فيما تتوالى التصريحات الإسرائيلية وتنفيذ قوانين الكنيست بشأن حظر “الأونروا” بما تمثله للفلسطينيين وما يتبعه من نتائج وابعاد سياسية خطيرة محدقة تأتي في إطار التآمر على حق العودة والقضية الفلسطينية عبر مخططات التهجير والتوطين ضمن مخطط أمريكي-اسرائيلي.
القانون الذي صادق عليه الكنيست الإسرائيلي في 28 تشرين الأول الماضي بحظر نشاط وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا” في المناطق الخاضعة للاحتلال يدخل حيز التنفيذ في 31 كانون الثاني 2025، يتسبب في إيقاف كامل عمليات “الأونروا” في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية.
المصادقة على مشروع القانون يأتي تتويجاً للحملة التي تشنها دولة الاحتلال على “الأونروا” باعتبارها الشاهد الحي على قضية اللاجئين الفلسطينيين منذ أكثر من سبعة عقود، والتي وصلت ذروتها عقب حرب الإبادة التي شنتها دولة الاحتلال على قطاع غزة في 7 أكتوبر 2023، متذرعة باتهام عاملين فيها بالمشاركة في الهجوم على مستوطناتها ومواقعها العسكرية في غلاف قطاع غزة وقصف مقار الوكالة واغتيال واعتقال وجرح أعداد كبيرة من موظفي الوكالة الدولية. بقصد انهيار منظومة العمل الإنساني والتسبب بالجوع والأوبئة والفوضى وتحطيم مقومات الحياة بغزة.
ومع أن الأونروا ضرورة ملحة في ظل استمرار النكبة الفلسطينية وفي مؤشر لافت للوضع الإنساني الصعب الذي يعيشه اللاجئون الفلسطينيون في سوريا فان هشاشة أوضاع لاجئي فلسطين في أنحاء سوريا تزداد، وتبين ذلك المسوحات العديدة التي أجرتها فرق الأونروا، ويبدو جليًا أن لاجئي فلسطين يجدون صعوبة في التعامل مع التضخم المتزايد، وارتفاع أسعار السلع الأساسية، إضافة الى الدمار الذي طال مخيمات اللجوء في سورية لا سيما اليرموك جنوب العاصمة دمشق وهو من أكبر مخيمات الشتات للاجئين الفلسطينيين، حيث تعرض الى دمار هائل وحصار لمدة 6 سنوات، من التجويع قبل سنوات.
وبحسب نداء “الأونروا” في كانون الثاني 2023، يوجد في سوريا 102 مدرسة تديرها الوكالة يعمل فيها 1.876 موظفًا، وتستقبل سنويًا 49.500 طالب وطالبة. كما يوجد 23 مركزًا للرعاية الصحية الأولية تستقبل 810 آلاف زيارة مرضية سنويًا، وتقدم 1.012 رعاية سنوية للحوامل قبل الولادة، ويعمل في تلك المراكز 680 موظفًا.
والأهم أن الوكالة تقدم للمخيمات الفلسطينية في سوريا (16) مخيما موزعة في دمشق وباقي المحافظات خدمات الحماية الاجتماعية لما مجموعه 142.500 شخص من الأشد عرضة للمخاطر، كما تقدم قروض تمويل صغيرة لما مجموعه 6.824 قرضًا سنويًا. وبالتالي، تُعتبر الوكالة أحد الشرايين المهمة لحياة اللاجئين الفلسطينيين، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار أنه وحتى تاريخ كانون الأول 2024، تم تمويل نداء “الأونروا” الطارئ الخاص بسوريا بنسبة 16.72بالمائة فقط.
سعي إسرائيل لشيطنة الوكالة ومحاولة تركعيها مالياً تهدف لإلغاء الوكالة، وتحفيز التهجير الطوعي، والقسري، والقضاء على حق العودة كهدف أساسيّ ومركزي وضعه الاحتلال نصب أعينه برسم التنفيذ.
ان استهداف دولة الاحتلال للأونروا هو استهداف للقضية الفلسطينية برمتها، والتي بدأت مع بروز قضية اللاجئين الفلسطينيين في نكبة العام 1948، حيث أسست “الأونروا” ، بهدف رعاية اللاجئين الفلسطينيين في مخيماتهم، وأن تداعيات النكبة لا تزال قائمة حتى يومنا هذا، ولم يتحقق حق العودة للاجئين الفلسطينيين، ما يجعل السبب الأساسي لإنشاء الأونروا قائما حيث تولت تقديم الخدمات لجموع اللاجئين الفلسطينيين في الضفة الغربية بما فيها القدس وقطاع غزة والدول العربية المحيطة.
التحذير من خطورة أي استهداف للوكالة، سواء من حيث دلالاتها على قضية اللاجئين أو تأثيراتها الكارثية على ملايين اللاجئين الفلسطينيين الذين يعتمدون عليها في الكثير من جوانب حياتهم الصحية والتعليمية والإغاثية وغيرها له تبعات خطيرة ولهذا فإن التآمر على الأونروا يندرج في إطار التآمر لتصفية حق العودة، والقضية الفلسطينية برمتها. وهو ما شهدناه في غزة من حرب إبادة وتطهير عرقي كجزء من هذا المخطط الرامي إلى استهداف الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة.
لقد َتركت سنوات الصراع السوري آثاراً “كارثية” على مجتمعات اللاجئين الفلسطينيين. دُمّرت مخيّماتهم بشكل كلي أو جزئي، الآلاف قتلوا أو اعتقلوا، ومصير الآلاف منهم ما يزال مجهولاً، عشرات الآلاف اضطروا إلى النزوح أو اللجوء، ويتتبع حياة لاجئين قرّروا البقاء، او اختاروا اللجوء إلى دول الجوار، أو إلى الدول الأوروبية على متن الزوارق أو التسلّل عبر الحدود.
حتى آذار2011، كان عدد اللاجئين الفلسطينيين في سوريا يزيد على 570 ألفاً، بحسب (الأونروا)، قرابة 48 في المئة منهم عاشوا في المخيّمات، والبقية داخل المجتمعات السورية، أو في تجمعات فلسطينية على أطراف المدن.
وتكشف إحصاءات رسمية ان عدد اللاجئين الفلسطينيين الذين تبقوا في سوريا، بلغ حتى تشرين الأول 2022، قرابة 420 ألفاً، أقل من 3 في المئة يتواجدون داخل المخيّمات، ومن تبقّى “تشردوا” في عموم الجغرافية السورية.
وتوثّق الشبكة السورية لحقوق الإنسان، مقتل 3207 لاجئاً فلسطينياً، على يد قوات النظام، من مارس 2011 وحتى تشرين الأول 2022، إضافة إلى 2721 ما يزالون قيد الاعتقال أو الاختفاء القسري.
وخلال الفترة ذاتها، تكشف الأرقام لجوء أكثر من 30 ألفاً إلى لبنان، وما يزيد على 19 ألفاً إلى الأردن، وهما اللتان تقعان ضمن مناطق عمليات الأونروا، فيما وصل أكثر من 3 آلاف إلى مصر التي فتحت فيها (الأونروا) مكتباً مؤقتاً لمساعدة اللاجئين الفلسطينيين.
ومع عدم وجود أرقام رسمية لأعداد الذين لجأوا من سوريا إلى تركيا، أو الذين انتقلوا إلى أوروبا، تقدّر تقارير غير رسمية أعدادهم بعشرات الآلاف.
إن الوضع المالي للوكالة غير مستقر إذ ستنهي الوكالة عام 2024 بعجز مالي. ويجري البحث عن تمويل إضافي لكن الحملة المستمرة ضد الأونروا وحقيقة أن العديد من المانحين يواجهون أيضاً تدابيراُ تقشفية، تعني أنه من المرجح أن يكون عام 2025 أكثر صعوبة حيث تعتمد الأونروا بشكل شبه كامل على المساهمات الطوعية من الدول المانحة لتمويلها وهذا يعني أن المساعدات الإنسانية المقدمة للاجئي فلسطين يكون تبعا لذلك. فيما تجدر الإشارة إلى أن التمويل الإجمالي لسورية انخفض واضطرت وكالات الأمم المتحدة الأخرى أيضاً إلى خفض العديد من برامجها.
المفوض العام للوكالة فيليب لازاريني قال ان تطبيق تشريع الكنيست بشأن الوكالة سيكون “كارثيا”. محذرا من تقليص عمليات الأونروا خارج عملية سياسية، وفي وقت أصبحت فيه الثقة في المجتمع الدولي منخفضة للغاية، من شأنه أن يقوض وقف إطلاق النار في غزة.
ان محاولات شطب الأونروا تعكس إصرارًا على تصعيد التآمر ضد الفلسطينيين وقضيتهم، وعلى وجود الوكالة في ظل الظروف العصيبة التي يمر بها الشعب الفلسطيني ويحقق للكيان الصهيوني إلغاء الشاهد الحي على جريمة العصر.