سواء أدركت الزعامة الإسرائيلية أو لم تدرك فإن طبيعة المستجدات والتحولات المحلية والإقليمية والدولية, هي التي اضطرت شارون عام 1982م للخروج من بيروت والإكتفاء بحزام أمني في جنوب لبنان, ودعت رابين عام 1987م لتسليم غزة لأي طرف عربي أو حتى لأن يصحو من نومه ويجد غزة قد ابتلعها البحر, وهذه التحولات والتطورات فرضت على باراك الانسحاب من الجنوب اللبناني في مايو 2000م بدون قيد أو شرط, وجعلت أعتى قوى اليمين الإسرائيلي (شارون) يعيد حساباته الاستراتيجية والأيديولوجية وتضطره بالنهاية للاندحار عن غزة.
حيث تبلغ مساحة قطاع غزة الاجمالية 365 كيلو متر مربع، وقدرت مساحة المستوطنات في القطاع بحوالي 46 ألف دونم, وشكلت حوالي 12.6% من مساحة الأراضي في قطاع غزة, مع احتساب المناطق الصفراء التي يملكها الفلسطينيون وخضعت للسيطرة المدنية الفلسطينية والسيطرة الأمنية الاسرائيلية. وبلغ عدد المستوطنين اليهود الذين يقطنون هذه المستوطنات قبل انتفاضة الأقصى حوالي ستة آلاف مستوطن.
وتاريخياً اختلف الإسرائيليون حول قضية غزة فمناحيم بيغن يقول بعد عدوان 1956م على مصر “أطلق بن غوريون على غزة القسم المحرر من الوطن”. كما احتد الخلاف في قيادة الليكود زمن حكومة شامير 1989م حين اعتقد وزير الخارجية الأسبق موشى أرنس أن غزة ليست أرض إسرائيلية, وأنها تشكل عبئاً اقتصادياً لموارد إسرائيل كما أنها تستنزف قدرات الجيش على فرض الرقابة على الضفة الغربية, مما جعل شامير يرد “بأن غزة جزء من أرض إسرائيل التاريخية”.
أما بنيامين نتنياهو فهو يرى أن الأهمية الاستراتيجية لقطاع غزة أقل بكثير من أهمية الضفة الغربية فيقول في كتابه (مكان تحت الشمس) “توجد منطقة واحدة مكتظة بالسكان العرب وتعتبر أقل حيوية من الناحية الاستراتيجية هي قطاع غزة, إذ يتساوى عدد السكان في هذا القطاع مع عدد سكان الضفة الغربية تقريباً, لكن مساحته تشكل حوالي 6% من مساحة الضفة الغربية”.
وفي عام 2004م أوضح نتنياهو لوفد أمريكي زار إسرائيل عشية طرح وثيقة فك الارتباط, والانسحاب من غزة “أن الانسحاب الإسرائيلي المزمع من قطاع غزة يحول القطاع الى قاعدة للإرهاب”, وكان هدف نتنياهو هو الحصول على ضمانات سياسية وأمنية أمريكية مقابل هذا الخطر الذي تتحمله إسرائيل في مكافحتها للإرهاب.
ويقول البروفيسور سوفير وهو من المخططين الأوائل لفكرة الجدار العازل والانسحاب من غزة, أنه “إذا أراد الجيش الإسرائيلي البقاء 100 سنة في غزة فهو يستطيع, ولكن الدوافع الديمغرافية هي التي دفعت الجيش الإسرائيلي للانسحاب من غزة, فليس لنا ما نفعله هناك, هذه ليست مناطق تابعة لأرض إسرائيل”.
وهنا نجد أنه رغم صحة وجود دوافع ديمغرافية وراء قرار الانسحاب من غزة, خاصة أنه لا مستقبل لبضعة آلاف من مستوطنين يهود وسط بحر مائج من السكان الفلسطينيين الذين يشكلون أعلى نسبة كثافة سكانية في العالم, حيث بلغ عدد المستوطنين في قطاع غزة 5936 مستوطن, أي ما يمثل 0.6% من النسبة العامة لسكان قطاع غزة.
ومن المنطقي توفر القدرة للقوة العسكرية الإسرائيلية الهائلة لإحتلال غزة لسنوات أخرى طويلة, ولكن من غير المنطقي أن تستمر قوة إحتلال بدفع فاتورة احتلالها الباهظة جداً في الأرواح وفي القوات العسكرية المخصصة لحماية تلك المستوطنات, في ظل عدم وجود مستقبل للاستيطان في غزة, وبمعنى آخر كانت التكلفة الأمنية والعسكرية الباهظة للإحتلال في غزة والعامل الديمغرافي الضاغط وراء اندحار الإحتلال عن غزة.
فقطاع غزة يعتبر منطقة معزولة تحدها إسرائيل من الشمال والشرق والبحر الأبيض المتوسط من الغرب ومصر من الجنوب “ولا يسمح بانتشار قوات مدرعة مصرية في حدود 120 ميلاً من الحدود الإسرائيلية, وأن أي تحرك للقوات المصرية في داخل سيناء المنزوعة السلاح سيعتبر من قبل إسرائيل سبباً للحرب”, فهو منطقة يسهل على القوات الإسرائيلية التغلب علي مفاصلها عسكرياً في حالة الحرب, ولكونه محاط بمنطقة شاسعة وعازلة منزوعة السلاح (سيناء) وباقي الجهات تسيطر عليها القوات الإسرائيلية, مما لا يعرض العمق الاستراتيجي وحدود إسرائيل للخطر حسب مفهوم الأمن القومي الإسرائيلي.
وفي “سياق تطبيق قناعته القائمة على رفض الانسحاب الى حدود الرابع من حزيران 1967م, وإدراكه خطورة ما يطلق عليه صهيونياً (الخطر الديمغرافي) سعى شارون الى إقامة نظام فصل عنصري في فلسطين التاريخية, ووفق رؤيته, تنسحب إسرائيل من قطاع غزة ومن 42% من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967م”.
وقد حاولت إسرائيل الحفاظ على مفاهيمها الأمنية المتعلقة بالعمق الاستراتيجي والحدود الآمنة عند انسحابها من غزة, فقد نصت وثيقة فك الارتباط الإسرائيلية على إخلاء قطاع غزة من المستوطنات, على أن تحافظ على القطاع كمنطقة منزوعة السلاح. وستنتشر إسرائيل على الحدود الخارجية للقطاع وستسيطر بشكل مطلق على المجال الجوي للقطاع, وفي المجال البحري ستواصل إسرائيل تنفيذ الفعاليات العسكرية في المجال البحري لقطاع غزة.
ويتضح من تلك النصوص محاولة إسرائيل موائمة مرتكزاتها ومفاهيمها الأمنية بشكل جديد أو بصياغة جديدة استجابة للتحولات والتطورات المحلية في انتفاضة الاقصى وما تبعها, حيث أبقت سيطرتها العسكرية الجوية والبحرية على قطاع غزة, وكذلك على الحدود الخارجية سوى شريط حدودي يبلغ طوله خمسة كيلومترات على الحدود مع مصر (خط فلادلفيا), وبذلك استمرت ممسكة بمفاهيمها الأمنية, وفي الوقت ذاته تخلصت من العبء الأمني والعسكري والاقتصادي لإحتلال قطاع غزة, بعيداً عن عملية سلام تكون محصلة إسرائيل واعتباراتها الأمنية أقل بكثير من فرضها هي للحل تطبيقاً لسياسة الأمر الواقع.
وكان هناك لإسرائيل أيضاً مقاصد وأهداف عميقة أخرى وراء الانسحاب من غزة عبر محاولتها نقل المعركة الى الصف الفلسطيني, مستغلة حالة الفوضى والفلتان الأمني داخل مناطق السلطة الفلسطينية, حيث وفر ذلك أرضية مناسبة لحركة حماس للدخول في تجربة الانتخابات والصدام مع السلطة ومع حركة فتح, مسبباً ذلك انشطار ما تبقى من الوطن الفلسطيني, وواضعاً القضية الفلسطينية في أسوأ ظروفها منذ سنوات عدة.
وفي واقع الأمر أنه منذ اتفاقية أوسلو وما قبلها دخلت الحركة السياسية الفلسطينية والرأي العام الفلسطيني داخل فلسطين وخارجها مرحلة من الانقسام السياسي, عندما اعتقد قسم كبير من الفلسطينيين أن عملية السلام والمفاوضات الجارية بشأنها لن تكون الا تسوية إسرائيلية – أمريكية, وفق رؤاها ومصالحها, وأن النتائج مهما كانت لن تلبي الحد الأدنى من الحقوق الوطنية الفلسطينية, وبعد مرور عدة سنوات على اتفاق أوسلو طور شارون خطة للحل الدائم عرضها على الأمريكيين في نوفمبر1997م حين كان وزيراً في حكومة بنيامين نتنياهو الأولى عرفت بإسم “خطة الكانتونات” وهذه الخطة تقوم على أساس منح الفلسطينيين مناطق حكم ذاتي لا تواصل جغرافي بينها بواسطة طرق عرضية تفصل بينها. وحول ذات التوجه يرى أيضاً الوزير أفيغدور ليبرمان أن أي خط لم ينفع لا جدار برلين ولا خط بارليف, وعليه فهو اقترح فصلاً بالعرض يُقطع الضفة الغربية وقطاع غزة الى كانتونات.
وجاءت أحداث الرابع عشر من حزيران 2007م التي أدت لسيطرة حركة حماس على مقاليد الأمور في قطاع غزة, الى اتباع إسرائيل استراتيجية التعامل بمعيارين مع القضية الفلسطينية: اعتراف وتعامل مع الرئاسة الفلسطينية في رام الله, مقابل الإعلان عن غزة كيانا معادياً, وذلك بعد أن جهدت الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل وحلفاءهم بالمنطقة على إفشال نتائج اتفاق مكة بين حركتي فتح وحماس, وإفشال إقامة حكومة الوحدة الوطنية, حيث امتنعت إسرائيل عن دفع مستحقات السلطة المالية, مما أدى لعجز السلطة عن دفع رواتب موظفيها لعدة أشهر وعجزها عن إدارة شئونها الداخلية, الى جانب المقاطعة السياسية على تلك الحكومة, الأمر الذي عجل بانهيار مؤسسات وأجهزة السلطة في غزة, وسهل مجريات الصراع بين الأطراف الفلسطينية والذي أـدى لاحقاً لحدوث الانقسام بين الضفة الغربية وقطاع غزة.
ويتحدث ضابط إسرائيلي رفيع المستوى بجهاز الاستخبارات الإسرائيلي يدعى (عاموس غورين) عن توقعات إسرائيل لتلك الحالة وإدراكها لحيثياتها وأبعادها قبل وقوعها بقوله عندما يسقط عرفات تتفكك السلطة بعد صراعات داخلية بشأن السلطة بين أجهزة الأمن وضد المنظمات المتطرفة تؤدي (بمساعدة إسرائيل) الى إقامة 3 أو4 مناطق حكم ذاتي, منفصلة ومسيجة, تحكمها الجهات القوية في كل منطقة, وسيكون ممكناً مع هذه الجهات التوصل الى اتفاقات محلية منفصلة وطويلة المدى.
وحول ذات التوقعات الإسرائيلية للوضع الفلسطيني عشية الانسحاب الإسرائيلي يقول نتنياهو في كتابه سالف الذكر إن افتراض حكومة رابين أن يأخذ عرفات دور إسرائيل في مكافحة الإرهاب الإسلامي في غزة, لا أساس له من الصحة, من المحتمل أن يحدث صراع قوي بين حماس والجهاد الاسلامي, وبين منظمة التحرير الفلسطينية من أجل السيطرة على المناطق التي ستخليها إسرائيل.
وقد أوجد الوضع الجديد في غزة بعد الانسحاب الاسرائيلي مشاكل أمنية جديدة لإسرائيل عند عزل قطاع غزة وتأمين الأمن في محيطه, والى تعزيز قوات جيش الدفاع الإسرائيلي وقوات أمنية أكثر على الحدود بين غزة ومصر, لكنه في النتيجة النهائية صب في صالح استراتيجية إسرائيل الأمنية القاضية بتقطيع أوصال الكيان الفلسطيني جغرافياً وسياسياً, وخفف من ضغوط إسرائيل الخارجية نحو السعي لتحقيق عملية سلام شاملة.
فمستقبل الكيان الفلسطيني مرتبط بالوحدة السياسية والجغرافية للضفة الغربية وقطاع غزة, وعلى صعيد المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية لا يوجد الكثير للتفاوض عليه بشأن غزة سوى المعابر والعلاقات التجارية والحدود البحرية, لكن في ذات الوقت توجد آثار كبيرة لسيطرة حركة حماس على قطاع غزة بالقوة المسلحة على مستقبل وحدة الأراضي الفلسطينية لجهة ضرب مقومات المشروع الوطني الذي تتبناه منظمة التحرير الفلسطينية بإقامة الدولة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة.
ويرى نائب الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين عبد الرحيم ملوح أن الانقسام الفلسطيني الحالي يعيد الوضع الى ما قبل 1948م, حيث حالة الشرذمة تطال وحدة الشعب بأكمله وتضع الكيانية الفلسطينية في وضع خطير, فوحدة السلطة تعني وحدة السياسة, والانقسام في السلطة يعني جعل القضية الفلسطينية برمتها ورقة بيد الأطراف الخارجية, لتخرج من سياق المصلحة الوطنية لتدخل ضمن استحقاقات الأجندات السياسية المتعددة الاقليمية والدولية.
فالانقسام الفلسطيني هو بمثابة قرار تقسيم جديد لما تبقى من فلسطين ونكبة جديدة للشعب الفلسطيني بعد نكبة 1948م, فوضع الانقسام الجاري بين الضفة الغربية وقطاع غزة هو ما يحقق هدف الاستراتيجية الإسرائيلية من عملية السلام بتحويل أراضي الكيان الفلسطيني الوليد الى كانتونات معزولة, عبر إعلان إسرائيل أن غزة كياناً معادياً, ويعلن الفلسطينيون أن غزة كياناً متمرداً, وتصبح إمكانية الربط السياسي والجغرافي عبر ممر آمن أو غيره ضرباً من الخيال. وستنجح إسرائيل في عرقلة تقدم عملية السلام المتعثرة أصلاً عبر تقزيم قضايا المفاوضات, ولديها من المببرات والأعذار ما يكفيها للتنصل من الضغوط الدولية أقلها أن الفلسطينيين غير مؤهلين ليكون لهم دولة.
فإسرائيل معنية باستمرار حالة الإنقسام بين الكتلتين الجغرافيتين(الضفة وغزة) لصالح وضع إقامة الدولة الفلسطينية في مهب الريح, ومن ثم تنجح في الترويج لفكرة الدولة المؤقتة, ومن الدلائل على ذلك موقف رئيس وزراء إسرائيل الحالي نتنياهو رداً على إعلان اتفاق حركتي فتح وحماس على بنود المصالحة بينهم أواخر نيسان2011م حيث صرح بقوله : أن على السلطة ومحمود عباس أن يختاروا بين إسرائيل وبين حماس، وأن أي اتفاق مصالحة مع حماس يشير بوضوح الى ضعف ووهن السلطة وسذاجتها، وآمل أن تتراجع السلطة عن هذه المصالحة وأن تختار إسرائيل للمصالحة وأن لا تختار حماس, وقد كرر نتنياهو ذات الموقف عقب توقيع اتفاق الشاطئ للمصالحة بين حركة حماس ووفد منظمة التحرير الفلسطينية في مايو.2014
لقد بات واضحاً أن هناك أزمة عميقة في تطبيق اتفاق الشاطئ وفي إدارة الشأن الفلسطيني الداخلي, ولعل ذلك يعود لطبيعة الاتفاق ذاته من حيث بنوده والتي قد يحتاج كل بند فيها لاتفاق جديد, أو أن الأمر يعود للنوايا الخفية لكل طرف وراء هذا الاتفاق, بمعنى غياب الارادة الوطنية الخالصة لانهاء الانقسام , والأمر كان لا يتعدى سوى فرصة للخروج من المآزق والأزمات السياسية والمالية للأطراف الموقعة للاتفاق, والناتجة عن تغير المناخات السياسية الاقليمية في المنظقة, ومع هذا بات الأمر اليوم يستدعي معالجة سريعة للوضع الفلسطيني لأجل إعادة اللحمة للشعب الفلسطيني, وبناء حالة من التفاهم والحوار والاتفاق على توزيع الأدوار والمهام بدلاً من التنافس في إقصاء كل طرف للطرف الآخر, والذي يشكل خسارة لكل الأطراف السياسية الفلسطينية وللقضية الفلسطينية برمتها, وبما يخص الأحقية لقيادة المشروع الوطني على صعيد التفاوض أو المقاومة يمكن القول أنه لا يوجد فصيل فلسطيني بالغاً ما بلغت شعبيته أو شرعيته, بإمكانه أن يدير الصراع منفرداً مع إسرائيل, حيث يجب تجنب قضية الزعامة أو القيادة والأحقية بها, فالوضع الفلسطيني والإقليمي في هذه المرحلة لا يقوى على مواجهة إسرائيل وإجبارها على تلبية الحد الأدنى من المطالب الوطنية الفلسطينية, خاصة وأن الرؤى الفلسطينية والإقليمية والدولية شديدة التباين حولها بما يؤشر لاستمرار تردي الوضع الفلسطيني عموماً.وحسب الاستراتيجية الاسرائيلية لم تعد إسرائيل تكترث كثيراً بمن يحكم الضفة والقطاع, إلا من الزاوية التي تخص أمنها, ولم تعد لدى التيار المركزي فيها اهتمامات خاصة بهوية الشريك الفلسطيني وأحواله, فهي ماضية في سياستها الأحادية, ماضية في فرض الحل النهائي بخرائطه الجغرافية والديمغرافية والمائية, الأمنية والسياسية دون انتظار أحد, وهذا دللته جرائم الاحتلال واستباحته أراضي السلطة الفلسطينية عقب عملية خطف ومقتل المستوطنين الثلاثة أواخر يونيو 2014.
وكانت المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية شهدت انهيار شبه كامل نتيجة تعنت حكومة اسرائيل في اطلاق سراح الدفعة الرابعة من الأسرى, ومع ذلك ترك الجانبان الفلسطيني والاسرائيلي الباب مواربا للدبلوماسية لتأخذ مجراها, ولم تبالي إسرائيل بالتهديدات الفلسطينية بالذهاب الى مؤسسات الأمم المتحدة وطلب العضوية فيها, بل واصلت اسرائيل تعنتها وصلفها, عبر تصريحات قادتها, وعلى رأسهم وزير خارجيها “ليبرمان”: بقوله “انني لا اعترف بالسلطة الفلسطينية والمشهد السياسي الذي أمامي ان حماستان تحكم غزة وفتح لاند تحكم الضفة”, فاسرائيل تتعمد تحييد ملف غزة بالكامل وحتى على صعيد المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية, فهي تتعمد اخراج قطاع غزة من اي معادلة وخارج أي تسوية ولماذا ؟ وهل فعلا ستكون غزة الملف القادم والقنبلة التي تعدها اسرائيل للانفجار في وجه القيادة الفلسطينية بعد توقيع المصالحة؟ فاستراتيجية التقسيم والعزل هي استراتيجية مفضلة لإسرائيل وللاستعمار عموماً في التعامل مع القضايا الوطنية للشعوب المستعمرة وغير المستقلة.
ان السيناريوهات التي تعدها اسرائيل لقطاع غزة محددة ولا تقبل الشك أو التأويل وتتمثل في استمرارية العزل السياسي والجغرافي والحصار العسكري المشدد على هذا الشريط الحدودي, والسبب الرئيس وراء ذلك يعود لهاجس الأمن الاسرائيلي السرمدي, والذي لن يتغير بتغير الجهة التي تحكم قطاع غزة طالما أنها كانت فلسطينية الهوية ومسلمة الديانة.
ولعل في تصاعد وتيرة الجرائم الاسرائيلية في الضفة الغربية بعد مقتل المستوطنين الثلاثة, وما رافقها من اطلاق قذائف فلسطينية طالت البلدات الاسرائيلية المحاذية لقطاع غزة, قد يعجل من حملة اليمين الصهيوني الذي يحكم اسرائيل لاسكات مصدر النيران وهو الأمر الذي يحظى باجماع صهيوني داخل اسرائيل وحكومتها, ولكن خشية رئيس الحكومة الاسرائيلية نتنياهو على مستقبله السياسي أولاً في مغامرة حرب غزة القادمة تجعله يتردد في التسرع في شن الحرب, رغم توفر الأسباب والدوافع, فمازال سقوط اولمرت وحكومته السابقه عشية حربها على غزة عام 2008-2009 ماثلا أمامه, وثانياً نتائج الحرب المتوقعة ودرجة تحقق اهدافها غير المضمونة تجعله يكتفي بالتهديد والمطالبة بالهدوء مقابل الهدوء, ورغم ذلك لن تسمح استراتيجية اسرائيل الأمنية على المدى الطويل, بل على المدى المتوسط وهو الراجح والأكثر واقعية واحتمالاً بأن تبقى يد الجيش مغلولة مقابل تساقط القذائف الصاروخية على البلدات الصهيونية القريبة من غزة, بل أن جدية الحرب على غزة وتوقعها يبقى ماثلا دائماً أمام قادة اسرائيل وزعامتها بهدف الحفاظ على هيبة وصورة قوة الردع الاسرائيلية وعدم تآكلها مع الزمن, لذك تدرس اسرائيل امكانية شن الحرب والاستعداد الدائم لخوض حر اللاخيار(اين بريرا) كما يسمونها بالعرف الصهيوني, باختيار الوقت الملائم من حيث تصويرها كضحية لهجمات صاروخية تطال مواطنيها, اضافة لبلورة عامل مساند دوليا وخاصة توفر(الضوء الأخضر الأمريكي).
ورغم كل السيناريوهات المختلفة لتعامل اسرائيل مع غزة , الا أن وحدة الجبهة الداخلية الفلسطينية تبقى على درجة أهمية أعلى لمواجهة تلك الاستراتيجية وسيناريوهاتها المختلفة, عبر انجاز ملف المصالحة وتكريسها في مناحي الحياة المختلفة, وليس من العيب أن نتعلم من تاريخ الأعداء وتجربتهم, فالحركات والعصابات الصهيونية( الأرجون, شتيرن, الهاجناة) شهدت انشقاقات واختلافات عميقة فيما بينها, ولكنها في النهاية اجتمعت على هدف واحد تمثل في قيام إسرائيل عام 1948م وحافظت عليه.
فعلى الفلسطينيين بقواهم ومنظماتهم المختلفة أن يعملوا على اسناد وتدعيم حكومة التوافق وتذليل العقبات الكبيرة والساخنة التي أمامها, وعدم تمكين اليمين الاسرائيلي بزعامة نتنياهو باسقاط حكومة التوافق, والتي هي الهدف الأسمى له اليوم, والعمل على حشد وتنسيق الجهود فيما بينهم في ثلاث اتجاهات لتحقيق مشروعهم بالدولة الفلسطينية, عبر تحقيق وتعزيز الوحدة الوطنية من خلال استراتيجية موحدة لمنظمة التحرير الفلسطينية, وإحداث تحول في النظام السياسي والاقتصادي الفلسطيني, وحشد أوسع تحالفات عربية وإسلامية ودولية حول قضية الشعب الفلسطيني وعدالتها, وحينها سيقاوم الشعب وينتصر.
اعداد/ علاء محمد منصور
الكاتب والباحث في الدراسات السياسية