رام الله /نشرت صحيفة “انترناشونال نيويورك تايمز” اليوم السبت مقالاً كتبه الوزير الفلسطيني السابق استاذ العلوم السياسية حالياً في جامعة بير زيت البروفيسور علي الجرباوي تحت عنوان “الخطة ب لفلسطين: المنطقة ج” وذلك في اشارة الى المنطقة المصنفة، بموجب اتفاق اوسلو، كمنطقة خاضعة للاشراف الامني والاداري من جانب سلطات الاحتلال الاسرائيلي، مقترحاً تمكين الفلسطينيين من تطويرها واستعادة السيطرة عليها. وهنا نص المقال:
“في ضوء فشل ادارة اوباما في مصر وسوريا، يشكل احياء المفاوضات الفلسطينية-الاسرائيلية ما يمكن ان يكون انجازا ايجابيا تحاول الادارة التركيز عليه في محاولة لاستعادة بعض ما فقدته من مكانتها على الصعيد الاقليمي.
ويبدو ان الولايات المتحدة توصلت الى اتفاق ضمني مع الجانبين كليهما على: ان الاسرائيليين لن يفقدوا اي شيء اساسي خلال المفاوضات، وان الفلسطينيين سيبدون وهم يحققون مكاسب قليلة ولكن ليس بشأن اي من القضايا الجوهرية. وفي الوقت الحالي يبدو هذا حافزا كافيا لابقاء الجانبين في حالة تفاوض.
ان توسيع اسرائيل للمستوطنات بصورة عدوانية في داخل الاراضي المحتلة، خصوصا في القدس الشرقية، مستمر – وهذه سياسة تسمح لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بالاحتفاظ بائتلافه الحكومي اليميني المتطرف.
في غضون ذلك، شاهد الفلسطينيون اطلاق اسرى اعتقلوا لمدد طويلة بشرط ان تمتنع السلطة الفلسطينية عن تقديم طلبات للالتحاق بعضوية منظمات دولية. كما تلقوا وعوداً اميركية للمساعدة في تأمين دعم مالي لاقتصادهم، وهي خطوة ضرورية لبقاء السلطة الفلسطينية حية.
تتكون حملة المغريات الاقتصادية من جزئين. اولهما مباشر وهو ينطوي على ضخ ما يقرب من 600 مليون دولار في ميزانية السلطة الفلسطينية في السنة المالية الحالية لتوازن دفاترها وتخفض مديونيتها. والجزء الثاني غير مباشر، وهو ينطوي على مشروع لاحياء الاقتصاد الفلسطيني من خلال اطلاق ما صار يسمى “خطة كيري”. وقد وصفها وزير الخارجية الاميركي بانها “اكبر واجرأ الخطط التي اقترحت واكثرها طموحاً منذ اوسلو”.
ويبدو من خلال ما تسرب من معلومات عنها حتى الآن ان هدفها هو العثور على 4 مليارات دولار من الاستثمارات الخارجية في السلطة الفلسطينية على مدى السنوات الثلاث المقبلة عبر شراكات مع القطاع الخاص في مجالات حاسمة الاهمية مثل الزراعة، والصناعة، والسياحة، وتكنولوجيا المعلومات، والإسكان، والطاقة والمياه. ويتوقع السيد كيري ان تؤدي هذه الاستثمارات الى نمو نسبته 50 في المائة على مدى السنوات الثلاث المقبلة، وزيادة الرواتب بـ 40 في المائة وخفض البطالة بـ28 في المائة. واذا ما نجحت، فانها ستغير المشهد الاقتصادي الفلسطيني بصورة جذرية.
ولكن كيف ستنجح خطة كهذه؟ وكيف يمكن ان تكون ابداً اكثر من حقنة نقد موقتة المفعول في اقتصاد تكبله اصفاد الاحتلال؟
منذ العام 1967، استهدفت سياسات اسرائيل عزل الفلسطينيين في كانتونات ضيقة فيما تواصل هي السيطرة على معظم الاراضي واستغلالها والاستيطان فيها. وفي العام 1993، وهي السنة التي وُقعت فيها اتفاقيات اوسلو، حُظر على الفلسطينيين العبور بين الضفة الغربية وقطاع غزة الا بتصريح مسبق من اسرائيل، رغم ان تلك الاتفاقيات نصت على اقامة ممر ارضي آمن بين المنطقتين. ومع مرور الزمن، اصبح هذا التصريح المسبق نادرا ويصعب الحصول عليه، ما ادى الى انقطاع الحياة تماما في قطاع غزة عن الحياة في الضفة الغربية.
وفي تسعينات القرن الماضي، جرى تقسيم الضفة الغربية، ويبلغ اجمالي مساحتها 5500 كيلومتر مربع، الى ثلاث مناطق (لا تدخل القدس الشرقية ضمنها) واطلق عليها اسم “أ” و “ب” و “ج” ، وكان من المفهوم انها ستسلمها باكملها الى السلطة الفلسطينية في العام 1998 لتكون تحت سيطرتها التامة. وقد تسلم الفلسطينيون المنطقة “أ”، وفيها المراكز السكانية في المدن الرئيسية، وفي وقت لاحق المنطقة “ب” وتضم بلدات وقرى أصغر.
اما المنطقة “ج” التي تهيمن على اكثر من من 61 في المائة من اراضي الضفة الغربية والتي تحتوي على معظم المصادر الطبيعية (وأهمها طبقات المياه الجوفية) فما تزال تحت سيطرة اسرائيل التامة، تتعرض للاستغلال والاستيطان. وهذه المنطقة ليست موقعا مجاورا للضفة الغربية فحسب، بل ان المئات من المناطق السكنية المعزولة التي يتكون منها القطاعان “أ” و”ب” متداخلة فيها.
ولا يجوز اجراء اي اعمال تنمية داخل المنطقة “ج” الا بتصريح اسرائيلي، سواء كان لغايات رصف الطرق او اقامة معامل معالجة مياه الصرف الصحي، او بناء مدارس ومستشفيات ومساكن. ويندر الحصول على تصريح اسرائيلي لتنفيذ هذه الاعمال، ويحتاج عادة الى ضغوط من الدول الاجنبية او المنظمات الدولية. وحتى ان الحصول على التصريح، يمكن ان يتطلب عشر سنوات او اكثر.
ساند البنك الدولي لفترة طويلة مشروعات التطوير في فلسطين. وفي تشرين الاول (اكتوبر) 2013، نشر تقريرا بعنوان “المنطقة “ج” ومستقبل الاقتصاد الفلسطيني”. وقد اوضح أن القيود التي تفرضها اسرائيل على الانشطة الفلسطينية في تلك المنطقة تكلف الاقتصاد الفلسطيني حوالي 3.4 بليون دولار في السنة، اي ثلث اجمالي الناتج الاقتصادي.
وخلص التقرير الى ان وضع الاقتصاد لدى السلطة الفلسطينية لن يتحسن الا بتنمية النشاط الاقتصادي في المنطقة “ج”، اذ ان ذلك سيزيد من عوائد الحكومة، التي تبلغ نصف العجز في الميزانية، وتعفي الحكومة من المعونات الدولية. ويقدر التقرير انه اذا ازيلت القيود الاسرائيلية في المنطقة، فان ذلك سيوفر 130 ألف فرصة عمل.
والمنطقة “ج” هي قاعدة التنمية الاقتصادية الفلسطينية. واذا تمكن الفلسطينيون من استخدام كل ارضهم ومصادرها الطبيعية، فسيكون بامكانهم رفع اجمالي الناتج العام وتخفيض الاعتماد على المعونة الدولية.
واذا كان السيد كيري جادا في احياء الاقتصاد الفلسطيني، فلا بد له من تمكين الفلسطينيين من تنمية القطاع “ج”، واضافة هذا الامر الى قائمة الحوافز التي تعرض على الفلسطينيين في المفاوضات. ويجب ان تربط جميع الاستثمارات الخارجية مباشرة بما يبذل من جهد لتأمين سيطرة الفلسطينيين على قطاع “ج”.
وإن لم يحدث ذلك، فان خطة كيري الاقتصادية لن تكون اكثر من مسكن لمرض خطير: ألا وهو استمرار الاحتلال”.
القدس دوت كوم .