حياة وسوق – سحر حنني- قد تعجبك نتيجة ما تحصل عليه، وأحيانا قد تنبهر، ولكن هل تعلم ما هي الأضرار المترتبة على تنظيف ملابسك في محلات الـ»دراي كلين»؟!
الجواب: بالطبع لا؛ فلا بد أن تكون متخصصا وباحثا حتى تعلم النتيجة الحتمية عند ارسال ملابسك أو فرشك الى محلات «الدراي كلين»، والتي في الغالب تستخدم مواد كيماوية في التنظيف، وهذا لا ينطبق على فلسطين فقط إنما على العالم أجمع.
أيها الزبون هل توقفت يوما أمام مصطلح الـ»دراي كلين»، وسألت نفسك كيف يتم هذا التنظيف؟ وما هي المواد المستخدمة فيه؟
إن فعلت أم لا، نحن في «حياة وسوق» سنجيب على هذه التساؤلات وغيرها.
محلات «الدراي كلين»، وهو مصطلح مترجم إلى العربية، ويعني التنظيف الجاف المتمثل بعدم استخدام الماء، ولكن على الرغم من اسمه، فهو ليس جافا تماما؛ إنما ينطوي على استخدام المواد الكيميائية السائلة، تسمى المذيبات والتي تعمل على إزالة معظم البقع من مجموعة متنوعة من الأقمشة.
مواد تؤثر على صحة الإنسان
ويؤكد الدكتور حسن صوالحة رئيس قسم الهندسة الكيماوية في كلية الطب بجامعة النجاح، أن المواد المستخدمة في الدراي كلين هي مواد معروفة عالميا، وهي ذاتها المستخدمة في فلسطين.
ومن أبرزها، مادة البيروكلورايثلين وتختصر بمصطلح (بيرك) ومادة الهيدرواكاربون. D5 “Green Earth”.
هذه مواد كيماوية تؤثر بشكل او بآخر على صحة الانسان، فالبيرك والذي يعرف ايضا باسم الايثيلين اثبتت دراسات اميركية انه يتسبب بالسرطان، واذا ما تعرض له الانسان بشكل طويل، فإنه يؤثر على الخصوبة، إضافة مشاكل في الأعصاب كالصداع والدوخة، وقد تصل هذه المواد الى التربة والمياه الجوفية، حسب ما يصف الدكتور صوالحة.
أما بالنسبة لـ” الجرين ايرث” فهي تستخدم كمحلول للغسيل الجاف ولها أكثر من مخاطر، إذ تدخل في جسم الانسان وتتغلل فيه وتؤثر على الاعصاب والخلايا والانسجة، وهي ايضا تسبب السرطان، كما انها تدخل الى المياه الجوفية، فضلا عن تأثيرها على الحيوانات البرية ويمكن أن تصل إلى الأسماك وعن طريقها تصل إلى الانسان.
وكذلك الحال بالنسبة الى الهيدرو كاربون وهي مواد شديدة التطاير كالكحول والاستون بعضها يسبب السرطان، وبعضها الآخر يتطاير في الجو ويسبب احتباسا حراريا. ويقول د. صوالحة: “هناك توصيات في اميركا وكندا بالتوقف عن استخدام هذه المواد“.
الأثر البيئي
يشير المهندس ابراهيم عطية مدير دائرة البيئة في وزارة الصحة إلى أن المواد المستخدمة في الدراي كلين جل ضررها ينصب على البيئة فهي تؤثر على المياه العادمة ومحطات التنقية، وتزيد نسبة الكيماويات فيها، وبالتالي تؤثر على المايكروبات الضرورية في المياه العادمة سواء في المجاري أو محطات التنقية.
وبخصوص الأثر الصحي، يلفت المهندس عطية إلى أن هذا الأثر غير واضح كون هذه المواد لا تخضع للقياس، فنحن في فلسطين لا يوجد لدينا أجهزة قياس داخلية لكمية المواد الكيماوية ومدى تأثيرها، وهذه المشكلة لا تنحصر على محلات لدراي كلين فقط انما تمتد لباقي الصناعات، وهذا يعد نقصا حادا تعاني منه الوزارات المختلفة كوزارة الصحة والبيئة.
اما بالنسبة لتطبيق الشروط الصحية، يعتقد المهندس عطية أن هناك متابعة ومراقبة إلى حد ما للمحافظة على الشروط الصحية من ناحية الحرارة والرطوبة.
تحذير من تسرب المواد إلى المياه الجوفية
من جانبه، ينفي مدير مركز السموم في جامعة النجاح الوطنية الدكتور سائد زيود وجود أي اثبات علمي بخطر هذه المواد على صحة الانسان معللا أن الابحاث التي أجريت عالميا على الحيوانات تمت عن طريق الحقن، وعليه تدخل هذه المواد مباشرة لجسم الحيوان، في الوقت الذي لا تدخل هذه المواد لجسم الانسان مباشرة، فهو لا يتناولها عبر الأكل أو الشرب.
ويقول د. زيود: هذه المواد لا تضر الانسان الذي يتعامل مع محلات الدراي كلين؛ لأنها تتبخر من الملابس. وللوقاية من الخطر المحتمل، يحذر مدير مركز السموم بأنه على العاملين في هذا المجال الوقاية بألا تتسرب أي من هذه المواد الى اطعمتهم حتى لا تصل لأجسامهم، مشددا على أن تتم عملية التخلص منها بطرق سليمة بحيث لا يتم القاؤها في المجاري أو الشوارع حتى لا تصل بطريقة أو بأخرى للمياه الجوفية كوننا نعتمد على الآبار الارتوازية وكذلك أن تتم هذه العملية باشراف من وزارة الصحة أو البلديات كون هذه المواد الكيماوية تصنف انها خطرة اذا وصلت للمياه الجوفية.
هل يمكن إنشاء محطة تنقية داخلية؟
وحول سبيل الخلاص من الأثر السلبي للمواد المستخدمة في هذه المحلات، يشدد المهندس عطية على ضرورة وجود محطة تنقية داخلية لكل محل دراي كلين. ولكن يبقى ذلك حلا غير قابل للتنفيذ كونه يحتاج الى تكلفة عالية ويتطلب مساحة كبيرة، ونحن في فلسطين لا توجد لدينا مثل هذه الامكانية لعمل هذه المحطات.
وحسب دراسات وتقارير اميركية نشرت عبر الشبكة العنكبوتية (الانترنت)، فان الايثيلين يمكن أن تتسرب من خلال الأرض وتلوث المياه السطحية والمياه الجوفية، ومياه الشرب. فكمية صغيرة من الايثيلين يمكن أن تلوث كمية كبيرة من المياه ويمكن أن يتعرض له الناس من شرب أو استخدام الماء.
وتبين أن كميات صغيرة من الايثيلين في الماء تكون سامة للحيوانات المائية التي يمكن أن تخزن هذه المادة الكيميائية في الأنسجة الدهنية.
وبالنسبة للهواء فإن اطلاق الايثيلين مرة واحدة في الهواء يمكن أن تبقى في الغلاف الجوي لعدة أسابيع، والايثيلين في حد ذاته لا يستنفد طبقة الأوزون في الغلاف الجوي. ولكن بعد بضعة أسابيع، ينهار الايثيلين في المواد الكيميائية الأخرى، التي يكون بعضها ساما، وبعضها الآخر يشتبه في استنزاف طبقة الأوزون.
لجنة الزامية لمواد التنظيف
توجهت “حياة وسوق” إلى المواصفات والمقاييس بغية التعرف على المواصفات المحددة لمواد التنظيف الجاف، وتبين من خلال اللقاءات المتعددة أنهم لا يمتلكون مواصفات لمواد التنظيف بشكل عام؛ أي أنه لا يوجد أي مواصفة تختص بالمواد الكيماوية التي يستعملها أصحاب محلات التنظيف الجاف؛ إنما فقط يعتمدون على مراقبة المياه الخارجة من الصناعة، فهم يعدون المواصفة ويسلمونها للجهات الرقابية كوزارة الاقتصاد أو الصحة أو البيئة وبالتالي كل جهة تقوم بدورها بتدقيق المواصفة. ويؤكدون “نحن لسنا رقابة انما جهة تنفيذية”. وتعمل المواصفات والمقاييس على وضع تعليمات فنية الزامية بخصوص مواد التنظيف بشكل عام من ضمنها مواد التنظيف المؤسساتية، منها تلك المستخدمة في الدراي كلين؛ وتشمل وضع متطلبات الوسم (بطاقة بيان وهي تعليمات تتوفر على العبوة) وبما يتضمنه من متطلبات صحية وما تحويه من مواد حساسة، وكذلك متطلبات بيئية تضمن عملية تحلل بيئي وبيولوجي جيدة حتى لا يتراكم اثرها البيئي، وبالتالي تسبب مشكلة بيئية.
ويقول رئيس لجنة التعليمات الفنية الالزامية في المواصفات المقايسس المهندس سليم الجيوسي: إن هذه التعليمات لم تصدر بعد، لافتا إلى أنها تصرح استخدام جميع المواد التي تحقق متطلبات التحلل البيولوجي ولن يتم استخدام أي مادة لن تكون قادرة على التحلل البيولوجي.
وأضاف: “التعليمات لا تحدد أسماء هذه المواد وانما يسمح بها نظرا لتحللها الأولي ومدى سميتها وقابليتها للاشتعال“.
محلات التنظيف الجاف بلا رقيب
تبقى محلات التنظيف الجاف والتي يصل عددها حسب الغرف التجارية والصناعية الى 347 محلا مرخصا في الضفة (59 محلا في مدينة نابلس) تعمل بلا رقيب أو حسيب وإنما تعتمد على الرقابة الذاتية.
الخطر قائم
ويؤكد محمود عمر صاحب محل دراي كلين، ويعمل في هذا المجال منذ أكثر من 20 عاما، أنه لا توجد رقابة حقيقية لهذه المحلات وإنما رقابة ذاتية فقط، قائلا: “لا توجد أي جهة رسمية أو غير رسمية تقوم بدور المراقب”، منوها الى أنه يبقى شخصيا على أهبة الاستعداد لاستقبال أي جهة أو زبون يطلع على كيفية التعامل مع قطعته.
وبالنسبة للمادة التي يستخدمها في محله، يؤكد عمر على استخدام مادة البيروكلوروايثيلين، لافتا إلى أنها مادة كيميائية شبيهة بالماء لكنها ليست كذلك.
وعند سؤاله فيما اذا كانت هذه المادة تؤثر سلبا على صحة الانسان ومدى اطلاعه على هذا الموضوع يقول عمر: “إن البيروكلروايثيلين فيها مواد مسرطنة لكن التي نستخدمها نحن مسحوبة منها تلك المواد، وأنا أحصل على هذه المادة من اسرائيل التي تجري عليها فحوصات مخبرية”، مشددا على انه لا يوجد هناك شخص يضر نفسه. ويتابع: في الماضي أي قبل 6 سنوات مضت لم يكن هناك أي نوع من الفحوصات تجرى على هذه المادة، وهي ككل شيء لها أنواع فضلا عن التطور الحاصل على الآلات المستخدمة.
ويضيف، “أنا شخصيا أتابع عن كثب كل ما هو جديد سواء بخصوص المواد أو الآلات المستخدمة“.
وعند استطلاعنا عددا من أصحاب المحال حول المادة المستخدمة يذكرون انهم يستعملون مادة تدعى خومر (وهو اسم آخر لمادة الايثيلين والبيرك) وهي عبارة عن مادة نفطية، وكثرة التعرض لهذه المادة بشكل مستمر قد يشكل خطرا.
المواطنون يجهلون الأضرار
إن معرفة أضرار هذه المواد لا تمتلكه المواطنة أحلام سرسك والتي ترسل ملابس عائلتها الى محلات الدراي كلين في مدينة نابلس، وهي كذلك تجهل نوعية المادة المستخدمة في التنظيف الجاف، لافتة إلى أن الدراي كلين يعيد ملابسهم نظيفة وكأنها جديدة خاصة أنهم يستخدمون الكي بالبخار؛ إذ تحرص على أن تكون ملابس زوجها أنيقه لانه موظف بنك.
وكذلك حال بالنسبة للمواطنة أنوار حسن والتي يعمل زوجها محاميا، وغيرهن الكثير الكثير.
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: إذا كانت الدول التي يوجد فيها رقابة صارمة على الخدمات المقدمة لمواطنينها تقر بخطورة المواد المستخدمة في عمليات التنظيف الجاف، فكيف هو الحال في فلسطين التي تستخدم فيها محلات الـدراي كلين” مواد كيميائية دون رقيب أو حسيب؟!
اشتباه بوفاتين بالسرطان لدى عائلة اقامت تحت أحد المحال
خالد قرعان (38 عاما) من مدينة البيرة يعمل اليوم تاجرا، وقد عمل لمدة 15 عاما في محل للتنظيف الجاف يقول لـ”حياة وسوق” ان عائلة اشتكت من وفاة رب الأسرة وزوجته واصابة ابنائهما بأمراض عصبية ونفسية حيث كانوا يسكنون في منزل يقع تحت محل للدراي كلين.
يقول قرعان: “الماكينات التي تستخدم في عملية التنظيف الجاف تعمل عن طريق مواد كيماوية، وفي العادة تكون في هذه الماكينات فلاتر مخصصة، ولكن للأسف الماكينات الموجودة في فلسطين لا تخضع للرقابة من قبل أي جهة رسمية ولا يوجد أية مواصفات ومقاييس معتمدة بخصوصها”، مشيرا إلى أن اصحاب هذه المحال عادة ما يشترون الماكينات من اسرائيل بعد أن تكون قد استهلكت لفترة طويلة. ويضيف “لا يعرف أحد أين تذهب المواد الكيماوية الضارة لجسم الانسان بعد تشغيل الماكينات، ولكن اعتقد انها تتسرب الى جسم الانسان وملابسه“. وأشار قرعان إلى أن سكان احدى الشقق السكنية التي تقع اسفل محل الدراي كلين وتحديدا في طابق التسوية كانوا يعانون الأمرين بسبب تسرب المواد الكيماوية الى بيتهم – حسب قولهم -، وقد ادى ذلك – حسب قولهم- إلى إصابة رب الأسرة وزوجته بالسرطان ثم توفيا لاحقا، بالإضافة إلى اصابة عدد من افراد العائلة بأمراض نفسية وعصبية مختلفة.
كافة الماكينات مستهلكة ولا تخضع لمواصفات
ويشير قرعان إلى أنه اطلع على كل الماكينات التي تستخدم في محلات التنظيف الجاف في مدينتي رام الله والبيرة، مبينا أن كافة الماكينات المستخدمة لا يزيد موديلها عن عام 1985، قائلا: “أجزم انه لا يوجد محل واحد في المحافظة قد اشترى ماكينات حديثة بسبب ارتفاع ثمنها (الحديثة بـ50 ألف دولار بينما المستخدمة 20 ألف دولار)”، علاوة على عدم وجود مختصين في تركيب هذه المكينات ومن يقوم بتركيبها “السباكون” الذين لا يعرفون إن كان التركيب مطابقا للمواصفات ولمعايير السلامة العامة أم لا.
ويؤكد قرعان أن محال الدراي كلين لا تحصل على ترخيص من أي جهة مختصة لا من وزارة الصحة ولا من وزارة البيئة ولكن يتم الاكتفاء بمنح الرخصة من البلدية، مشيرا إلى منح الرخصة هو اجراء روتيني كأي محل آخر اذ تكتفي البلدية بوضع الختم على الرخصة دون إجراء الفحوصات اللازمة للتأكد من مطابقة هذه الماكينات لمعايير الصحة والسلامة العامة.
وأكد قرعان ضرورة تنفيذ حملات تفتيشية دورية على محال الدراي كلين والتأكد من تطبيقها لمواصفات ومقاييس يتم اعتمادها من قبل الجهات المختصة.
وينوه قرعان إلى أن اصحاب بعض المحال يحاولون تحت ضغط العمل اخراج الملابس من ماكينة التنشيف قبل الوقت المخصص ما يعني بقاء بعض المواد الضارة على الملابس التي قد تتسرب لاحقا الى جسم الانسان، منوها إلى أن صاحب المحل يقوم برش الملابس بمواد أخرى ذات رائحة زكية لتعكس انطباعا حسنا لدى الزبون.
وأضاف “في العادة يتم خلط الملابس كلها داخل المغسلة دون تصنيفها حسب نوعها أو درجة نظافتها”. وحول مصدر المواد الكيماوية، يقول قرعان “يوجد نوعان من هذه المواد، الأول يتم احضاره من اسرائيل ولا أحد يفحص مواءمته للمواصفات ونوع ثان يصنع في شركة محلية“.
وحول سبب استمراره في العمل في محل بيع مواد التنظيف الجاف رغم علمه بأضرار المواد المستخدمة فيه، قال قرعان: “لم يكن لدي عمل بديل، كما أني كنت مسؤولا عن العمال وإدارة المحل ولم يكن هناك مجال الا ان أعمل“.
وبالنسبة للوضع في اسرائيل، يقول قرعان: “في اسرائيل تقوم جهة رسمية بتسجيل كمية المواد الكيماوية التي يستخدمها كل محل وذلك ضمن نظام محوسب، واذا لاحظ المسؤولون أي زيادة غير طبيعية في استهلاك تلك المواد يرسلون فريقا للتفتيش للتأكد من مدى التزام المحل بمعايير الصحة والسلامة العامة وهذا الأمر غير موجود في فلسطين”، مؤكدا أن الماكينات المستخدمة لدى الاسرائيليين حديثة جدا وتخضع لمواصفات ومقاييس مشددة.