القاهرة /أطلقت عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حنان عشراوي صرخة اندهاش وهي تشاهد عدداً من كبار قادة المنظمة يتحرك بتثاقل في «لوبي» أحد الفنادق الفاخرة في القاهرة قبل أيام قبل اجتماع خصص لبحث المصالحة. بعضهم استعان بعكاز على المشي، والبعض الآخر استعان بمرافق يدله على الطريق.
وقالت عشراوي: «يجب أن نعترف، نحن كبرنا في مواقعنا، ولم نعد قادرين على أداء مهامنا، علينا أن نخلي هذه المواقع للأجيال الجديدة، أنا شخصياً تجاوزت الستين، وأشعر بأنني كبرت، وانتم أكبر مني كثيراً، وقد هرمتم». استحسن الفكرة كل من فاروق القدومي (82 سنة)، وزهدي النشاشيبي (85 سنة)، وسليم الزعنون (80 سنة) وغيرهم، لكن آخرين لم يظهروا أي موقف. اما عشراوي التي تبدو في عمر أبناء بعضهم، فقبلت التحدي والتنحي وحضتهم على قبوله، قائلة: «أعلن من هنا أنني أول من يقبل التنحي من أجل مستقبل الشعب الفلسطيني».
ويعترف القائمون على منظمة التحرير بأن قيادة المنظمة هرمت، ولم يعد الكثيرون من أعضائها قادرين، جسدياً وذهنياً، على القيام بمهامهم. وكثيراً ما يتندر الأعضاء الأصغر في مؤسسات المنظمة على من هرموا في مواقعهم، ولم يعد البعض منهم قادراً على السفر لحضور الاجتماعات. لكن هذا الإقرار لم يتحوّل الى فعل سياسي تغييري.
ولم تشهد مؤسسات منظمة التحرير انتخابات حقيقية شاملة منذ تأسيسها أواسط ستينات القرن الماضي، وما زال ممثلو بعض الاتحادات في المجلس الوطني (البرلمان) يمثلون اتحاداتهم رغم تجاوزهم السن القانوني لذلك، مثل رئيس اتحاد الطلاب الذي غزا الشيب رأسه منذ زمن طويل، ورئيس اتحاد العمال الذي لا علاقة له بالطبقة العاملة، واتحاد الفلاحين الذي لا يعرف الفلاحة وغيرهم. وجرت محاولات داخلية لاجراء انتخابات للمجلس الوطني الفلسطيني الذي ينتخب بدوره القيادة السياسية للشعب الفلسطيني (اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير)، لكن تلك المحاولات لم تظهر جدية عالية.
واستبشر خيراً الفلسطينيون الذين لا يخفون عدم رضاهم عن عدم تجديد المؤسسة السياسية وتفعيلها، لدى التوافق بين قطبي السياسة الفلسطينية، حركتي «فتح» و «حماس»، على اعادة بناء المنظمة، واجراء الانتخابات حيثما كان ذلك ممكناً. لكن سرعان ما تبددت هذه الآمال عندما تعمّق الانقسام، وتحولت الانتخابات الى موضوع للمساومة، وحلت محلها لغة المحاصصة.
ويعزو المراقبون تعثر الانتخابات والاصلاح في مؤسسات المنظمة الى استفادة النخب الحالية من الوضع القائم، وعدم رغبتها في فقدان مواقعها لصالح أجيال وقوى أخرى ربما منافسة.
وأمام ما ظهر أنه استحالة حدوث تغيير من الداخل، بدأت تظهر محاولات للتغيير من الخارج. ومن هذه المحاولات «الحملة الوطنية لانتخابات المجلس الوطني» التي تضم ناشطين فلسطينيين حول العالم. وانطلق أصحاب الحملة، ومنهم أكاديميون بارزون مثل الاستاذة في جامعة اوكفسورد البروفيسوره كرمة النابلسي وغيرها، من حاجة الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات الى اجراء انتخابات للبرلمان الذي يمثلهم، ويرسم لهم خياراتهم المستقبلية. وحظيت الحملة بترحيب واسع من الجاليات والمؤسسات الفلسطينية في دول العالم.
وفي محاولة لتحويل الفكرة الى حقيقة، صمم عدد من خبراء الحاسبون الناشطون في الحملة نظاماً انتخابياً دقيقاً للتسجيل والانتخاب حظى بمصادقة لجنة الانتخابات المركزية الفلسطينية وتقديرها. وجرى توزيع النظام على شبكة من الناشطين في اماكن التجمعات الفلسطينية. وتجري اقامة مراكز لتسجيل الناخبين في التجمعات الفلسطينية الكبيرة حول العالم. وأقيم أكثر من مركز تسجيل في عدد من الدول الكبيرة، مثل الولايات المتحدة حيث أقيمت فيها ثلاث مراكز. وأصدر الائتلاف الفلسطيني العالمي لحق العودة الذي يضم 23 مؤسسة تعنى بشؤون اللاجئين الفلسطينيين حول العالم، بياناً قبيل اللقاءات الأخيرة للجنة تفعيل منظمة التحرير في القاهرة، دعا فيه الى إجراء انتخابات المجلس الوطني، وإعادة تفعيل المنظمة التحرير بمشاركة الكل الفلسطيني.
ودعا البيان الذي وقعته المؤسسات الناشطة في المخيمات الفلسطينية في لبنان والاردن وسورية وفي الجاليات الفلسطينية في أوروبا والاميركيتين الشمالية والجنوبية، الى إبقاء المجلس التشريعي الفلسطيني جزءاً من المجلس الوطني الفلسطيني، وعدم فصله عنه للحفاظ على وحدة التمثيل الفلسطيني، وإشراك الكل الفلسطيني من فصائل وقوى وطنية ومجتمعية فلسطينية في الحوار الجاري للوصول إلى قانون انتخابي يتناسب مع تطلعات الشعب الفلسطيني ومطالبه وظروفه.
وقال الائتلاف انه إذ «يبارك هذه اللقاءات والخطوات، فإنه يأمل في أن تساهم في الحفاظ على وحدة شعبنا السياسية والجغرافية، من خلال تسلّح كافة القوى الفلسطينية المتحاورة بالإرادة السياسية والحرص الوطني لتذليل العقبات وتجاوزها، والارتقاء لمستوى نضالات شعبنا وتضحياته العظيمة».
وطالب بـ «إعادة تفعيل منظمة التحرير، وضرورة إجراء انتخابات للمجلس الوطني وفق نظام التمثيل النسبي الكامل يشارك بها كل من تنطبق عليه شروط الترشح والاقتراع من أبناء شعبنا الفلسطيني في الداخل والخارج». كما طالب بضرورة ضمان حق الاقتراع للفلسطينيين كافة وفي أماكن وجودهم من دون استثناء او إقصاء أي من التجمعات الفلسطينية. (مشاركة كل فلسطيني بلغ سن 18 سنة يمتلك حق الاقتراع).
وقال: «إن القرارات الصادرة في هذا الشأن لها تداعيات سياسية هائلة وأثر كبير على حقوق الفلسطينيين الأساسية، لذا يجب أن تصدر القرارات بناء على إجراءات سليمة وفهم واضح للمسائل المطروحة والاستعانة بالخبرات اللازمة واخذ آراء واحتياجات الناخبين في الاعتبار، واختيار المواقع الملائمة لإجراء عملية التسجيل والانتخاب فيها مع ضمان حق الجميع بالمشاركة بأمان».
اللحياة اللندنية –محمد يونس.