عمان/: لا يتردد الرجل المهم في حركة الأخوان المسلمين الأردنية الشيخ زكي بني إرشيد في تكرار مقولته الشهيرة بأن ‘قواعد اللعبة تغيرت’ في المملكة التي تشهد حالة تجاذبات نادرة في إيقاع الشارع السياسي ومفتوحة على كل الإحتمالات.
بني إرشيد ‘دينامو’ مطبخ الأخوان المسلمين ورمز العلن والظل والقيادي الفاعل جدا في الحراك الشعبي يشرح عبارته الشهيرة التي أطلقها بعد نجاح تنظيم أضخم مسيرة شعبية حتى الآن تشهدها البلاد منذ إنطلق الربيع العربي.
يقول بني إرشيد: قواعد اللعبة تغيرت بمعنى آن الأوان للعب النظيف والمحترف.
يضيف: هذه رسالتنا اليوم للنظام فالمصلحة الوطنية بعيدا عن المزاودات تستوجب الإنتقال إلى مستوى اللعب بإحتراف وطني وسياسي.
بالنسبة لإرشيد الذي خاضت معه ‘القدس العربي’ بحديث معمق ومفصل ليس صحيحا أن التيار الإسلامي صعد على الشجرة ويحتاج لسلم حتى ينزل.. يقول: لسنا في أزمة ولسنا فوق أي شجرة وتقديري أن الطرف الأخ هو المأزوم وبالنسبة لنا قرارنا أن لا نشارك إطلاقا في إنتخابات بموجب قانون الصوت الواحد.
وهذا المؤشر الأقوى على أننا لا نجلس في مساحة ازمة وإلا سنضطر لطرح السؤال التالي على مؤسسة الحكم: سنقاطع.. لماذا تلاحقوننا وتصرون على مشاركتنا؟
حسابات إرشيد يمكن تلمسها بين تلك الأسطر التي لا يريد قولها مباشرة فهناك ثلاثة عوامل مهمة في صالح الأخوان المسلمين الأردنيين اليوم.
محمد مرسي في رئاسة مصر والتغيير المقبل في سورية ‘مهما كان’ وحسم تاريخي لمشكلة مستعصية إنتهت يوم الخامس من الشهر الجاري بأن تجرأ المطبخ الأخواني ولأول مرة منذ تأسيس الحركة على اللعب بورقة ‘الثقل الفلسطيني’ والمخيمات وطرحها على طاولة المفاوضات السياسية ومائدة الحراك والشارع.
هنا يمكن قراءة الإسترخاء في لغة إرشيد وهو يلمح لإن حليفا وأخا قويا للإسلاميين يحكم الأن جمهورية مصر العربية وهو حليف قد يساعد عمان في حل مشكلة الغاز التي تؤرق القطاع الإقتصادي الأردني إذا ما تقرر وبأسرع وقت ممكن ‘بيع’ ملف الغاز المقطوع للشيخ همام سعيد الذي يزور القاهرة فعليا الآن.
طرف ما في جبهة القرار وبعدما سخر وزير الخارجية ناصر جودة من عدم تدخل الإسلاميين في أزمة الغاز لصالح شعبهم ووطنهم لم ترضه مساعي الشيخ سعيد بعدما إلتقط بني إرشيد المفارقة فصدر خبر عبر وكالة الأنباء الرسمية ‘بترا’ يقول بأن واردات الغاز لا تعاني من مشكلة قبل ولادة قصة غريبة تحاول تفسير وقفة همام سعيد بالقاهرة على أساس أنها محاولة لثني مكتب الإرشاد عن قرار له بحل مكتب أخوان الأردن التنفيذي.
سارع إرشيد لإبلاغ ‘القدس العربي’ بأن هذا الخبر مدسوس موضحا بان مكتب الإرشاد ليس من صلاحياته إقالة ‘حكومة’ الأخوان في الشعبة الأردنية بل من صلاحيات مجلس شورى الجماعة نفسها ‘البرلمان’.
قبل ذلك لا يخفي إرشيد شعوره بأن وجود أخوان مصر في قمة هرم السلطة بمصر يخلق هوامش إضافية للمناورة داخل الأردن لكن في تحليله للتغيير في سورية، وهو قادم لا محالة يصب أيضا في مصلحة الحركة الإسلامية في الأردن بصرف النظر عن طبيعة التحولات في سورية الجارة.
لاحقا تبرز الورقة الرابحة الثالثة التي إستثمرت في يوم مسيرة إنقاذ الوطن وهي ورقة الإستعانة بالثقل الفلسيطني في الشارع وللمسألة هنا جذر وقصة. منذ 25 شباط عام 2011 وفي اليوم الذي أطلق عليه محليا إسم ‘دوار الداخلية’ إنقسم قادة الرأي في مطبخ الأخوان المسلمين إلى تيارين يرفض الأول الإستعانة بثقل الأخوان في أوساط المخيمات ومدن الكثافة السكانية تحسبا للأحراج ومنعا لأي تأويلات أو لردة فعل موازية من ثقل العشائر.
التيار الثاني وعلى رأسه همام سعيد وبني إرشيد ومراد العضايلة وأخرون كان له رأي مختلف في المسألة فكرته ببساطة: آن الأوان لان يتجاوز التنظيم الأضخم في البلاد عقدة ‘الأصول والمنابت’ ويتخلص من تراثيات ‘أردنة’ التنظيم ويبدأ بالعمل على أساس منهجية ‘المواطنة’ بإعتبارها ركنا أساسيا سيشكل إضافة نوعية على الحركة الأخوانية ومسارها السياسي والشعبي.
تناطح الرأيان عدة مرات داخل أقنية الأخوان المسلمين وحسم الأمر بالتدريج لصالح تيار المواطنة وتم التعبير عن ذلك في الإنتخابات الداخلية وبقي فقط إظهار ‘برهان’ عملي على إنتاجية هذا النمط من التفكير وحسم التردد لمرة واحدة وبصورة قطعية ونهائية.
هنا لابد من الإشارة إلى جناح المواطنة في الحركة الأخوانية يقوده في الواقع شخصيات بارزة وقيادية ‘شرق أردنية’ وليس شخصيات من أصل فلسطيني.
لاحقا تأخر ‘البرهان’ لكنه ظهر يوم 5 – 10 في الشارع فقد تمكن الثقل الفلسطيني من منح التنظيم واحدة من أضخم وأفضل وأهدأ وأنظف المسيرات في الشارع.
المشهد إنتهى بجملة تكتيكية مؤثرة وبدون صدام أو نقطة دم وبصورة تنظيمية أدهشت جميع الأوساط ودفعت أصحاب القرار لمراجعة موقفهم الإقصائي وإلى حد ما ‘أنقذت التنظيم’ وأظهرته ثقيلا وضخما ومؤثرا ومنظما ولا يترنح تحت وطأة قانون الصوت الواحد ومنهج الإقصاء والإستهداف.
هنا حصريا شعر التنظيم على مستوى الكادر والصف الثاني بالحيوية وتحقق على الأرض ‘إنجاز’ إحتوى عمليا التجاذبات الداخلية وحسم الأمر لصالح نخبة المواطنة بدون إثارة حساسيات وكلف وأثمان كان يتوقعها البعض… لذلك كانت مسيرة إنقاذ الوطن مهمة جدا للتنظيم قبل أي إعتبارات أخرى.
وهنا أيضا يتصور إرشيد بأن إنتصار منهجية المواطنة في كل أنماط العمل الوطني مسألة حتمية موضحا بان الأخوان المسلمين كفكرة وكتنظيم عابرون لإعتبارات الجغرافيا الضيقة ولا يتصورون مستقبل الأردن بدون تكرس مشروع المواطنة.
والتهمة كانت جاهزة للإسلاميين مبكرا ودوما تحت عنوان التبعية لأمريكا، الأمر الذي يعتبره إرشيد بين تعبيرات الأقزام الذين يحاولون النفاق للسلطة عبر التسلق والإنتهازية مؤكدا أن أمريكا هي التي فرضت ‘فك الإرتباط’ وأن الأخوان المسلمين مع الإرتباط ومشيرا الى ان التنظيم ديمقراطي ويعكس تركيبة المجتمع الأردني ويتجاوز تماما كل إعتبارات المحاصصة.
حاليا يقيم الأخوان المشهد الوطني ويغرقون في حوارات قد تنتهي بمبادرة سياسية واضحة المعالم بعد حسم ثلاثة تعريفات هي ‘المرفوض تماما والذي يمكن قبوله والمقنع’.
القدس العربي – بسام البدارين.