شكل العدوان البربري الصهيوني على منطقة رفح جنوب قطاع غزة، وسيطرة الاحتلال الاسرائيلي على معبر رفح البري على الحدود مع مصر من الجانب الفلسطيني، كرة نار، تقصّد نتنياهو الدفع بها بالتزامن مع حديث عن اتفاق وقف إطلاق النار ، وإنهاء العدوان على قطاع غزة، لتكشف التطورات المتسارعة أن الوضع أوسع وأكبر مما يجري في غزة، وبأن الاتفاق ليس الا مجرد مناورة تتخذها حكومة نتنياهو، دون الذهاب إلى الانخراط بها بشكل جدي، ليقينها أن التوقيع على الاتفاقية فيها مقتلها، سواء سقطت مباشرة، أم استمرت لتواجه مسائلات قانونية وسياسية حول الهزيمة وعدم تحقيق أهداف العدوان على غزة طوال سبعة أشهر.
عدوان نتنياهو على رفح، لن يكون العصا السحرية التي تفلته من الحساب، ولن يكون سلم النجاة الذي سينزله من أعلى الشجرة التي صعد عليها، بطرحه سقوفا عالية في بداية العدوان، بل تزيد الخناق عليه، وتشد من حبل الانتقادات الدولية الذي يلف حول عنقه، كما أن تلك العملية في رفح تتجاوز في إرباكها وتداعياتها أوساط الكيان الصهيوني، لتطال الولايات المتحدة الأميركية، والداعمين الغربيين، خاصة مع خروج المزيد من صور أشلاء الأطفال والنساء والدمار إلى الفضاء الخارجي، ليعبر زعيم المعارضة في الكيان الإسرائيلي يائير لابيد عن أول الارتباكات بقوله: «لو كنت أنا رئيس الوزراء كنت سأقوم بتأجيل العملية العسكرية 48 ساعة على الأقل»، متسائلاً: «إذا كان قد انتظر لأشهر فلماذا الآن هذا إلا إذا كان لإفشال الصفقة»؟
نتنياهو راهن على رفض المقاومة الفلسطينية لاتفاق الهدنة، ولعله ينجح مما يخفيه من تفاصيل خبيثة، اقلها تفريغ القطاع من ساكنيه عبر عملية تهجير قسري إلى الشتات، لتحول المقاومة جميع تلك الشعارات والعناوين إلى «هزيمة استراتيجية» خسر الاحتلال من خلالها صورته التي عمل على بنائها طوال عقود، وعلى ما يبدو لن يستطيع بتلك السهولة ترميم ما لحق به من هزائم، لتؤكد صحيفة «معاريف» الإسرائيلية أن «إنهاء الحرب يعني لجنة تحقيق، احتجاجات أكبر، وأسئلة صعبة» في إسرائيل.
واضح أن إسرائيل هُزمت وانكسرت شوكتها، مع أول رصاصة في «طوفان الأقصى»، تلك العملية التي عرت الغرب وزيف ما يدعي من ديمقراطية، وكشفت هشاشة الكيان، وبأنه عبارة عن تمساح بفكين، أميركي وأوروبي، وعليه فإنه كان على نتنياهو وقادة الكيان الاستماع جيداً إلى ما قاله الكاتب الصهيوني ناحوم بارنياع لصحيفة «يديعوت أحرونوت»: إن «إنهاء القتال في غزة والذهاب نحو صفقة تبادل هو قرار استراتيجي يفتح الباب للخروج من الحفرة التي وقعنا فيها في 7 تشرين الأول».
ثمة حقائق جمة لا يمكن للعدو الصهيوني وداعميه انكارها، وهي أن مقاومة وشعباً صمدوا سبعة أشهر في وجه آلة القتل والإبادة الجماعية، لن يستسلموا في الربع الساعة الأخيرة، وبأن نتنياهو يواجه ضغوطا داخلية وخارجية، هو أعجز من أن يصمد أكثر في وجهها، ليكون السؤال الأصعب على نتنياهو، ماذا لو قام من خلال اجتياح رفح بتدمير كل حجر، وعمل على حراثة أرضها شبراً شبراً، ولم يجد أياً من جنوده الأسرى.
الوقائع تقول إن رفح هي الورقة الأخيرة، والقليل من الأمتار، فيما يمتلكه نتنياهو من خطط في غزة، ووجود نتنياهو هناك ليس سوى الرقص على حافة الهاوية، لكونها منطقة مفصلية تشكل مفتاح النصر والهزيمة، وعملياً هو في مأزق بين الإقدام والتراجع، وفي كلتا الحالتين فالنتيجة هي الخسارة، خسارته إذا ما قام بالأولى عالمياً، وخسارته في الثانية داخلياً.
رغم هول الفاجعة وعشرات الاف الضحايا والدمار غير المسبوقة، انتصرت غزة وأعادت للقضية الفلسطينية وهجها الذي جهدت أميركا والغرب لإطفاء نوره، وعاد الدفق الإنساني إلى شرايبن الوجدان العالمي، وما الحراك الطلابي في أميركا وكندا وأوروبا وحول العالم إلا مسمار جديد يدق في نعش محاولات طمس الحقوق وتصفية القضية الفلسطينية.