غزة / في مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة هناك عشرات من العائلات التي تنتظر الكشف عن مصير أبنائها المختفين بحسب المعلومات التي وردت إليهم من أسرى سابقين، في ‘سجون سرية’، تحتجزهم فيها إسرائيل بأسماء ورموز وهمية، على غرار العميل الأسترالي (X)، الذي كشفت تل أبيب عن انتحاره خلال احتجازه سرا قبل عامين.
العدد الحقيقي لأؤلئك الأسرى السريين غير معروف، لكن وفق المعلومات التي حصلت عليها القدس العربي من مصادر متعددة فإن عددهم يفوق الـ 130، وهم من جنسيات عربية وفلسطينية، والعدد الأكبر منهم من مناطق الضفة الغربية، وأقلهم مضى على اختفائه أكثر من ربع قرن، وبعضهم فاق اختفاؤه الثلاثين وحتى الأربعين عاما.
وبعملية جمع بسيطرة للأرقام، تأتي نتائج لا تحب عائلات هؤلاء الأسرى أن تضعها بحساباتها، وهي نتيجة أن يكون عدد منهم قد فارق الحياة في تلك السجون السرية، وأشهرها ( 1391) .
فمثلا هناك ممن اختفوا مع احتلال إسرائيل لقطاع غزة في العام 1967، حين كان يبلغ من العمر وقتها نحو ثلاثين عاما، أي أن عمره الآن يبلغ 75 عاما، وهو إما دخل في حالة شيخوخة، أو قضى بسبب إجراءات السجن السري المشددة، التي لا تتيح له المحاكمة أو لقاء محاميه وعائلته، ومن المؤكد أن لا تكون هناك خدمات صحية تقدم لهم.
فالكشف عن ملف عميل الموساد اليهودي الأسترالي (x)، قبل أيام، الذي قضى في زنزانة منفردة منتحرا منذ كانون الاول (ديسمبر) 2010، وكذلك إطلاق إسرائيل لسراح مئات الجثامين لفلسطينيين كانت تحتجزهم في ‘مقابر الأرقام’، فجر من جديد ملف الفلسطينيين المختفين منذ عشرات السنين.
فعدد من الأسر الفلسطينية كانت تعتقد أن أبناءها قضوا في عمليات إعدام نفذتها قوات الاحتلال، ووضعوا في ‘مقابر الأرقام’، وهي مقابر أقامتها إسرائيل في مناطق مختلفة وسرية، تدل فيها عن الشخص برقم محدد، وفي آخر عملية إخلاء لجثامين من أولئك الأسرى في شهر مايو من العام الماضي، جرى إخلاء سبيل جثامين شهداء كانت تعتقد عوائلهم أنهم مختفون في سجون سرية، مثل الشهيد ناصر البوز قائد مجموعات الفهد الأسود التابعة لحركة فتح في مدنية نابلس، والذي اختفى قبل 23 عاما من الكشف عن وفاته. وناصر البوز اختفت آثاره في شهر أب عام 1989 في ذروة الانتفاضة الفلسطينية الأولى، ومنذ ذلك الوقت انقطعت أخباره، ولم تعرف عائلته إن كان حياً أو شهيداً أو أسيراً، و أنكرت إسرائيل معرفتها أي شيء عنه، كما لم تتح أي معلومات عنه لدى السلطة الفلسطينية، أو مؤسسات حقوق الإنسان، قبل أن تسلمه إسرائيل في آخر صفقة لجثامين شهداء من ‘مقابر الأرقام’.
لكن تلك الصفقة الأخيرة، وقضية الكشف عن العميل (X) زادت من تأكد عائلات فلسطينية أخرى، لم تتسلم جثامين أبنائها، بأنهم لم يكونوا في تلك المقابر، وأنهم لا زالوا معتقلين في تلك السجون السرية.
من غزة هناك معتز النواتي، الذي تفيد المعلومات التي حصلت عليها ‘القدس العربي’ أنه احتفى في بداية الثمانينيات، حين كان في زيارة لإسرائيل، للحصول على تأشيرة دولة أوروبية، للدراسة فيها المرحلة الجامعية، بعد نجاحه وقتها في الثانوية العامة، النواتي كان يبلغ من العمر وقتها 18 عاما، ولم ترد بشأنه أي معلومات منذ اختفائه، رغم إعلام أسرته للصليب الأحمر.
ومن غزة كذلك هناك علي إرحيم، وعبد المطلب عياد، وكلاهما من حي الزيتون شرق المدينة وقد اختفيا بطريقة غير معروفة منذ العام 1986، ويقول ناصر شقيق علي إرحيم لـ ‘القدس العربي’، أن عائلته لم تتلق أي معلومة عنه منذ لحظة اختفائه، وأنه بالبحث لم يعثر إلا على السيارة التي كانت تقلهم موجودة عند وادي في منطقة بئر السبع.
وذكر أن العائلة أخبرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، ولم تتلق أي رد، وأن أي من الأسرى الفلسطينيين الذين اعتقلوا في السجون الإسرائيلية العلنية لم يلتق بشقيقه، وهذا يفسر بأنه محتجز بشكل سري، وعلي إرحيم كما تفيد عائلته، اختفى وهو بعمر الـ 35 عاما، وكان وقتها متزوجا وله العديد من الأبناء.
وبالعودة عن للحديث عن السجون السرية، وبالتحديد عن السجن الذي يحمل الرقم 1391، فالمعلومات تشير إلى أنه عبارة عن بناية أسمنتية تتوسط كيبوتسا يتبع لإحدى القرى التعاونية ومحاطة بالأشجار الكثيفة وجدران، السجن مرتفعة جدا وتحده أبراج عسكرية للمراقبة وتعتبره إسرائيل من المناطق العسكرية المغلقة كحال ‘مقابر الأرقام’، وبناية هذا السجن تبدو وكأنها مركز أثري للشرطة يعود لأيام الانتداب البريطاني على فلسطين.
وهذا السجن ليس السري الوحيد الذي تحتجز فيه إسرائيل أسرى فلسطينيين وعربا، بل هناك العديد من السجون السرية التي ترفض سلطات الاحتلال الإفصاح عنها.
وتقوم سلطات إسرائيل المشرفة على هذه السجون السرية بالتعامل مع نزلائها بطرق خاصة، حيث جرى الاصطلاح على إطلاق الرمز (X)على الأسرى، ويتعرضون خلال عمليات الأسر لشتى أنواع التعذيب الوحشية المختلفة.
ولا تزال إسرائيل تنكر السجون السرية، وترفض السماح للمؤسسات الحقوقية بزيارة السجن ‘1391’ رغم افتضاح أمره.
الباحثون والمختصون في شؤون الأسرى يؤكدون أن نزلاء السجون السرية يخضعون لمحاكمات خاصة وسرية، يغلب عليها الطابع العسكري، وتتم في أوقات محددة ، ولا يتم توثيقها، ولا أحد يعلم بما يحصل في المداولات، ولا توجد جهة دفاع عن أولئك الأسرى.
القدس العربي – أشرف الهور.