كتب محمد الجمل:ما زال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة متواصلاً بوتيرة متصاعدة لليوم الـ113 على التوالي، مترافقاً مع تشديد الحصار على خان يونس، وتكثيف الهجمات من سلاح الجو، والبحر، إضافة إلى الهجمات من القوات البرية.
“الأيام” واصلت نقل مشاهد جديدة ومتنوعة، من قلب الحرب والقصف والدمار، مع التركيز على حال النازحين الذين غرقت خيامهم بفعل الأمطار الأخيرة، ورصدت مشهداً يوثق إقامة جيش الاحتلال حواجز وممرات لإعدام النازحين واعتقالهم، غرب خان يونس، جنوب قطاع غزة، ومشهداً آخر يرصد تحول البذلات الواقية من فيروس “كورونا”، لملابس شتوية للاحتماء من البرد والمطر، مع نقل مشهد رابع يرصد انتشار القبور العشوائية.
الأمطار تغرق النازحين
تفاقمت معاناة النازحين، خاصة القاطنين داخل خيام، جراء الأمطار الغزيرة التي هطلت خلال الساعات الماضية، والتي تسببت بغرق آلاف الخيام.
ووفق مشاهدات “الأيام” فإن مياه الأمطار تسربت إلى مئات الخيام، بينما تشكلت سيول في بعض المناطق المنخفضة، وأدت إلى انجراف خيام أخرى، وتشكل برك كبيرة داخل الخيام وفي محيطها.
وشوهد آلاف النازحين يجلسون على الأرض برفقة عائلاتهم، بعد أن أجبروا على ترك خيامهم، والبعض كانوا يضعون على رؤوسهم وأبنائهم قطعاً من النايلون للحماية من الأمطار التي هطلت لساعات طويلة.
وأكد المواطن أحمد نصار، أنه ورغم استعداده المبكر، وجلب نايلون لتغطية خيمته، إلا أن مياه الأمطار دخلت الخيمة من جوانبها، عبر تشكل سيل وانسياب المياه باتجاه المنطقة.
وأشار إلى أنه اضطر للخروج من الخيمة في جنح الظلام، وحاول اللجوء إلى إحدى الخيام المجاورة، لكنه وجد الحال مشابهاً، فجميع الخيام في المنطقة غرقت، وأن المواطنين أصبحوا بلا مأوى، والملابس والأغطية تبللت.
وتوجه عشرات المتطوعين في محافظة رفح لمساندة المتضررين من سكان الخيام، وحاولوا تقديم بعض المساعدات، وسحب المياه من محيط الخيام.
وحذر الناطق باسم الدفاع المدني في غزة محمد بصل، من تسرب مياه الصرف الصحي إلى منازل المواطنين ومراكز الإيواء، بفعل العوامل الجوية والأمطار الشديدة، وقلة ساعات ضخ مياه الصرف الصحي، بسبب ممارسات الاحتلال، ما ينذر بفيضانات كبيرة في العديد من المناطق المنخفضة والخيام، وذلك بعد تلقي ما يزيد على ألف إشارة غرق في مختلف محافظات القطاع.
وشدد بصل على ضرورة العمل على توفير كميات وقود أكثر لتشغيل مضخات المعالجة والصرف الصحي.
ممرات لاعتقال النازحين وإعدامهم
بعد إحكام الاحتلال سيطرته على مناطق غرب محافظة خان يونس، وتطويق المعسكر، وحي الأمل، ومجمع ناصر، سمح خلال الساعات الماضية لبعض المحاصرين بالنزوح من المحافظة.
لكن عملية النزوح الأخيرة كانت مختلفة، إذ نصب الاحتلال حواجز وممرات، ووضع كاميرات للتعرف على الوجوه، وأجبر النازحين على المرور منها، ودقق في هوياتهم، واعتقل العشرات منهم، دون معرفة مصيرهم.
وذكر مواطنون كانوا محاصرين داخل حي الأمل ومجمع ناصر الطبي في خان يونس، أنهم أبلغوا من بعض الجهات بأن الاحتلال سيمسح لهم بالنزوح خلال ساعات النهار، إذ قال المواطن المسن عبد الرحمن الشيخ، لـ”الأيام، “خرجنا وسرنا في مسار واحد باتجاه الغرب، وكان البعض يحمل رايات بيضاء، وعندما اقتربنا من نقطة تجمّع لدبابات الاحتلال أخرج الجميع بطاقات الهوية، ورفعوها عالياً، ثم دخلوا فرادا على ممرات التفتيش، وبين الفينة والأخرى كان يتم اعتقال البعض ونقلهم إلى جهة غير معلومة.
وأوضح أن المواطنين تعرضوا للتنكيل والخوف، عبر إطلاق النار فوق رؤوسهم، ومصادرة حاجياتهم، وأغلبهم عادوا دون السماح لهم بالمرور، ومن نجحوا في اجتياز الحاجز أجبروا على السير أكثر من 8 كيلومترات في العراء والمطر، حتى وصلوا إلى غرب مدينة رفح.
في حين أكد مواطنون لـ”الأيام” أن الكثير من الشبان رفضوا النزوح حينما علموا بأن الاحتلال أغلق جميع الطرق والممرات، وأبقى على طريق نزوح وحيدة، أقام عندها حواجز عسكرية، خشية أن يتم اعتقالهم أو إعدامهم، كما حدث في حاجز جنوب مدينة غزة سيئ السمعة.
ولفت نازحون إلى أن الوضع في مناطق غرب خان يونس، كارثي بل مروّع، فالمواطنون ينتقلون من بيت إلى بيت فراراً من القصف وإطلاق النار الذي يستهدفهم، وبعضهم لجأ إلى مستشفى ناصر، رغم إدراكهم بخطورته، مع زيادة التوقعات بقيام الاحتلال باقتحامه.
بذلات “كورونا” للوقاية من المطر
دفعت الأجواء الشتوية القاسية، والأمطار الغزيرة، وما رافقها من تدنٍ في درجات الحرارة، المواطنين للبحث عن أي وسيلة لتدفئة أبنائهم، ومن تلك الوسائل البحث عن بذلات الحماية من فيروس “كورونا”، التي كانت وصلت إلى قطاع غزة خلال العامين 2020 و2021، واستخدمها حينها الأطباء والممرضون، خلال تعاملهم مع المرضى.
فقد شكّلت تلك البذلات المصنوعة من الجلد السميك، حماية من الأمطار والبرد، لقدرتها على منع تسرب المياه، فهي مغلقة بشكل كامل، وتحتوي على غطاء للرأس.
وقد بات مشهد الصبية والأطفال وهم يسيرون في الشوارع، وقرب مخيمات النازحين، ويرتدون تلك البذلات البيضاء مشهداً اعتيادياً في محافظة رفح، ومعظم مناطق قطاع غزة، إذ يطلق الأطفال على من يرتديها مصطلح “رجل الفضاء”، لتشابهها مع الملابس التي يرتديها رجال الفضاء خلال تنفيذهم مهام علمية خارج كوكب الأرض.
وقال المواطن إبراهيم النجار، إنه خرج من بيته مسرعاً ولم يتمكن من جلب ملابس وأغطية، لكن زوجته بحثت بين الملابس فوجدت بذلة “كورونا”، كان جلبها زوجها خلال فترة انتشار المرض قبل نحو 3 سنوات، وألبستها لابنها، فشعرت بأنها وفرت له الدفء، ما دفع زوجها للبحث عن مثيلاتها، فوجد بعض الباعة يعرضونها، فقام بشراء عدد منها.
ونوّه إلى أن أهم الميزات في تلك البذلات أنها تحمي من المياه، وتمنع نفاذ الهواء للجسم، وفي حال نام الطفل فيها يبقى جسمه دافئاً طوال الليل، وإن كانت تقيد حريته وحركته، لكن تقييد الحرية أهون من إصابتهم بالأمراض.
وأشار إلى أنه لم يتوقع يوماً أن يرتدي أبناؤه بذلات “كورونا” في هذه الظروف، وأن تصبح تلك الملابس ذات الاستخدام الطبي والوقائي، ملابس للوقاية من البرد والمطر، داعياً إلى النظر بعين الرحمة للنازحين، والعمل على تزويدهم باحتياجاتهم من الملابس وغيرها.
انتشار القبور العشوائية
أجبر الحصار الإسرائيلي الخانق للأحياء والمخيمات، ومراكز الإيواء، في قطاع غزة، التي تتعرض للقصف المدفعي والغارات، يومياً، المواطنين على إقامة مقابر عشوائية، ودفن جثامين الشهداء في قبور فردية وجماعية.
ولجأ مواطنون في كافة محافظات قطاع غزة، إلى إنشاء مقابر جماعية وفردية عشوائية، في الأحياء السكنية، وساحات المنازل، والطرقات، وصالات الأفراح، والملاعب الرياضية، والمستشفيات، بسبب محاصرة الاحتلال للمناطق التي يتوغل فيها، وقطع الطرق أمام الوصول إلى المقابر الرئيسة والمنتظمة.
وشهدت محافظة خان يونس، إقامة عدد كبير من المقابر العشوائية في الأيام الماضية، إذ جرى دفن مئات الجثامين في ساحات مستشفى ناصر، وفي ساحة “صناعة غزة”، وداخل خمس مدارس تستخدم كمراكز إيواء.
وأكد مواطنون أنهم وضعوا جثامين 14 شهيداً في الصناعة، وحاولوا نقلهم إلى المقبرة، ولم يستطيعوا، وفي النهاية وبعد التشاور، تقرر إقامة مقبرة جماعية ودفنهم في إحدى الساحات داخل المركز، الذي يتبع لوكالة الغوث الدولية “الأونروا”.
الأمر ذاته تكرر في مجمع ناصر الطبي المحاصر، والذي تحولت ساحاته إلى مقابر جماعية، إذ قال المواطن أحمد سلامة، إنه حرم من وداع شقيقه الذي أصيب ونقل إلى مجمع ناصر واستشهد هناك، وأخبره أصدقاء عبر اتصال هاتفي بأنه دفن مع عشرات الجثامين داخل المستشفى.
وأكد سلامة أن ما يحدث أمر فظيع، فالشهداء يدفنون في مقابر جماعية، دون أن يتمكن ذووهم من وداعهم، والشهداء في الشوارع لم يتمكن أحد من نقلهم.
ووثق المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، إنشاء أكثر من 120 مقبرة جماعية عشوائية في محافظات غزة، لدفن شهداء الحرب.
وحذرت منظمة الصحة العالمية ومؤسسات أممية، من احتمال انتشار الأوبئة في مناطق مختلفة من قطاع غزة، مع استمرار الحرب الإسرائيلية، وتقييد وصول المساعدات الإنسانية والإمدادات الصحية وانتشار الجثث.