأحزاب العائلية التي توزعت بين تيارات سياسية وطائفية، قد تكون جزءاً من الأزمة وتصاعدها، وهذا يعيد للأذهان كيف أصبح لبنان ساحة مفتوحة للاعبين من خارج حدوده وداخلها..
الوضع العربي يبعث على التشاؤم والخوف؛ لأن اعتماد الشارع على كسر هيبة الدولة والأمن لا ينعكس سلباً على الفرقاء الذين يناورون ويصعّدون الأزمات لتركها لفوضى الشارع، وإنما على حاضر ومستقبل كل بلد عربي لم يعد لديه الرؤية، والاتفاق على تشكيل هيئات إنقاذ، واتفاق على مبادئ ترضي المواطن وتنزع عنه الريبة والشك بكل الرؤوس، وجعله يدفع ثمن المضار المتلاحقة، وتجييشه ليكون القاتل والضحية في آن واحد..
فرغم أن لبنان والعراق هما خارج حالة التماس التي تجري في دول الربيع إلاّ أن وضعهما أخذ يندرج ضمن فوضى ما بعد الثورات، بمعنى أن العدوى انتقلت لكن بظروف وأسباب قريبة من مجريات الأحداث في الدول الثائرة والأخرى القلقة على مستقبل أنظمتها..
لذلك هل نأخذ بالقول إن العربي غير مهيأ لتقبل التغيير بلا خسائر مادية وسياسية، وأنه لا يصلح إلاّ «بدكتاتور مصلح» أم أن الأزمات حلقات مترابطة مع ما سبقها؟!
الأمور مرهونة بنتائجها، لكن ما تخفيه الأيام مرعب ومخيف، لأنه لا يوجد في الأفق بارقة للأمل..
عن الرياض السعودية