السؤال المطروح وبقوة الذي تختلف الإجابة عليه بين المراقبين والمحللين بالشأن الإيرانى والعلاقات الأمريكية الإيرانية ، هو هل ستستجيب إيران للمطالب والشروط الأمريكية التي وضعها وزير الخارجية، مايك بومبيو، وتتكون من إثني عشر مطلبا تتسم بالشمول ولا تبقى شيئا ويعادلها تغيير النظام السياسى الإيراني؟ وهل يمكن للعقوبات الشامله التي فرضتها الولايات المتحدة على إيران ان تلجم السلوك الإيراني ، وتحث إيران على إعادة النظر في الكثير من الملفات، فتتخلى عن الكثير من الإنجازات التي حققتها في المنطقة؟
الإجابة على السؤال لا يمكن النظر إليها من منظور أحادي ، بل من خلال رؤية شاملة للسلوك الإيراني ، والمحددات التي تحكم هذا السلوك. وأيضا من منظور العقوبات ذاتها. وقبل الدخول في تفسير هذه المحددات لا بد من الإشارة إلى فعالية نظرية العقوبات كسلاح في السياسة الخارجية،حيث لا ينكر أحد أهمية العقوبات وإعتبارها أحد أدوات السياسة الخارجية ألأمريكية لعقود طويلة.
ولا شك ان العقوبات نجحت في العديد من الحالات حتى مع إيران في زمن الرئيس أوباما عندما كان للولايات المتحده هيبتها وقدرتها على حشد التحالفات الدولية. كما ان إيران في مازق وتواجه الكثير من التحديات الداخلية والخارجية، وأيضا الولايات المتحده تعاني من توتر في علاقاتها الدولية وخصوصا مع حلفائها ، وبروز تنافس كبير مع روسيا والصين اللتين تسعيان لإعادة صياغة النظام الدولي بعيدا عن الهيمنة الأمريكية ألأحادية.
لكن في الوقت ذاته لا يمكن التقليل من تأثير هذه العقوبات على إقتصاد إيراني يعاني من ارتفاع نسب الفقر والبطالة وإنهيار لقوة عملتها، وبسبب ارتفاع كلفة التمدد الخارجي الذي يكلفها نفقات كبيره تقدمها لوكلائها في المنطقة كحزب الله والحوثيين وحماس والجهاد وغيرها. ومن ناحية تحكم الولايات المتحدة في عمل المؤسسات المالية الدولية التي تمنح إيران شهادة آمان للمستثمرين، وقدرة الولايات المتحده على التاثير في الكثير من المؤسسات المالية للدول من خلال التحكم فيما يعرف بنظام الـ SWIFT والذى يعني خضوع التحويلات المالية لإيران للعقوبات .
ويالعودة للسؤال هل ستغير إيران من سلوكها السياسى ؟ هنا تثار أكثر من نظرية للتفسير، ابرزها نظرية الواقعية التقليدية والجديدة. وهذه النظرية بشقيها تقوم على فكرة القوة وألأمن، وعلى فكرة القتال والحرب أي القوة العسكرية، وتوسع من مفهوم القوة التقليدي بالقوة الاقتصادية والجيوسياسية والجيوثقافية، وتقوم على فوضوية النظام الدولي. وكما يقول أحد أنصار هذه النظرية والتز يمكن التنبؤ بالسلوك السياسي للدولة من موقعها في هذا النظام.
هذه النظرية تفسر لنا السلوك الإيراني بإعتبار إيران دولة قوة وتسعى لإمتلاك القوة بكل عناصرها وخصوصا النووية. والنظرية الثانية التي تفسر لنا سلوك إيران هي نظرية الدور او هاجس الدور، وهو ما تتصوره النخبة الحاكمة في إيران التي ترى بإيران أنها الدولة المنوط بها حماية العالم الإسلامي وقيادته وحماية المستضفين مقابل المستكبرين، وقناعتها بغياب الثقة بمحيطها ألإقليمى، وبالولايات المتحده وتعتمد في شرعية نظامها على تحدي القوة ألأمريكية.
والنظرية الثالثة التي تفسر لنا سلوك إيران تتناول طبيعة النظام السياسى الإيراني، الذى يقوم في جوهره على مركزية الفقيه، وانه المرجعية العليا لكل مؤسسات النظام السياسي، فالقرار بيده ولا يعدو رئيس الدولة ان يكون موظفا عنده. ناهيك عن تبعية الحرس الثوري له.
إلى جانب هذه النظريات هناك النظرية القومية والإستعلاء الفارسي ، والرغبة في عودة الإمبراطورية الإيرانية. هذا وتوجد مجموعة من المحددات التى تحكم سلوك إيران وهي الوضع الجيوسياسى لإيران بإعتبارها دولة شبه مغلقه والمنفذ الوحيد لها الخليج العربي، وهذا ما يفسر إعتبار كل المنطقة منطقة أمن إيرانية، والإرث التاريخي المتمثل في روح ألأمة ألإيرانية وإعتزازها، إلى جانب المحددات الأيدولوجية وإحياء المشروع الفارسي.
هذه المحددات والتفسيرات تحدد الخيارات المتوقعة للرد على العقوبات، أبرزها خيار التصعيد والتهديد بغلق مضيق هرمز، وهو خيار مستبعد أن تذهب إيران بعيدا فيه لإدراكها ان هذه المضيق يدخل عبره خمس الإستهلاك العالمي من النفط، وانه قد يتسبب لها في حرب كونية.
والخيار الثانى التهدئة والانتظار والأكثر إحتمالا ، انتظار الانتخابات الرئاسية ألأمريكية وإمكانية تغيير رالرئيس ترامب، لكن هذا غير واقعي لأن الولايات المتحدة لن تسمح لإيران بذلك. فهو خيار غير واقعى. وخيار الحرب هو خيار مستبعد لأن تكلفته قد تكون إسقاط النظام وتغييره.
وأما خيار إستهداف التواجد ألأمريكي في المنطقة قد يتسبب لها بالكثير من الخسائر. وهناك خيار تفعيل دور الحرب بالوكالة من خلال وكلائها كما في اليمن وغزة. وهو خيار قد يجرها للحرب الإقليمية الشاملة . وأخيرا خيار الانسحاب الجزئى من المعاهدة النووية والتي ما زالت قائمة بتوقيع الدول الأخرى عليها، وهذا قد يفقدها الثقة وتحلل الدول الأوروبية منها.
واما خيار التعويل على روسيا والصين فبكين وموسكو لهما متاعبهما ومصالحهما ألأكبر مع الولايات المتحدة، لذلك لا يبقى أمام إيران ألا التكيف وألإستجابة ولو جزئيا والدخول في مفاوضات جديدة مع الولايات المتحدة وبإطار أوسع واشمل حفاظا على ما حققته طهران من إنجازات وبالابتعاد عن تهديد نظامها حيث بدأ الجدل يدور حول خلافة خامنئى.
هذا الخيار الذي قد يعبر عنه رئيس إيران حسن روحاني ووزير خارجيتة بالبحث عن صيغة تفاوضية تحفظ ماء الوجه.