حداثة عهد الاخوان المسلمين بالحكم وانعدام خبرتهم واصرارهم علي العناد في عدم الاستماع الي التحذيرات المتواصلة, أوقعتهم في هذا الفخ المنصوب بميادين التحرير المصرية
التي تشهد الآن ما يمكن وصفه بالرفض القاطع لتطبيقات نظرية ديمقراطية المرة الواحدة التي أصابت قطاعات الشعب المصري بالفزع, ورسخت لديه فكرة أن الوطن يجري اختطافه واذا تمت عملية الاختطاف بنجاح فلن يكون هناك عزاء للثورة.. ولا ديمقراطية سوف ترتجي.
الصورة الناطقة منذ اكتساح الاخوان لتشكيلة البرلمان المنحل ومنذ انتخاب الرئيس الأول بعد الثورة, تعبر عن مخاوف أخذت في التزايد يوما بعد يوم من أن التجربة الديمقراطية التي أفرزتها ثورة يناير وجاءت بالرئيس محمد مرسي ربما تكون هي التجربة الأولي والأخيرة, وربما عبر رجل الشارع عن ذلك بمقولة إن الاخوان ركبوا ومش حينزلوا تاني.
وهذا النوع العجيب من الممارسة الديمقراطية ديمقراطية المرة واحدة لم تشر اليه صراحة جماعة الاخوان المسلمين, ولكن أباحت عنها تصرفاتهم وسياساتهم منذ أن نجحوا في تشكيل الأغلبية في البرلمان المنحل, ومنذ أن جمعوا الحشود في ميدان التحرير لمساندة المرشح الرئاسي محمد مرسي وترهيب كل المعارضين, ومنذ أن سربوا مع حلفائهم ما يوحي بأن حربا أهلية لا هوادة فيها سوف تشتعل في أرجاء الوطن وأن الدماء سوف تسيل أنهارا لو أن مرشحهم لم يصل الي قصر الرئاسة, ومنذ أن استحوذوا علي الجمعية التأسيسية لوضع الدستور, ومنذ أن سمحوا بمحاصرة المحكمة الدستورية العليا ومدينة الانتاج الاعلامي.. كل هذه المؤشرات كانت قد رسمت خطوطا عريضة لتطبيقات عملية لنظرية ديمقراطية المرة الواحدة خاصة في ظل سياسات السيطرة علي كل مفاصل الدولة واستبعاد واقصاء كل ما هو ليس مع جماعة الاخوان.
ورغم الشعارات المرفوعة في ميادين التحرير, فإن حقيقة ما يحدث الآن من قبل جبهة الانقاذ الوطني ومعها شعب اصيب بخيبة الأمل هي مجرد محاولات لعدم تمكين الجماعة من اكمال عملية الاختطاف, مع تصحيح مسار ثورة يناير..2011 اذن هي ليست ثورة جديدة, ولا هي محاولة لاسقاط الرئيس مرسي كما يرتاب البعض, بقدر ما هي محاولة لضمان حياة ديمقراطية صحيحة من خلال دستور يشارك في وضعه كل القوي السياسية ويعبر عن مصر الثورة, اضافة الي تشكيل حكومة قوية قادرة علي اقناع الجماهير بأن امنياتهم في الحياة الكريمة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية في ظل دولة مدنية حديثة هي في طريقها الي التحقق, دولة قادرة في الوقت نفسه علي فرض الأمن ووضع حد للفوضي التي يمارسها الخارجون عن القانون.. ثم فرض المناخ اللازم لعودة الاستثمار ودوران عجلة الانتاج.
ما يحدث الآن بعيدا عن الأعمال الاجرامية التي لا بد أن يدينها الجميع- هو محاولة لترسيخ مفهوم الديمقراطية الممتدة والمستديمة التي تضمن التداول السلمي للسلطة بما يحقق خططا طويلة المدي للوصول الي الدولة القوية.. ومحاولة للعودة بمصر الي جميع أبنائها.
وربما من المهم هنا تأكيد حقيقة أن المشاعر العامة للمصريين علي اثر اعلان فوز مرشح الاخوان محمد مرسي كانت الرضا بالمكتوب وبكلمة الصندوق وضرورة اتاحة الفرصة للرئيس الاخواني ولحزب الحرية والعدالة لفترة أربع سنوات ربما يأتي الخير علي أيديهم.
وربما لم يأت علي خلد الاخوان أن المصريين سوف يصدمون وأنهم يمكن أن يثوروا بسبب اصرارهم علي الاستحواذ, ونكوثهم عن الوعود ونقضهم العهود,واعتمادهم ربما دون أن يشعروا الأساليب نفسها التي كان ينتهجها نظام مبارك.
** ورغم كل هذا السواد الذي نعيشه ورغم حالة السيولة والميوعة التي اسفرت عن هذه الفوضي السياسية وذلك الانهيار الاقتصادي والاخلاقي والاجتماعي, فإن كتلة واحدة مازالت صلبة بما فيه الكفاية لانقاذ الوطن من ظلمة سواد مقبل الأيام.. وليت كل القوي السياسية تدرك قبل فوات الأوان المعني والمغزي الحقيقي لتحذيرات الفريق أول عبد الفتاح السيسي التي أطلقها في الاسبوع الماضي, والتي جاءت علي نحو يؤكد أن القوات المسلحة مازالت قادرة علي الفعل الايجابي متعالية عن كل الجراح التي أصابتها في أكثر من موضع خلال الفترة الانتقالية التي جاءت بعد ملحمة حماية الثورة والثوار.
الأهرام المصرية.