طوباس/ كثيرا ما تصل فتحي خضيرات من مدينة طوباس في شمال الضفة الغربية أثناء تنقله بين قرى الأغوار الفلسطينية ،وخاصة القريبة من المستوطنات الإسرائيلية، رسالة عبر هاتفه النقال بأنه “غادر الشبكة الفلسطينية، وبدأ يتجول على الشبكات الإسرائيلية”.
وتسبب هذه الرسالة لخضيرات وغيره من سكان منطقة الأغوار الكثير من الضجر، لأنها تعني عدم توفر خدمة الاتصال الفلسطيني في هذه المنطقة ، مقابل توفر خدمة الاتصال الإسرائيلي، ما يحمل الفلسطينيين تكاليف اتصال إضافية لصالح الشركات الإسرائيلية عند إجراء أي مكالمة محلية.
ويقول خضيرات الذي يعمل منسقا لحملة (أنقذوا الأغوار): ” إن خدمة النقال الفلسطيني تتحول في معظم مناطق الأغوار إلى الشبكة الإسرائيلية أو الأردنية تلقائيا ، ما يعني دفع المزيد من الأموال على دقيقة الاتصال”.
ويشير إلى التعقيد الذي يواجهه أثناء إجراء المكالمة التي عادة تقطع قبل إنهائها بسبب سوء الخدمة، حيث يحتاج إلى وضع مقدمة رقم دولي قبل الاتصال بأي شخص آخر حتى لو كان يبعد عنه بضعة أمتار، وكأنه في دولة أخرى.
وتبدو علامات الاستياء على خضيرات وهو يقول:” إن الكثير من معارفي وزملائي في العمل عندما يتصلون بي، وتطلب منهم الخدمة الآلية الخاصة بالهاتف زيادة مالية لسعر الدقيقة المحلية ، يعتقدون أنني خارج فلسطين فيكفون عن الاتصال”.
ويتذمر خضيرات من قيمة فاتورة الهاتف النقال التي عادة ما تصله مرتفعة ، نتيجة ارتفاع تكلفة المكالمة التي تذهب لصالح شركات الاتصال الإسرائيلية، والتي يقابلها “سوء في تغطية الاتصال”.
ويقول خضيرات، إن المتصل والمستقبل يتم الخصم من رصيديهما ومن لا يملك رصيدا في شريحته فإنه لن يتمكن من استقبال المكالمات الواردة له.
وتبلغ مساحة الأغوار 1303 كم2 ، وتشكل ما مساحته 26 في المائة من مساحة الضفة الغربية ، والتي تسيطر إسرائيل على جزء كبير منها، وتمتد على مسافة 120 كيلومترا، بعرض يصل إلى 15 كيلومترا، ينتهي شرقا عند ضفاف نهر الأردن.
وخضيرات ليس هو فقط من يتذمر من غلاء أسعار الاتصال في الأغوار حيث تقول الشابة سرين خالد ، إن المشكلة في خدمة الاتصالات تكمن في تحويل الشبكة الفلسطينية بين كل متر وآخر إلى شبكة أخرى قد تكون إلى (السلكوم) الإسرائيلي أو الأمنية الأردنية، وأنه في معظم الأحيان تكون خدمة الاتصال غير متوفرة نهائيا.
وتشعر سرين خالد بمرارة أن تمتلك جهاز هاتف خلويا دون أن يكون باستطاعتها استخدامه بسبب عدم سماح إسرائيل بإنشاء أبراج تقوية لشبكة الاتصال الفلسطيني في الأغوار، ما يؤدي إلى عزل سكان هذه المنطقة عن باقي المجتمع الفلسطيني وكأنهم في دولة أخرى.
وترى زميلتها غادة صوافطة من قرية عين البيضاء، أنه يجب توفير شبكة اتصالات قوية في الأغوار قائلة: إن الاتصالات “أصبحت من ضرورات الحياة وخاصة أنني أتنقل بين القرية ومدينة طوباس حيث أكمل دراستي الجامعية، وأنا بحاجة للتواصل مع عائلتي لأنني أمر عبر الحواجز الإسرائيلية الفاصلة بين المدينة والغور”.
وتشير صوافطة، إلى أن خطوط الاتصال الأرضي (الهاتف) غير متوفرة بتاتا في هذه المنطقة مما يؤثر سلبا على تحصيلها العلمي لعدم توفر شبكة الانترنت أيضا، والتي من شأنها أن تسهل عليها إجراء الأبحاث والدراسات الجامعية.
وتضيف: “عندما نضطر لاستخدام هذه التقنية نلجأ إلى وسائل الاتصال الإسرائيلية أو الانتقال من منطقة إلى أخرى بحثا عن الخدمة، الأمر الذي يعتبر مرهقا من الناحية المادية والمعنوية”.
وتعيق السلطات الإسرائيلية شركات النقال الفلسطينية عن إقامة محطات تقوية في المناطق المصنفة (ج) التي تشمل المستوطنات، مما ينعكس سلبا على نطاق تغطيتها وجودتها وخدماتها، ويحد من قدرتها على التوسع والانتشار، كما أن ذلك يدفع بعض الأفراد لشراء النقال الإسرائيلي، والتحول إلى شبكة الاتصال الإسرائيلية في المناطق ضعيفة التغطية.
وتقسم إسرائيل الضفة الغربية حسب اتفاق (أوسلو) الذي وقعته مع منظمة التحرير الفلسطينية عام 1993 إلى ثلاث مناطق الأولى (أ) وتخضع لسيطرة فلسطينية كاملة، والثانية (ب) وتخضع لسيطرة أمنية إسرائيلية وإدارية فلسطينية، والثالثة (ج) وتخضع لسيطرة أمنية وإدارية إسرائيلية.
ويشير مسئول العلاقات العامة في مجلس الأغوار المشترك ورئيس مجلس قروي المالح والتجمعات البدوية عارف دراغمة، إلى أن خدمة الاتصال غير متوفرة في كثير من مناطق الأغوار الشمالية.
ويضيف دراغمة أنه حتى وإن توفرت هذه الخدمة فتكون مرتفعة السعر وقليلة الجودة، ما يدفع الفلسطينيين إلى التنقل والسفر إلى المدينة والعبور على الحواجز لطلبها، وفي كثير من الأحيان يتم استبدالها بالشرائح الخاصة بالمملكة الأردنية المجاورة أو إسرائيل لانتشار أبراج التغطية الخاصة بها في كل مكان.
ويقول دراغمة: “إن الاتصالات ضرورية جدا في الأغوار لنقل ما يجري من أحداث في أسرع وقت ممكن ، خاصة وأن بعض منازلها تتعرض يوميا إلى الهدم من قبل السلطات الإسرائيلية، إضافة إلى تعرض الرعاة فيها إلى الضرب والملاحقة من قبل المستوطنين الإسرائيليين”.
ويعتبر دراغمة ، أن عدم توفر الاتصالات في الأغوار المهددة أراضيها بالمصادرة “يؤثر بشكل سلبي على صمود الفلسطينيين فيها، وذلك لعدم استطاعتهم التواصل مع العالم الخارجي وحتى الداخلي بسهولة لإيصال آلامهم ومعاناتهم التي يتكبدونها يوميا”.
وتسيطر إسرائيل على مساحة 90 في المائة من أراضي الأغوار الحدودية مع الأردن، وهي تنظر إليها كمحمية أمنية، وتقول إنها تريد أن تحتفظ بالمنطقة ضمن أي حل مع الفلسطينيين الذي يرفضون ذلك مطلقا.
من جانبه ، يقول وكيل وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات سليمان زهيري إن عدم تطور قطاع الاتصالات في الأغوار والمناطق المصنفة (ج) يعود لمنع إسرائيل إقامة الأبراج وشبكات الاتصالات الفلسطينية في هذه المناطق.
ويضيف زهيري، أن إسرائيل “تعيق” كذلك صيانة أبراج البث والالتقاط القديمة في الأغوار، في حين يتم إقامة الأبراج وشبكات الاتصالات الإسرائيلية في المناطق الواقعة تحت سيطرة السلطة الفلسطينية ما يؤثر سلبا على أداء خدمات الشركات الفلسطينية، مشيرا الى أن السلطة تحاول تجاوز هذه العقبة ببناء شبكات لاسلكية لكنها تبقى ضعيفة وغير كافية.
ويشير إلى أن معظم مناطق الأغوار بالإضافة إلى المناطق القريبة من المستوطنات الإسرائيلية والمناطق المصنفة (ج) لا تحظى بخدمة الاتصال، وذلك لعدم قدرة السلطة الفلسطينية على الحصول على تصريح للعمل في تلك المناطق من قبل الجانب الإسرائيلي كونها تقع ضمن سيطرته وبعضها يقع في مناطق حدودية وعسكرية، كما هو الحال في قرى بردلة وكردلة وعين البيضا والجفتلك والزبيدات ومرج نعجة ومرج غزال.
كما أن انتشار المستوطنات في الضفة الغربية يؤثر سلبا على خدمات الهاتف المتنقل الفلسطيني، يقول زهيري.
ويوضح أن شركات الاتصالات الإسرائيلية تقوم ببناء أبراج ومحطات التقوية في المستوطنات “بحجة” خدمة المستوطنين ، إلا أنها في الواقع تقوم ببيع خدماتها لبعض الفلسطينيين ، متهما إسرائيل “بالقرصنة عبر جنيها ما يقارب 200 مليون دولار سنويا جراء هذه الخدمة”.
ويشير زهيري، إلى أنه لا يوجد في العالم شبكة اتصالات محلية مقاسمها تتواجد خارج الدولة كما هو الحال في فلسطين، موضحا أن مقاسم الخدمة الخاصة بالفلسطينيين تتواجد في إسرائيل والأردن حيث يمنع على الفلسطينيين استيراد المقاسم وهذا ينتج عنه تكاليف باهظة يتكبدها المشترك الفلسطيني.
ويذكر زهيري، أن الشركات الإسرائيلية تبيع أجهزة المحمول الإسرائيلية والشرائح وتسوقها في مناطق السلطة الفلسطينية في منافسة غير عادلة ومن دون ترخيص أو استثمار أو ضرائب ، بينما لا يسمح بتاتا بتسويق الأجهزة وخدمات الاتصال الفلسطينية في المناطق الإسرائيلية.
ويشير إلى أن إسرائيل تتحكم أيضا في شكل الخدمة المقدمة وقيمتها حيث تمنع على الفلسطينيين استخدام شبكات الجيل الثالث، وتقتصر عليهم استخدام شبكات الجيل الثاني، مبينا أن الجوال الفلسطيني يعمل على تقنيات متأخرة.
ويخلص زهيري إلى اتهام إسرائيل بأنها تهدف من هذا كله، إلى “عدم نمو وتطور الحياة في الأغوار ، وضرب النمو الاقتصادي الفلسطيني، وتهميشها وجعل سكانها بعيدين عن أنظار العالم الخارجي من أجل تسهيل تهويدها”.
PNN- ميساء بشارات.