ودعت الاوساط الادبية والثقافية والشعبية الفلسطينية ، في الاسبوع المنصرم ، الشاعر والناقد والمبدع الفلسطيني الكبير فيصل قرقطي ، صاحب الكلمة الملتزمة المضيئة الساطعة ، والنقد الموضوعي الجاد ، والعطاء الثر ، والمجدد الأكثر اصراراً على منح وإعطاء القصيدة قوة وأصالة ونقاءً وجمالاً وسمواً وتوهجاً.
وكان الموت غيب قرقطي اثر جلطة اصابته في قدميه وأدت الى مضاعفات في جسده ، ولم يتمكن الاطباء في مستشفى الاردن من علاجه وإنقاذ حياته.
الراحل فيصل قرقطي هو واحد من شعراء الطليعة الفلسطينية الذي اثروا الادب والثقافة الفلسطينية المعاصرة في المهاجر والمنافي والوطن المحتل ، بأعمالهم وإبداعاتهم الشعرية ودراساتهم النقدية ، وشكل مع مجايليه وزملائه الشعراء والمبدعين والمثقفين الفلسطينيين (عز الدين المناصرة واحمد دحبور وهادي العلوي وعلي فودة ) وغير ذلك من اسماء ، حضوراً مهيمناً في يوميات الكفاح والصمود الفلسطيني في بيروت ، قلعة وعاصمة الثقافة والثورة الفلسطينية في ثمانينات القرن الماضي ، ابان الغزو الصهيوني للبنان.
رأى فيصل قرقطي نور الحياة عام 1954 في سوريا ، وتعلم في مدارسها ، وفي العام 1978 توجه الى لبنان وانضم الى اسرة تحرير مجلة ” فلسطين الثورة ” التي كانت تصدر عن الاعلام الفلسطيني الموحد التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية ، وبعدها سافر الى رومانيا لإكمال دراسته الاكاديمية ونال شهادة البكالوريوس ، ثم عاد الى لبنان ، وعندما خرج المقاتلون الفلسطينيون من بيروت عام 1982 انتقل للعيش في تونس ، ثم ارتحل الى قبرص وواصل عمله في ” فلسطين الثورة ” .
وبعد انشاء السلطة الوطنية الفلسطينية كان مع قوافل العائدين الى ارض الوطن ، وبعد العودة بدأ يكتب زاوية اسبوعية في ملحق صحيفة ” الاتحاد ” الحيفاوية العريقة ، وتميزت كتابته بالجدية والعمق والرصانة والرؤية السياسية الواقعية الواضحة والالتزام الوطني .
عمل قرقطي مع اتحاد الكتاب الفلسطينيين واشغل حيزاً واسعاً في المشهد الثقافي الفلسطيني ، وكان مسؤولاً في المؤتمر الدولي لاتحاد الكتاب المنعقد في بير زيت عام 1996 ، وكذلك مديراً في وزارة الاعلام والثقافة الفلسطينية.
ولفيصل قرقطي الكثير من الاعمال والآثار الشعرية والدراسات النقدية . ومن اهم دواوينه الشعرية الناجزة المطبوعة :” تعالي لنحيا معاً”و”عاشق الغناء والنار” و” الانفاق ” و”سجدة الحناء ” و”حريق القيامة ” بالإضافة الى مجموعة من المخطوطات في مضمار الشعر والنقد والرواية لم تر النور .
امن فيصل قرقطي بأن الأدب يجب ان يكون للحياة والشعب والثورة والمستقبل والحرية ، ولذلك كانت قضية وطنه وشعبه معجونة بمداد قلمه ، فارتبط ارتباطاً وثيقاً بالهم الوطني الفلسطيني والإنساني الكبير ، وخصص اشعاره لقضايا الوطن والحرية والعدالة والاستقلال ، وقضايا الانسان الفلسطيني اليومية والحياتية .
ويمكن القول ان كتاباته الشعرية هي كتابات وطنية فلسطينية ملتزمة ومفعمة بالحس الوطني والروح الثورية المقاتلة ، التي توقظ في وجدان القارئ وحسه ومشاعره كل احاسيس النضال والمقاومة والالتزام والإخلاص للثورة ومبادئهاـ وكما قال الكاتب الفلسطيني يحيى رباح : ” ان اشعاره موغلة في الاضاءات الداخلية ” .
فيصل قرقطي من طلائع فن القول من حيث المعاني والدلالات والتراكيب الفنية والأسلوب والمضامين والأغراض والصور التعبيرية الجمالية والبلاغية والرمزية ، وتمتاز قصائده بالثراء اللغوي والخصب الذهني العاطفي وبالتجلي والنبؤءة والمواقف الوطنية الجذرية .
ويرى فيصل قرقطي ان بلاء النقد العربي الأعظم هو “ركونه الى الانتقائية الشكلية التي تتوافق مع شهرة النص والاسم على السواء ” وان النقد “يراوح في حيز محدد جيئة وذهاباً ” وبذلك حكم نفسه بالتكلس والمراوغة ، والجفاف ، لأنه لم يخلق بذور تواصله في ابناء شرعيين ومستقلين له ” .
وهو يتساءل بكل حدة وحرقة : ” هل يحق لنا القول ، الان ،او رفع شعار موت النقد .. والى متى؟”.وبعد ، فيصل قرقطي علامة مضيئة وفارقة في فضاء الشعر والأدب الفلسطيني المعاصر ، قضى نحبه وهو في قمة عطائه ، وأوج تألقه . وقد نذر نفسه للوطن الذبيح والجريح المسكون فيه ، ونسج له من خيوط الشمس وشعاع الخواطر ملاحم النضال والمقاومة والصمود والشهادة والخلود.
وسيظل حاضراً بقوة في وجدان وذاكرة شعبنا وتاريخ حركتنا الثقافية والأدبية الفلسطينية ، التي كان احد روادها ورموزها .