تأتي ذكرى الانطلاقة ٥٧، في ظروف تعصف بالقضية الفلسطينية في ظل العدوان المتواصل على أهلنا في قطاع غزة، واستمرار إجراءات الحكومة الفاشية في تفويض السلطة الفلسطينية، بالتوازي مع محاولات البعض إيجاد إطار بديل أو موازي عن منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا، وجبهة النضال الشعبي الفلسطيني ليست فقط مكون رئيس من مكوناتها بل ومدافع عنها وعن وحدانية تمثيلها واستقلالية قرارها الوطني.
تعودنا في جبهة النضال ان الانطلاقة ليست مجرد شعارات ترفع ولا بيان يصدر أو فعاليات احتفالية، بل هي محطة للتقييم والمراجعة على المستويين الداخلي لاستنهاض دور الجبهة الوطني والسياسي والاجتماعي، والوطني بالمساهمة في رسم السياسات العامة على الصعيد الوطني بشقيه الاقتصادي والاجتماعي، وتعزيز صمود المواطن، وتحديدا في العاصمة القدس التي كانت شرارة الانطلاقة منها، ما يتطلب بناء الكادر التنظيمي والنقابي، بالإضافة إلى البناء الفكري والتسلح بالوعي الوطني، وتقبل الرأي الآخر بعيدا عن العصبية.
هذه الانطلاقة المجيدة المحملة بتاريخ نضالي عريق، جعلت جبهة النضال إضافة نوعية لمسيرة النضال الوطني الفلسطيني وحركته الوطنية على المستوى السياسي والفكري والعسكري، وقدمت إسهامات بارزة بالحفاظ على الهوية الوطنية والقرار الوطني المستقل، كلفتها دماء طاهرة.
من رحم ألم الاحتلال القادم، خرج بيان تأسيسها الأول في مدينة القدس في 15 تموز / يوليو 1967، يدعو إلى المقاومة الشعبية العارمة للاحتلال واعتماد كل الأساليب الممكنة على ضوء الإمكانيات المتوافرة وحرضت على الإضرابات والمظاهرات ومقاطعة العدو، في الوقت الذي كانت فيه الجبهة تعمل على تدريب أعضائها، وتحث الخطى باتجاه مباشرة العمل المسلح الذي لم يطل انتظاره حتى نفذت الجبهة العملية الفدائية الأولى يوم 24/12/1967 وذلك بنسف الإرسال الإذاعي والتلفزيوني الإسرائيلي في مدينة بيت لحم، وصدر البيان العسكري الأول لها باسم منظمة النضال الشعبي الفلسطيني ، ثم توالت عملياتها الفدائية التي شملت مناطق فلسطين التاريخية، تطبيقاً لمبادئها واستراتيجيتها في الكفاح المسلح وحرب التحرير الشعبية، ومع بداية عام 1968 بدأت بتشكيل خلايا ومراكز تدريب في الأردن وبزيادة نموها أصبح لها قواعد عسكرية ومراكز للتدريب وميليشيات شعبية في مخيمات اللاجئين وعددا من الأقطار العربية.
تدرك الرفيقات والرفاق حجم وعظمة هذا الارث دوما، الذي ترافق أيضا مع تميز علاقة جبهة النضال الشعبي الفلسطيني مع قيادة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وعملت مجموعات منها على حماية الرادار المصري في منطقة الشوبك الأردنية قرب مدينة الكرك، وهو الرادار الذي كان يؤمن تغطية للطيران المصري أثناء عملياته فوق شمال شرق سيناء وجنوب فلسطين، حيث شكلت الجبهة، طوقاً من الحماية الأرضية المحيطة بالرادار تحسباً من إنزالات إسرائيلية متوقعة. وعبر علاقة التنسيق بين الجبهة والطرف المصري ممثلاً بـ إبراهيم دخاخنة (سامي) السفير المصري في عمان، وضابط الارتباط المصري مع القوى الفلسطينية الحليفة لمصر عبد الناصر، لعبت جبهة النضال ومنظمة فلسطين العربية دوراً فاعلاً في تنفيذ عملية تدمير السفينة الإسرائيلية إيلات عام 1969 عندما عملت على توفير عمليات الاستطلاع الدائم عبر مجموعات تابعة لها، وفي تأمين الإقامة لمجموعة الضفادع البشرية المصرية في إحدى قواعدها جنوب الأردن، وفيالمرحلة التالية بإيصال أعضاء المجموعة حتى شاطئ الازدلاف في خليج العقبة، بقيادة الفدائي أحمد أبو لبن من جبهة النضال، وقدمت حتى الآن مئات من الشهداء والأسرى والجرحى.
لا يمكن أن تمر هذه الذكرى دون استذكار القادة الكبار من المؤسسين الراحلين الدكتور صبحي غوشة وبهجت أبو غربية والدكتور القائد المؤسس د. سمير غوشة ونبيل قبلاني وأبو النايف وخالد شعبان (سلطان)، وأبو الوليد العزة وخالد القاسم وغيرهم من قوافل الشهداء مقاتلي ومناضلي الجبهة على مدار هذه المسيرة الكفاحية الطويلة التي نعتز ونفتخر بها.
نستذكر كل هذا وغيره لنقول ارفعوا رأسكم أيتها الرفيقات أيها الرفاق أنتم ورثة وحملة هذا الإرث النضالي العريق، وعلينا مسؤولية حمل الأمانة، ومواصلة الكفاح والنضال حتى تحقيق أهداف شعبنا بالحرية والاستقلال والعودة.