“إنهم يقتلوننا”.. الصعود المقلق للدولة الإسلامية

2014/08/23
Updated 2014/08/23 at 9:55 صباحًا

beshmerga

تستولي “الدولة الإسلامية” على مدن في سورية والعراق بوتيرة مقلقة، فيما يهرب عشرات الآلاف من المسيحيين والأيزيديين. وفي الأثناء، بدأت الولايات المتحدة توجيه ضربات جوية، لكن الإسلاميين يستفيدون من غياب الاستقرار في كلا البلدين.
باستثناء طيور قليلة تتحدى حرارة منتصف النهار الملتهبة، يبدو كل شيء هادئاً على الجبهة؛ حيث يتوارى المقاتلون الأكراد في ظلال الصخور. وفجأة، يمكن سماع مقتطفات من خطبة الجمعة على ضفتي نهر الفرات. “تجمعوا سوية… اسحقوا خونة الدين”. وتبدو كلمات الخطيب التي شوهتها مضخمات الصوت المحبوبة جداً لدى الجهاديين، شبحية تقريباً.
في الأسفل على طول النهر، يتجمع الجهاديون من الدولة الإسلامية “داعش” تمهيداًً لشن الهجوم التالي. وعلى بعد مئات الأمتار القليلة إلى الأعلى، في الأرض المتناثرة والتلال المسفوحة بالشمس، يجلس الأكراد وكأنما انتهى بهم المطاف إلى فيلم رعب.
يتساءل مقاتل شاب كان ما يزال يعمل قبل أسابيع قليلة صرافاً في سوق مركزية: “ما الذي يريدونه منا؟”، ويضيف: “هؤلاء المجانين يستمرون في الهجوم وفي التقدم نحونا حتى بعد إصابتهم. وقد أصبت أحدهم مرتين، ولم يتوقف إلا بعدما أصيب في رأسه فقط. إنهم غير عقلاء. يأتون إلى هنا كي يموتوا”.
الخطوط الأمامية التي تذكر بالحرب العالمية الأولى
كوبان، وتعرف بالعربية باسم “عين العرب”، هي جيب كردي صغير يقع في شمالي سورية على الحدود مع تركيا. ومنذ كانون الثاني (يناير)، ما يزال هذا الجيب تحت الحصار الذي فرضته عليه “داعش”، لأنه يقع مباشرة في وسط “دولة الخلافة” التي اتخذتها الميليشيا الإرهابية لنفسها. وطيلة شهر تموز (يوليو)، وكل ثلاثة إلى أربعة أيام، كان ما يصل إلى نحو ألف من رجال الميليشيات المسلحين بالدبابات والمدافع المضادة للطائرات ومدافع الهاون يهاجمون الأكراد المتخندقين في التلال. ولعل السبب الوحيد في تمكين المقاتلين الأكراد من صد الحملة هو أنهم كانوا قد شرعوا في حفر خنادق وبناء دشم بأسقف إسمنتية في وقت مبكر من هذا العام. وتذكر الخطوط الأمامية هنا اليوم تلك التي كانت سائدة في الحرب العالمية الأولى.
ولكن، مع بداية شهر آب (أغسطس) وبعد مقتل حوالي 100 مقاتل من الجانب الكردي و500 من جانب “داعش”، تحولت هذه الجبهة في شمالي سورية فجأة لتكون جبهة هادئة. ولعل مما يدعو إلى الاستغراب أن السكان المحليين المحاصرين يشعرون بالهدوء -قبل أن يدركوا أن القوة الجهادية الرئيسية قد انتقلت إلى منطقة تبعد 300 كيلومتر (186 ميلاً) إلى الشرق في داخل شمالي العراق.
ثم بعد فترة طويلة من الهدوء النسبي، فاجأ مقاتلو “داعش” السكان بهجوم رئيسي. وخلال أيام وحسب، تمكنوا من اكتساح مدن عراقية عدة كانت تتمتع بحماية مقاتلي البشميرغة الكردية. أولاً استولوا على بلدة سنجار التي تقع إلى الغرب من الموصل بالقرب من الحدود السورية. ثم استولوا على مدينة قراقوش المسيحية وبارتيلا بالقرب من الموصل. وبحلول يوم الجمعة الذي سبق تاريخ هذا التقرير، كان بعض المقاتلين على مسافة 30 كيلومتراً من أربيل؛ عاصمة إقليم كردستان العراقي.
بالنسبة للمجموعة الدولية، كانت السرعة التي تم بها إجبار البشميرغة على التقهقر غير متوقعة، شأنها شأن الهجرة التي تسبب بها مقاتلو “داعش”. وكان أكثر من 100.000 شخص قد حاولوا النجاة بأرواحهم في الأسبوع السابق لهذا التقرير.
التدخل الأميركي
أجبر التقدم السريع الولايات المتحدة، بعد 11 عاماً من بدء حرب العراق وثلاثة أعوام تقريباً بعد الانسحاب الرسمي للقوات، على التدخل مرة أخرى خلال عطلة نهاية الأسبوع، فقامت طائرات (إف.إيه.18) المقاتلة وطائرات من دون طيار بتوجيه ضربات جوية مستهدفة في شمالي العراق، مستخدمة قنابل موجهة بأشعة الليزر ضد مدفعية متحركة استخدمتها قوات “الدولة الإسلامية” من أجل وقف تقدم المقاتلين نحو أربيل. واتهم وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، الإسلاميين بارتكاب أعمال عنف مستهدفة “تنطوي على كل إمارات الخطر وعلامات الإبادة الجماعية”، والتي يجب وقفها. وفي أعقاب الأخبار والصور الدرامية عن الإيزيديين والمسيحيين الفارين، دان مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة هذه التطورات بالإجماع. وكان مقاتلو “داعش” قد وصلوا أصلاً إلى سنجار يوم الأحد قبل أسبوع من ذلك. وتعد المدينة حصن الأيزيديين في العراق. والأيزيديون طائفة دينية تعود إلى ما قبل الإسلام ولها جذور زرادشتية، ويعبد أتباعها سبعة ملائكة بما فيهم الملك الطاووس بالإضافة إلى الله. وقد طاردهم المسلمون المتطرفون باعتبار أنهم من “عبدة الشيطان”.
دافعت القوات الكردية عن المدينة قبل أن تنفد الذخيرة لديها. ولم يتم التأكد من صحة تقارير تحدثت عن أن مقاتلي “داعش” قتلوا المئات، أو حتى أكثر من ألف من الأيزيديين. لكن الخوف انتشر على نطاق واسع كنتيجة طبيعية لصور وأشرطة فيديو بربرية بثتها الدولة الإسلامية في شبكة الانترنت، والتي يعرض بعضها ضحايا قتلوا رميا بالرصاص أو قطعت رؤوسهم. وهكذا، يحول المتطرفون ذيوع صيت التوحش عنهم إلى سلاح.
هروب جماعي
هرب السكان في طوابير طويلة من العربات إلى مدينتي دهوك وأربيل الكرديتين اللتين تقعان على مسافة 200 كيلومتر إلى الشرق. لكنه لم يكن بوسع الجميع الوصول إليهما، وقد تمكن الذين لم تكن لديهم سيارات أو انتظروا فترة طويلة جداً للنجاة بأنفسهم، من الوصول أبعد ما يكون إلى الجبال المجاورة، حيث الصخور الجرفية الجرداء والشديدة الانحدار الخالية من الغذاء والماء.
في الأسبوع السابق لهذا التقرير، كان الآلاف يقبعون هناك محاصرين من جانب الجهاديين. وقال خضر درويش سليمان، وهو رب عائلة أيزيدية هاربة، في مكالمة عبر الهاتف الخلوي واصفاً الحالة: “هناك نحو 700 عائلة هنا، وقد مات أول ستة أشخاص عطشاً”. وأضاف: “يوجد هنا أطفال ولا وجود لماء ولا يوجد شيء للأكل، لا شيء مطلقاً”. وقال إن الناس خائفون جداً من العودة إلى منازلهم، “إنهم يقتلوننا”. ويوم الجمعة بدأت طائرات من الولايات المتحدة ومن أمكنة أخرى بإسقاط إمدادات من المساعدات الإنسانية فوق الجبال كما كان سلاح الجو العراقي قد فعل من قبل. وبحلول ذلك الوقت، لم يعد بالإمكان الوصول إلى سليمان عبر الهاتف الخلوي.
بالإضافة إلى ذلك، تغير الوضع بشكل درامي مؤخرا في مدينة قراقوش أيضاً؛ المدينة المسيحية التي تبعد 30 كيلومتراً عن الموصل. وكان يعيش في المدينة نحو 40.000 مواطن، وهي تحتوي على 12 كنيسة ومسجد واحد. وفي حزيران (يونيو)، سافر مراسل من “ديرشبيغل” إلى قراقوش وروى قصة سلام كخوا، الكاثوليكي البالغ من العمر 31 عاماً. ويقف المنزل الصغير الواقع عند مدخل المدينة حيث كان يعيش مع والديه فارغاً في الوقت الراهن. وكانت العائلة قد هربت عند الساعة الثامنة مساء يوم الخميس السابق. وكانت تلك هي اللحظة التي احتل عندها الجهاديون مدينة قراقوش بشكل نهائي.
في الأيام السابقة، كان سلام يعاود إرسال قصص مرعبة على شبكة التواصل الاجتماعي “فيسبوك” عن البلدات المجاورة، والتي كان أصدقاؤه قد أرسلوها له. كما كانت “داعش” ترعب مواطني قراقوش من خلال قطع التيار الكهربائي وإمدادات المياه. وكتب سلام: “لا أريد أن أصبح لاجئاً وأن أعيش في بلد آخر لأعوام”. وأضاف أنه وعائلته أرادوا أن يظلوا في موطنهم أطول فترة ممكنة.
“الهروب أو الموت هو الخيار الوحيد”
صباح الجمعة، روى سلام قصته الخاصة باستخدام الهاتف النقال من أربيل. كان صوته مرتجفاً من الإعياء والحاجة إلى النوم. قال إنه في يوم الجمعة سقطت قنبلة بالقرب من منزله، وشاهد انتشار الغبار وسمع الناس يصرخون، ثم استطاع مشاهدتهم وهم يهربون. ويقول: “سمعنا قتالاً شديداً طيلة اليوم”. وبعد ساعات كانت الشوارع قد خلت تماماً. ويقول إن قوات البشميرغة فعلت كل ما في وسعها للاحتفاظ بالمدينة. ويضيف: “لقد شعرنا بخوف شديد لدرجة لم نقو معها على التنفس إلا بصعوبة”. ومع تقهقر طلائع المقاتلين الأكراد في ذلك المساء، شرع الناس في مغادرة منازلهم. وزج سلام ووالداه أنفسهم في سيارة مع جيرانهم، وهربوا مع عشرات الآلاف من قراقوش. واستغرقت الرحلة ساعات عدة ليقطعوا مسافة 30 كيلومتراً الموصلة إلى أربيل.
يعيش سلام حالياً سوية مع سبع عائلات أخرى عند ابن عمه في العاصمة الكردية. ويقول إن العديد من العراقيين المسيحيين أصبحوا الآن بلا ماوى. وتحدث منذئذٍ مع معارفه الذين اختبأوا في مسجد قراقوش الوحيد. وهم يقولون إن متشددي “داعش” قد رفعوا الراية السوداء في المدينة وأمروا كل المسيحيين المتبقين بالمغادرة. ويقول سلام: “الهروب أو الموت هو الخيار الوحيد لدينا”.
ويوم الجمعة، نصحت وزارة الخارجية البريطانية رعاياها بمغادرة أربيل بسبب تقدم “داعش” ونظرا لقرب نفاد الذخيرة لدى البشميرغة. وبداية في حزيران (يونيو)، تلقى المقاتلون الأكراد أمراً بإطلاق النار فقط على المهاجمين القريبين بسبب نقص الذخائر. وقد تتراجع هذه المخاوف الآن بعد أن ذكر أن الولايات المتحدة بدأت مباشرة بتزويد الأسلحة والذخائر للبشميرغة. وتدرس الولايات المتحدة أيضاً طرقاً محتملة أخرى لإجلاء الناس العالقين في الجبال خارج قراقوش.
في البداية، وفرت هجمات “داعش” في حزيران (يونيو) للأكراد فرصة للاستيلاء على مناطق كانوا يعتبرونها كردية. أما الآن، فتقول التطورات إنهم أصبحوا في خط المواجهة مع الجهاديين على امتداد 1000 كيلومتر تقريباً. وفي مقابلة مع صحيفة “الواشنطن بوست” في نهاية تموز (يوليو)، قال مرور برزاني، رئيس الاستخبارات والأمن في الحكومة الإقليمية الكردية، إن الأكراد كانوا قد طلبوا من الولايات المتحدة المساعدة، لكنهم لم يحصلوا “ولا حتى على طلقة واحدة. هذه هي الحقيقة التي يجب أن يعرفها العالم. هكذا تركنا لنقاتل كل أولئك الإرهابيين وكل هذه المشاكل وحدنا”.
السيطرة على الحدود
لكن الضربات الجوية ضد مواقع “داعش” طيلة عطلة نهاية الأسبوع التي سبقت تاريخ هذا التقرير وفي يوم الاثنين التالي -سوية مع إمدادات الأسلحة- تشي بأن ذلك السرد قد تغير. لكن “خلافة” داعش التي أعلنت عن قيامها في نهاية حزيران (يونيو) تمتد حالياً من السهب الممتد بين ماريا والباب في شمال غربي سورية، إلى حوالي 100 كيلومتر خارج بغداد. وبذلك، تقع الحدود برمتها بين البلدين تقريباً تحت سيطرة “داعش”.
بينما قد تقف “داعش” لتذكر بتنظيم القاعدة والمجموعات الجهادية المبكرة فيما يتعلق بالدعاية، فإن ثمة اختلافاً كبيراً يميزها، حيث تتصرف “داعش” استراتيجياً وبهدف واضح: جلب ما يمكن جلبه من أراضٍ وأموال وأناس وأسلحة وبنية تحتية للخضوع لسيطرتها.
استفاد المتطرفون من الجمود الذي طال شهوراً بين الفصائل السياسية في العراق. وقد ازداد الوضع سوءاً بسبب عدم رغبة رئيس الوزراء العراقي، نوري المالكي، بالتنحي رغم طلب غالبية برلمانييه منه ذلك. وقد أعاق ذلك تشكيل حكومة جديدة في بغداد. ولأنه كان يتبنى أجندة طائفية مدعومة من إيران، فقد أثار المالكي حفيظة العرب والأكراد السنة في شمال البلد. ويوم الاثنين الذي سبق هذا التقرير، أقدم المالكي على نشر قوات أمنية نخبوية في بغداد، مجدداً مطالبه بأن يسميه الرئيس الجديد للبلاد لرئاسة الحكومة الجديدة. (تنحى المالكي رسمياً يوم الخميس الماضي).
ما كان التقدم الذي أحرزته “داعش” ليكون ممكناً من دون دعم العراقيين السنة. وفي الحقيقة، يقول المستشار الأميركي السابق، علي الخضيري، إن السنة المضللين قد “اختاروا عقد صفقة مع الشيطان”. وبعد كل شيء، لم يكن قادة “داعش” انتقائيين حول من سيهاجمون. وفي الموصل تم اعتقال ضباط عسكريين سابقين وأقطاب من حزب البعث من حقبة صدام حسين، السني، أو أنهم اختفوا بدون العثور على أي آثار لهم. وفي تكريت، تم تخويف أو قتل الإسلاميين السنة المصطفين مثل جيش النقشبندي.
كان الرئيس الأميركي، باراك أوباما، شديد الحرص على تجنب التدخل في العراق في غياب حكومة جديدة في بغداد. لكن الضربات الجوية الأميركية لن تحل الصراعات الأساسية في هذين البلدين -الصراعات التي مهدت الطريق أمام الصعود الناري لتنظيم “داعش” في المقام الأول. ولبعض الوقت راهناً، أتاح الافتقار إلى وجود حكومتين قويتين في العراق وسورية المجال أمام “داعش” للعمل بحرية في مساحات شاسعة في المنطقة. وما يزال العالم يراقب، لكنه يستمر في تجاهل ما يحدث في شمالي سورية.
تستمر “داعش” في حصارها لكوبان. وقد أغلق الأكراد الحدود أمام الأكراد الذين يحاولون الهروب، بينما يفعل المسؤولون الأتراك بالكاد أي شيء لصد الجهاديين الذين يدخلون المطارات التركية ويخرجون منها في غدوهم ورواحهم في المنطقة.

كاترين كونتز، وكريستوف رويتر* – (دير شبيغل)

ترجمة: عبد الرحمن الحسيني– الغد الاردنية

*نشر هذا التقرير تحت عنوان: The disturbing Rise of the Islamic State

Facebook TwitterطباعةZoom INZoom OUTحفظ

Share this Article
Leave a comment

اترك تعليقاً