خاص دنيا الوطن- أمجد عرفات /وكأنه يمشي على حبل الصراط عند كل عملية اختطاف مجند محتل يسمع بها أو عند كل قضية تعرض على محكمة الجنايات الدولية بخصوص ملف الأسرى، فلا هو ميت لكي يرتاح من آلامه التي أوجعته سنين، ولا هو يرى الحرية التي يراها الحمام، وهو يسأل نفسه، هل ستتم المناقشة في أمره هذه المرة بصفته أخطر حالة صحية ضمن أسرى العالم، أو هل ستكون قضيته نسياً منسياً كما هي العادة؟
شهداء واعتقالات
الأسير خالد الشاويش يبلغ من العمر (45 عاماً) والتي شهدت على يديه شوارع رام الله انسكاب دماء الجنود الإسرائيليين، عقب قيام الاحتلال الإسرائيلي باجتياح كافة مدن الضفة الغربية للقضاء على السلطة وقادتها وفصائل العمل الوطني خلال عملية أسماها بـ “السور الواقي”، بعدما فتحت قوات أمن الرئاسة الفلسطينية بمساعدة الفصائل المسلحة النار على جيش الاحتلال عقب قيامها باغتيال القائد العام لكتائب شهداء الأقصى في طولكرم رائد الكرمي في عام 2002.
وجه الاحتلال الإسرائيلي حينها دباباته وطائراته وجنوده نحو رام الله تمهيداً للقضاء على الرئاسة الفلسطينية والمجموعات المسلحة المحيطة بها لإجبارها على وقف إطلاق النار، حيث أعلن الاحتلال حينها بأنهم يريدون مجموعة من المسلحين أحياء أو أمواتاً، كان من بينهم الأسير خالد الشاويش والقائد العام لقوات الـ 17 محمود ضمرة والقائد في حركة فتح توفيق الطيراوي.
المعركة التي دارت بين الطرفين في أولى ساعات الاجتياح أدت إلى سقوط أربعة شهداء من ضباط الأجهزة الأمنية خلال الاشتباك المباشر والمسلح مع العدو في شارع الإرسال قرب مستشفى خالد التخصصي، وإصابة الشاويش بـ 120 شظية بأنحاء متفرقة من جسده ناتجة عن انفجار قذائف الدبابات التي أطلقت عليهم من مسافة قريبة، بالإضافة إلى عدة طلقات من نوع 250 تخللت منطقة البطن والعمود الفقري ويده اليمنى، مما أدى لإصابته بالشلل النصفي كما يروي نجله عماد الشاويش.
وأضاف الشاويش “لقد نجح بعض المنقذين على الفور في انتشال والدي من مكان الإصابة وإرساله للعلاج في مستشفى الشيخ زايد، إلا أن المعلومات وصلت للسلطات الإسرائيلية عن مكان وجوده، فوجهت مدرعاتها نحو المستشفى تمهيداً لحصاره واقتحامه لتصفيته”.
وأوضح أنه بعد علم أفراد الطاقم الطبي في المستشفى بما يخطط له الاحتلال سارع دكتور الجراحة المسؤول عنه بتقديم علاج سريع له ليس بكافٍ نظراً لسخونة الموقف حينها، ليقوموا بعدها بتهريبه بعربة الملابس المتسخة الخاصة بالمرضى وعمال النظافة ومنها إلى باب خلفي، ثم إلى مقر المقاطعة، حيث مكان وجود الرئيس الراحل ياسر عرفات، الذي أوصى جميع عناصره بتهريب المطلوبين إلى مقر إقامته.
وأشار إلى أن والده خرج من المستشفى وهو في حالة غيبوبة تامة، بعدما أصابه شلل نصفي من شدة الإصابة، حيث تم وضع بعض الصمامات بشكل مؤقت وأنبوب يخرج من أمعائه إلى خارج جسمه ليخرج منه الفضلات، وكانت قد أجريت له عملية جراحية في يده المصابة قبل أن يتم وضع البلاتين بشكل مؤقت أيضاً، لافتاً إلى أن أباه استيقظ من غيبوبته بعدما وصل المقاطعة بست ساعات، فوجد أبو عمار بجانبه يقبله ويحضنه.
ويذكر، أنه بعد فشل الاحتلال الإسرائيلي في ذلك الوقت في القبض على كافة المطلوبين قام الجيش الإسرائيلي بتوجيه جميع أرتاله العسكرية المتمركزة في مناطق مختلفة من مدينة رام الله إلى مقر المقاطعة، وفرض عليها حصاراً استمر 37 يوماً طالب فيه القيادة الفلسطينية بتسليم جميع منفذي العمليات ضد الكيان الإسرائيلي وكان من بينهم خالد الشاويش وقتلة الوزير الصهيوني رحبعام زئيفي والقائد العام لقوات الـ 17 محمود ضمرة.
وبعد اجتماع الجنرال الأمريكي أنتوني بيزي مع الرئيس ياسر عرفات في مقر حصاره، تشكلت محكمة عسكرية فلسطينية في داخل المقاطعة كانت أشبه بالتمثيلية، حيث حكمت المحكمة على بعض المطلوبين بالسجن لفترات مختلفة في سجن أريحا الذي يديره الفلسطينيون، وبالفعل تم تنفيذ الحكم على بعض منهم كالقائد أحمد سعدات وفؤاد الشوبكي وقتلة زئيفي الأربعة.
مأساة حقيقية
وفي ذات السياق، أوضح جمال الشاويش والد الأسير والذي كان متواجداً مع نجله طيلة فترة الحصار بأن إسرائيل عدت ذلك غير كافٍ حيث طالبت بتسليم الأسرى لها ليحاكموا في محاكم إسرائيلية كان من بينهم ابنه خالد، حيث رفض أبو عمار ذلك رفضاً مطلقاً بعدما قام باحتضانه ومطمئنته بأن مصيرهما واحد.
وأشار إلى أنه في تاريخ 28/7/2005 كان ابنه على موعد مع رئيس دائرة العلاج التخصصي في رام الله الدكتور أكرم سمحان، حيث خرج من المقاطعة بكرسيه المتحرك برفقة شخص يعاونه، فوصلت المعلومات للسلطات الإسرائيلية عن مكان وجوده، مما دفعها لإرسال فرقة من المستعربين ليقوموا باختطافه من أمام الدكتور.
وتم اقتياد خالد إلى جهة مجهولة كما يوضح والده، حيث ظل مكانه مجهولاً طيلة سبعة شهور من يوم اختطافه، إلى أن تم تقديمه إلى المحكمة العسكرية الإسرائيلية في مدينة الرملة، حيث اتهمته بتدبير عدة عمليات التفافية بالشراكة مع مجموعة فدائية راح ضحيتها 17 مجنداً إسرائيلياً وجرح 34 آخرين، مشيراً إلى أن جميع أفراد هذه المجموعة لقوا حتفهم عدا ابنه خالد، كان من بينهم مهند أبو حلاوة وأحمد الغندور وأحمد كلاب وسائد الأقرع.
كما اتهمته المحكمة كما يوضح والده بتدبير ثلاث عمليات انتحارية راح ضحيتها ثمانية مستوطنين، وذلك عن طريق الاستشهادية دارين أبو عيشة، وضرغام أبو عيشة ومهند حشايكة.
آلام شديدة
وأفادت هيئة شؤون الأسرى والمحررين على لسان رئيس قسم الدراسات والتوثيق فيها عبد الناصر فروانة، بأن الأسير خالد الشاويش والمحكوم مدى الحياة يقضي نصف عمره بالسجن في الحبس الانفرادي، لافتاً إلى أن الاحتلال لا يبالي بوضعه الصحي ولا بصرخاته التي تتعالى في كل ليلة من شدة الآلام التي يعاني منها.
وبين فروانة أن الأسير خالد كان قد خضع لعملية جراحية في نهاية عام 2015 بعدما التهبت يده المصابة، حيث عرضت عليه عيادة سجن الرملة بتر يده مقابل الارتياح من آلامها، إلا أنه رفض ذلك وأصر على البقاء على أوجاعه بدلاً من بترها، مما اضطر الجيش الإسرائيلي لإرساله إلى مستشفى “أساف هاروفيه” بالرملة، حيث تم أخذ عظمة من ساقه ووضعها في يده بشكل مؤقت أيضاً، مؤكداً أنه يحتاج لإجراء عملية في ظهره لوجود سبع فقرات في عموده الفقري ليست بموضعها الطبيعي.
ولفت إلى أن جسده يكون أكثر من ثلاثة أرباع يومه مخدرا بالكوكايين لتسكين الآلام التي يعاني منها، بالإضافة إلى تساقط أسنانه وإصابته بهشاشة في العظام، نظراً لإدمانه على دواء الكرتزون الذي يتناوله لمنع وصول تمدد الالتهابات من يده المصابة إلى باقي جسده.
وبين أنه الأخ الثالث لاثنين آخرين من الأسرى، وهما: الأسيران ناصر ومحمد الشاويش، حيث يعاني الأول من تسمم في رئته وعدم تلقيه العلاج اللازم، بالإضافة إلى هشاشة في العظام، داعياً كل الجهات المعنية وعلى رأسهم الرئيس محمود عباس لرفع ملف هؤلاء الأسرى وعرضها على محكمة الجنايات الدولية، حتى يتم معاقبة الاحتلال على جرائمه ضد الأسرى واختراقه لاتفاقية جنيف، التي نصت على حقوقهم كأسرى حرب.