جاءت الهجمة الاسرائيلية الاستيطانية الجديدة في الضفة الغربية المحتلة لتوجه صفعة قوية إلى كل المراهنين على مفاوضات التسوية مع الجانب الاسرائيلي، وإلى المجتمع الدولي الداعم لهذه المفاوضات، ومثلت تحدياً إضافياً للإدارة الأمريكية بعد أيام قليلة من طلب وزير الخارجية الأمريكي جون كيري من رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو سحب قرار مصادرة 4 آلاف دونم من الأراضي الفلسطينية في منطقة بيت لحم جنوب الضفة لصالح توسيع مجمع “غوش عصيون” الاستيطاني في إطار ما يسمى مشروع “القدس الكبرى”.
يأتي القرار الاسرائيلي بإقامة 283 وحدة استيطانية جديدة في مستوطنة “الكناة” غربي رام الله، والمصادقة على مخطط استيطاني جديد لإنشاء 2200 وحدة أخرى في حي الصواري بمنطقة السواحرة شرقي القدس المحتلة، ومصادرة آلاف الدونمات من الأراضي الفلسطينية لهذا الغرض، مختلفاً هذه المرة .
ليس بسبب استمرار انتشار السرطان الاستيطاني الذي لم يتوقف حتى أثناء العدوان الأخير على قطاع غزة، حيث أقيمت مئات الوحدات الاستيطانية التي لم يعلن عنها، وإنما في كونه تحدياً مباشراً للنتائج التي أفرزتها الحرب العدوانية الأخيرة، واستباقاً للمرحلة الثانية من مفاوضات القاهرة، واستباقاً أيضاً لخطة الرئيس الفلسطيني محمود عباس المطروحة للنقاش مع المسؤولين الأمريكيين، وإصراراً من الجانب الاسرائيلي على تكريس الأمر الواقع انطلاقاً من ثوابت المشروع الاسرائيلي القائم أصلاً على قاعدتي الهجرة والاستيطان .
ومن يتابع هذا الأمر، لا بد أن يلحظ ارتفاع ميزانية الاستيطان رسمياً إلى 600 ضعف منذ بداية العام الحالي، بحسب صحيفة “يديعوت أحرونوت”، وهي تقتطع من وزارتي الدفاع والإسكان، عدا مصادر التمويل الأخرى .
الرسالة الاسرائيلية واضحة وضوح الشمس في هذا المجال، فهي تريد أولا، التأكيد للإسرائيليين أن هيبتها لم تمس بعد العدوان على غزة، وأنها ماضية قدماً في مشاريعها الاستيطانية والتهويدية، رغم أنف الفلسطينيين والعرب والمجتمع الدولي، وتريد ثانياً نقل هذه المشاريع والخطط إلى استيطان أو احتلال دائرة التفاوض، سواء كان الأمر يتعلق بمفاوضات التهدئة أو التسوية، حتى يتم التعامل معها كمسلمات أو بديهيات لا يمكن القفز عليها، ولا ندري إن بقي بعد ذلك ما يمكن التفاوض بشأنه .
لا يمكن، بطبيعة الحال، فهم رد الفعل الفلسطيني الخجول باستمرار التلويح بالذهاب إلى المحافل الدولية، ولم يعد مقبولاً الاكتفاء ببيانات الإدانة والشجب والاستنكار، بعد أن وصلنا إلى ما نحن عليه . فالعدوان الاسرائيلي المتواصل على الشعب الفلسطيني، من خلال أدواته المتعددة، بات يحتاج إلى الجدية والحزم، واتخاذ خطوات عملية واضحة لوقفه .
وأولى هذه الخطوات تبدأ بالإقلاع نهائياً عن نهج المفاوضات ومشاريع التسوية، والعودة إلى طريق الكفاح والمقاومة، الذي أثبت جدارته في التصدي لمختلف الحروب الاسرائيلية . وثاني هذه الخطوات، هي التوقيع على معاهدة روما والتوجه فعلاً إلى المحافل الدولية لتجريم اسرائيل وجلب قادتها أمام محكمة الجنايات الدولية لمحاكمتهم على انتهاكات الحرب وكل الانتهاكات التي ارتكبوها بحق الفلسطينيين منذ تأسيس اسرائيل وحتى الآن .
القدس دوت كوم