الايام – محمد الجمل:مع دخول العدوان الإسرائيلي يومه الـ169 على التوالي، تتواصل الغارات والقتل في كل ركن وزاوية من القطاع، بينما تتصاعد الجرائم، خاصة داخل وفي محيط مجمع الشفاء الطبي، بالتزامن مع مواصلة الحصار المشدد على القطاع، متسبباً بتردي الأوضاع الإنسانية.
“الأيام” تواصل نقل مشاهد حيّة من قلب العدوان، وتسلّط الضوء على أبرز المآسي، وقصص المعاناة، أبرزها مشهد يوثق تطورات العدوان وعمليات الإعدام المتواصلة داخل مجمع الشفاء الطبي، ومشهد آخر يرصد تكثيف الاحتلال تدمير البنايات الكبيرة في مدينة غزة، ومشهد ثالث تحت عنوان: “الاحتلال يعزل مناطق في القطاع، ويغلق معظم الطرقات”، ومشهد رابع يرصد انتشار المقابر في كل مكان بمناطق شمال القطاع.
إعدامات وترويع داخل مجمّع الشفاء
تصاعدت جرائم الاحتلال داخل وفي محيط مجمع الشفاء الطبي غرب مدينة غزة، لليوم السادس على التوالي، وواصلت قوات الاحتلال إعدام المزيد من المواطنين والأطباء، واعتقال المئات.
ووفق المصادر المتطابقة، فلا يزال الاحتلال يُحكم سيطرته على المجمع، ويحاصر جميع المتواجدين فيه، إضافة إلى عمليات دهم واسعة، طالت عشرات المنازل القريبة من المجمع.
وأشارت وزارة الصحة في غزة، إلى أن قوات الاحتلال تحاصر أكثر من 150 مريضاً كرهائن في غرفة واحدة داخل المجمع، معظمهم من غير القادرين على الحركة، والمصابين بالأقدام.
وذكرت الوزارة أن المرضى ينامون ويجلسون طوال وقتهم على أرضية الغرفة من دون أسرّة، في مبنى الأمير نايف داخل المجمع.
وحسب المعلومات التي وصلت وزارة الصحة، فإن تدهوراً كبيراً طرأ على صحة المرضى والجرحى المحاصرين، وبعضهم فارقوا الحياة، وآخرون أصيبت جروحهم بتسمم، لدرجة أن “الدود” خرج من جروح المرضى، نتيجة عدم وجود أي اهتمام ومتابعة طبية، خاصة على صعيد الغيار والإجراءات الروتينية اليومية.
ونقلت مصادر أخرى إفادات من داخل مجمع الشفاء الطبي، تشير إلى تهديد جيش الاحتلال للطواقم الطبية المتواجدة داخل مباني المستشفى والنازحين؛ بأنها ستقوم بقصف تلك المباني وتدميرها فوق رؤوسهم، أو أن يخرجوا للتعذيب والتحقيق والإعدام.
وطالب المرصد “الأورومتوسطي” لحقوق الإنسان المجتمع الدولي بالتدخل الفوري، لوقف المذبحة المستمرة التي ترتكبها قوات الاحتلال في مجمع الشفاء الطبي بمدينة غزة.
وقال المرصد: المذبحة أدت إلى استشهاد عدد كبير من الفلسطينيين، العديد منهم تعرضوا لعمليات قتل عمد، وإعدام خارج نطاق القانون والقضاء بعد اعتقالهم.
ووثق المرصد شهادات لمحتجزين مُفرج عنهم، وشهود عيان، تفيد بتنفيذ قوات الاحتلال جرائم قتل وإعدامات غير قانونية بحق مدنيين نازحين داخل مجمع الشفاء الطبي في مدينة غزة، في إطار عملياته العسكرية المستمرة هناك.
وحتى يوم أمس، اعترف جيش الاحتلال بقتل 170 مواطناً داخل المجمع، واعتقال أكثر من 800 آخرين.
تدمير البنايات الكبيرة في غزة
منذ بدء العدوان الإسرائيلي الجديد على مجمع الشفاء الطبي ومناطق غرب مدينة غزة، قبل نحو أسبوع، صعّد الاحتلال عمليات استهداف البنايات الكبيرة، والأبراج السكنية، إذ دمرت الطائرات والفرق الهندسية عدداً كبيراً من البنايات في تلك المناطق.
وأكدت مصادر متطابقة أن حملة التدمير الجديدة، شملت كافة أنحاء مدينة غزة، مع تركزها على مناطق الغرب، خاصة في محيط مجمع الشفاء الطبي، وحي الرمال.
ووفق ما رشح من معلومات، فقد دمرت الطائرات خلال الأيام الماضية برج نجم، وبرج سهاد، وعمارة السوافيري، ومنازل وبنايات أخرى.
وأشار شهود عيان، إلى أن مناطق الرمال، والشاطئ، والنصر، والشيخ رضوان، شهدت قصفاً جوياً عنيفاً، ما تسبب بتدمير المزيد من المنازل والعمارات السكنية.
وبينت مصادر محلية في مدينة غزة، أن الاحتلال يستكمل تدمير مدينة غزة، فبعد القصف الجوي والتدمير الواسع للأحياء خلال الأشهر الماضية، جدّد الاحتلال، بالتزامن مع العدوان الأخير على مجمع الشفاء الطبي، استهداف البنايات السكنية، خاصة الكبيرة منها، والتي تضم عددا كبيرا من الشقق.
وأوضحت المصادر ذاتها، أن التدمير بات يتركز على المناطق الحضرية، والواجهات الجمالية للمدينة، خاصة في حي الرمال، ومحيط مجمع الشفاء الطبي، مشيرة إلى أن المزيد من المباني أضحت أكواماً من الركام.
وتسبب التدمير المذكور للبنايات في تلك المناطق بتشريد آلاف المواطنين، ممن أصبحوا بلا مأوى، وفقدوا كل أثاثهم وملابسهم في المنازل. وبعض المباني التي جرى قصفها كانت مأهولة، وسقط فيها شهداء وجرحى، بعضهم لم يتسن انتشالهم حتى اللحظة.
الاحتلال يعزل مناطق في القطاع
بعد مرور 169 يوماً على العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة، بات الوضع في القطاع المحاصر صعباً، مع استمرار عزل الاحتلال مناطق واسعة في القطاع، وتقييد الحركة من وإلى المحافظات.
فللشهر السادس على التوالي، لا تزال محافظتا غزة وشمال القطاع محاصرتين، ومعزولتين بالكامل عن باقي أنحاء القطاع، ويمنع أي شخص من مناطق جنوب ووسط القطاع الوصول إليهما، ويسمح فقط للراغبين في مغادرة تلك المحافظتين، بالمرور على حاجز عسكري، حيث يخضعون للتفتيش، ويقرر الاحتلال الإجراء بحقهم، سواء الاعتقال، أو السماح لهم بالمرور، وفي بعض الأحيان الإعدام.
أما فيما يخص شارع صلاح الدين، وهو عصب قطاع غزة، ويربط جميع المحافظات من شمالها لجنوبها، فهو مغلق بالكامل منذ أشهر طويلة، ويمنع الاحتلال المركبات من استخدامه، كما جرى تجريف وتدمير أجزاء واسعة من هذا الشارع.
ويسمح بتنقل المواطنين من مناطق جنوب إلى وسط القطاع وبالعكس، عبر شارع الرشيد الساحلي الضيق، مع تعرض المركبات والمارة في هذا الشارع للقصف من زوارق وطائرات إسرائيلية مُسيّرة.
وقال المواطن سامي الفرا، وهو نازح من محافظة خان يونس، إن حركة الناس داخل قطاع غزة قُيدت بصورة كبيرة، ففي السابق كان الأشخاص يتنقلون بحرية ووقتما شاؤوا بين المحافظات، وباستخدام الطريق الذي يرغبون فيه، لكن الآن الحركة أصبحت محدودة ومقيدة، وهناك مناطق معزولة، يحظر على أي شخص الوصول إليها، وهناك شارع أنشأه الاحتلال، قسم القطاع إلى قسمين.
وبيّن أن الشارع المذكور خلق واقعاً جديداً في القطاع، ويبدو أن الاحتلال سيتواجد في هذه الطريق لفترات طويلة، وغير معروفة.
شمال غزة.. مقابر في كل مكان
بات مشهد المقابر المنتشرة في كل مكان بمدينة غزة وشمال القطاع من المشاهد المعتادة، فأينما توجه الناس وجدوا شواهد لقبور، حيث يُوضع على حافتي كل قبر حجران صغيران، ولافتة كتب عليها اسم الشهيد.
وباتت الجزر التي تتوسط الطرق العامة، والشوارع المعبّدة مكاناً لدفن الشهداء، بعد أن كانت تلك الجزر مزروعة بالأشجار، ومحاطة بالزينة، بينما اضطر مواطنون لدفن أبنائهم وأقاربهم الشهداء في ساحات عامة، ومدارس، وفي مستشفيات، ومؤسسات وأي أماكن أخرى.
وقال المواطن يوسف يعقوب، الذي نزح قبل عدة أسابيع من شمال القطاع باتجاه محافظة رفح، إن مشهد القبور في كل مكان في مدينة غزة وشمال القطاع بات من المشاهد المعتادة، حتى أن الناس وخلال سيرهم ينظرون إلى الأرض خشية أن يدوسوا على القبور دون قصد.
ونوّه إلى أن بعض المواطنين عملوا على نقل جثامين أبنائهم إلى المقابر القديمة، أو إلى مقابر مستحدثة، بينما لا تزال مئات القبور في الشوارع، والبعض يهتم بها، ويواصل إحاطتها بالحجارة لتبقى واضحة.
وذكر أن ذوي الضحايا يخشون من أن يستهدف الاحتلال المقابر مجدداً، وسرقة الجثامين، كما فعل في العديد من المقابر بمدينة غزة وشمال القطاع.
وشدد مواطنون على ضرورة أن يتم وضع خطة بعد الحرب، تشمل نقل جميع القبور العشوائية، ووضعها في مقبرة كبيرة، بما يضمن حفظ المقابر، وتكريم الشهداء، لإتاحة الفرصة لإعادة إعمار الشوارع والبنية التحتية، لا سيما أن بعض القبور في قلب الشوارع.
ولأول مرة منذ العام 1956، يشهد قطاع غزة ظاهرة القبور العشوائية والمقابر في الأماكن العامة، مع تعذر وصول المواطنين إلى المقابر لدفن شهدائهم بسبب العدوان الإسرائيلي.