إيلان بابيه.. عن بلدية نابلس واللجنة الأولى لرعاية اللاجئين الفلسطينيين

2023/05/25
Updated 2023/05/25 at 8:18 صباحًا

الايام- يوسف الشايب:

في إطار مشروع “مسح النكبة”، الذي يبحث في جوانب النكبة التي لم يتم بحثها مركزاً بشكل أساسي على ما حدث للأفراد بشكل مباشر في أعقاب التطهير العرقي، وكيف أعادوا بناء حيواتهم بل ومستقبلهم من جديد، قدّم المؤرخ إيلان بابيه، في متحف محمود درويش بمدينة رام الله، مؤخراً، محاضرة، تحدث فيها ضمن ندوة “مفاهيم الصمود في رحلة النزوح/ اللجوء الفلسطيني”، عن تجربة اللجنة العامة لرعاية شؤون العرب النازحين في فلسطين، والتي انطلقت من مدينة نابلس.
وكان لافتاً في الدراسة التي قدّمها بابيه، وعلى عكس غالبية الدراسات التوثيقية التأريخية الفلسطينية والعربية، أنها اتكأت على أرشيف فلسطيني من صناديق أرشيف مكتبة بلدية نابلس، وتواصلت على مدار ثمانية أعوام بحثاً وتنقيباً، بالإضافة إلى روايات شفهية تتعلق في موضوع البحث، ومن عايشوا تلك التجربة.
وتحدث بابيه بالتفاصيل عن الدور الريادي لبلدية نابلس ومؤسسات المدينة المختلفة، وأهلها، والبلدات المحيطة بها: جنين وطولكرم وقليقيلة، لمنهجة استيعاب أعداد كبيرة من اللاجئين تفوق عدد سكّانها، عبر لجنة مختصة من نابلس، وبالتشاور مع اللاجئين، عملت لعام ونصف العام في هذا الاتجاه، ما يعكس حالة من التضامن الحقيقي قادتها بلدية نابلس مؤسسة اللجنة العامة لرعاية شؤون العرب النازحين في فلسطين، منذ بدايات موجات اللجوء إليها وإلى البلدات التابعة لها، وعملت لتسعة عشر شهراً حتى تأسيس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا).
وأكد بابيه أنه خلال العام 1948، “طردت القوات الصهيونية مئات الآلاف من الفلسطينيين، وخاصة من مدن الساحل في حيفا وعكا توجهوا إلى مدن نابلس، والبلدات المحيطة بها، وخاصة جنين وطولكرم، وعليه كان على “مدينة نابلس الصغيرة أن تستوعب اللاجئين بأعداد كبيرة تفوق عدد سكانها”.
“وجدتُ ود. جوني منصور في مكتبة بلدية نابلس عدداً كبيراً من الوثائق التي سجلت بشكل كامل عمل لجنة في نابلس نسّقت المشاركة مع هؤلاء اللاجئين مدة عام ونصف العام تقريباً، كما تتعلق الوثائق بجنين وطولكرم والقرى المجاورة لها”.
ويرى بابيه أن الوثائق تكشف عن قصّة تضامن حقيقي مع جموع اللاجئين المتدفقين من قبل بلدية نابلس بمواردها الشحيحة في وقت من الجمود السياسي، وبينما كان القتال لا يزال مستعراً في محيطها، وخاصة في جنين، ولم تقتصر مهام اللجنة المشكّلة على إدارة شؤون اللاجئين الوافدين إلى نابلس، بل من سكنوا جنين وطولكرم أيضاً.
وكشف بابيه أن رئيس بلدية نابلس سليمان طوقان، أنشأ لجنة لتقديم الموارد الغذائية والدواء والمال لمجتمع “ما كان ليبقى على قيد الحياة لولا ذلك”، واصفاً مشروع اللجنة التي شكلتها البلدية بالشامل، بحيث “لم يترك أي شخص في واقع الأمر دون تقديم العون له”، مشيداً بالمأسسة والمنهجية والرؤى الواضحة لآليات عمل اللجنة في مختلف الصعد، ما يجعل منها نموذجاً ليس فلسطينياً فقط بل أممياً فيما يتعلق بالدور الذي يمكن أن يلعبه التضامن الممأسس في إغاثة اللاجئين على المستوى العام، لافتاً إلى أن كلّ ما قدمته اللجنة وثق لدى الصليب الأحمر عندما أنهت أنشطتها مع تأسيس “الأنروا”.
يقول بابيه: “جاء اللاجئون إلى نابلس وليس بحوزتهم أي شيء تقريباً، باستثناء أشياء قليلة تمكنوا من انتزاعها في اللحظات الأخيرة من منازلهم، وكانت الموجة الأولى ممن لجؤوا إلى نابلس في أوائل العام 1948، وتكوّنت من عائلات حضرية من حيفا ويافا، كانوا يأملون أن يهدأ القتال في مدنهم، وان يعودوا إلى ديارهم، رغم تعرض منازلهم لهجمات شديدة من قبل العصابات الصهيونية، وخاصة (الهاغاناة) و(الأرغون)، أما الموجة الثانية من اللاجئين الفلسطينيين إلى نابلس فجاءت في آذار من العام 1948 بعد أن كثفت العصابات الصهيونية هجماتها على المدن والبلدات والقرى الفلسطينية، أما الموجة الأكبر فكانت في شهر نيسان ومطلع أيار من العام نفسه، حيث تم تهجير الغالبية العظمى من سكان يافا وحيفا وعكا وغيرها.. في الصيف جاء المزيد من اللاجئين إلى نابلس، ما استدعى اللجنة التي أسسها وقادها سليمان طوقان رئيس بلدية نابلس، أن تكثف أعمالها”.
وحول الأسباب التي دفعت طوقان والمشتغلين في اللجنة لخوض غمار هذه المبادرة، والكيفية التي تمكنت من خلالها بلدية نابلس الصغيرة ذات الموازنات المحدودة للغاية أن تعتني بشؤون اللاجئين على هذه الشاكلة، أشار إلى أن الأمر يتعلق بشخصية طوقان الحاسمة وذكائه الحاد، وبحالة التضامن الجمعي التي تميّزت بها نابلس وأهلها في النكبات الطبيعية منها وغير الطبيعية، وهو ما تبيّن حين استطاعت المدينة تجاوز آثار الزلزال المدمّر الذي طالها في العام 1927.
ولفت بابيه إلى أن طوقان نجح في استثمار الشعور الجمعي بالتضامن في نابلس إزاء اللاجئين، ومردّه الشعور بالانتماء الوطني لذات الأمة، أو لذات الشعب، في إنشاء هذه اللجنة التي لعبت دوراً رياديّاً في إنقاذ حياة عشرات آلاف اللاجئين إن لم يكن أكثر.
وبينت المقابلات الشفهية والوثائق عن روابط عائلية بين عدد من أسر اللاجئين وأهالي المدينة من مستقبليهم، بل إن المدن المجاورة لنابلس خاصة جنين وطولكرم كانت على تماس مباشر، كما نابلس، ولو بدرجة أقل، مع المدن التي قامت العصابات الصهيونية بتهجير سكانها الأصليين من الفلسطينيين، بحكم الجوار، والعلاقات العائلية والتجارية وغير ذلك.
وتحدث بابيه أيضاً عن دور موسى ناصر نائب رئيس اللجنة في إنجاح جهودها، وتطوير أعمالها على مدار التسعة عشر شهراً، كاشفاً عن أنه كان من وضع فكرتها في المقام الأول، لافتاً إلى أنه كان أيضاً وراء إنشاء كلية بيرزيت التي أصبحت فيما بعد جامعة بيرزيت، مشيراً إلى أنه وفي خمسينيات القرن الماضي شغل منصب وزير خارجية في الحكومة الأردنية، في حين أن طوقان تولى حقيبة الدفاع في الأردن أيضاً.
وتأسست اللجنة، حسب بابيه، بمساعدة هيئة أخرى هي اللجنة القومية التي كان لها دور في كافة أنحاء فلسطين، وتفرع عنها واحد وعشرون لجنة قومية في العام 1948، وكانت أقواها في نابلس، برئاسة طوقان أيضاً الذي كان يرأس البلدية كما اللجنة العامة لرعاية شؤون العرب النازحين في فلسطين، ومع الوقت تخلى عن رئاسة فرع اللجنة القومية في نابلس للتركيز على عمل لجنة الرعاية التي أسستها البلدية، وكان اجتماعها الأول في 20 تموز 1948، وتم اتخاذ قرار بإرسال مبعوثين إلى القدس وعمّان للاطلاع على ماهية المساعدات المتوقعة من القيادة الفلسطينية والقيادة في شرق الأردن، إلا أن موسى العلمي أبلغهم أن لا أموال لديهم لدعمهم، ومع ذلك قرروا في نابلس تشكيل لجنة على مستوى فلسطين لتجنيد الأموال لصالح إغاثة اللاجئين، خاصة بعد أن أدركوا أنه ليس لديهم من يعتمدون عليها، قبل أن تنضم اللجان القومية في جنين، وطولكرم، واللد، ورام الله، والبيرة، ومن ثم القدس، لدعم جهود اللجنة التي تأسست في نابلس، والتي وضعت دستوراً ولجاناً وآليات لكافة جوانب عملها، بما في ذلك توزيع المعونات على اللاجئين.. “لقد كان عملاً مهنياً وممنهجاً وغاية في الدقة والأهمية، لذا كانت نتائجه مهمة وفعالة على الأرض”.
ومما كشفه بابيه في محاضرته القيّمة هذه، تلك الآليات الرقابيّة التي كانت متبعة داخل اللجنة، للكشف عمّا إذا كان ثمة محسوبية فيما يتعلق بتوزيع المعونات على اللاجئين أو غير ذلك من مجالات عملها، خاتماً بأن تعاون اللاجئين أنفسهم مع اللجنة، ومساهماتهم فيها، كان له دور بارز في جعلها نموذجاً يحتذى به في إطار التضامن مع اللاجئين الفلسطينيين، وفي اعتمادها كتجربة ريادية تعكس فكرة التضامن الفلسطيني الفلسطيني في مواجهة الاحتلال الصهيوني.

Share this Article