دعوات للقطاع الخاص لمزيد من الانفتاح على أقسام البحث العلمي في الجامعات
ضعف كبير في واقع البحث والتطوير ما يحرم الصناعة الوطنية من رافعة مهمة
الانفاق على البحث والتطوير يشكل أقل من 0.01% من الناتج المحلي الإجمالي
5 % فقط من المنشآت قدمت منتجات ابتكارية في عام 2015
حياة وسوق ابراهيم ابو كامش/يعاني واقع البحث والتطوير في فلسطين من ضعف كبير وهو غير قادر بوضعه الحالي على أن يكون رافعة يضاعف القدرة التنافسية للصناعة الفلسطينية، وهو ما يحتم تبني مجموعة من السياسات المتعلقة بتحفيز الابتكار القائم على البحث، وتوفير البيئة الخارجية والداخلية اللازمة له.
وفي الوقت الذي طالب فيه اكاديمون وباحثون واقتصاديون يمثلون القطاعين العام والخاص، الحكومة، باعداد خطة شاملة من أجل تحفيز وتمويل البحث والتطوير بحيث تكون هي في المرحلة الأولى المساهم الأساسي فيها من أجل تحفيز القطاع الخاص على الإنفاق على البحث والتطوير. والعمل على خلق بيئة مناسبة وتحفيزية تشجع الشراكة ما بين الجامعات والقطاع الخاص من خلال المشاريع البحثية المشتركة، وصولا إلى تبني ما يطلق عليه نظام الابتكار الوطني، أسوة بباقي دول العالم المتقدمة والناشئة بحيث يكون مبنيا على الشراكة بين المؤسسات الأكاديمية، الحكومة، والقطاع الخاص.
وهنا لا بد من الإشارة إلى الدور الذي من الممكن أن يلعبه المجلس الأعلى للإبداع كجهة حكومية. وتقديم نظام حوافز إما من خلال الدعم المادي أو من خلال الإعفاءات الضريبية للشركات التي تقوم بالإنفاق على البحث والتطوير خاصة التي تعمل على تسجيل براءات اختراع أو تطوير منتجات وطنية ذات ميزة تنافسية.
ويطالب الخبراء جهاز الإحصاء المركزي بتوفير مؤشرات البحث والتطوير والابتكار بشكل دوري ووضع خطة لتوفير المؤشر العالمي للريادة والتنافسية؛ لأهميتهما الكبيرة في قياس القدرات الريادية المختلفة لدى عناصر المجتمع، وقياس مدى تنافسية الاقتصاد والصناعات الفلسطينية مقارنة بالدول العربية والعالمية، والنهوض بالملكية الفكرية على المستوى الوطني، وتحديث البيئة التشريعية والقانونية بما يتلاءم مع المتطلبات الدولية، والانضمام إلى المنظمات الدولية والاتفاقيات ذات العلاقة بالملكية الفكرية.
ودعوا إلى تفعيل دور شركاء التنمية الخاصة والأهلية، عبر مطالبة الجامعات النظر بإصلاح نظام التعليم ليتماشى مع احتياجات السوق من المعرفة والتكنولوجيا، كما طالبوا القطاع الخاص بالانفتاح أكثر على القطاع الأكاديمي للاستفادة من الإنتاج البحثي والمعرفي الكبير، حيث ان الجامعات في كل دول العالم تعتبر مصدرا رئيسا وغير مكلف للمعرفة التي تحتاجها القطاعات الانتاجية.
وطالب الخبرء بإنشاء صندوق وطني لدعم البحث والتطوير بحيث يكون التمويل المشترك بين القطاع العام والقطاع الخاص المصدر الرئيسي، بالإضافة الى مساهمات دولية خاصة وعامة. وربط الصندوق بمركز وطني للمعلومات الخاصة بالبحث والتطوير، بحيث يحدد الاحتياجات البحثية من قبل القطاع الخاص ومصادر التمويل الممكنة، ويتم الاستفادة منها من قبل الجامعات ومراكز الأبحاث والعمل بها من خلال مشاريع التخرج، رسائل الماجستير والدكتوراة وكذلك الأبحاث التي يقوم بها العاملين في الجامعات والمراكز البحثية. وإنشاء مركز خدمات استشارية خاص بتشجيع الابتكار والتي تقوم بمساعدة الأفكار والمشاريع الابتكارية الواعدة، وتقييم المخاطر الخاصة بالمشاريع الابتكارية ومدى نجاحها، والقيام بربط المبتكرين والمستثمرين من أجل توفير الرعاية المادية للأفكار الريادية. ونشر الوعي والمعرفة بمفاهيم الملكية الفكرية وتأهيل وتمكين الكوادر وبناء قدرات ذات العلاقة بالملكية الفكرية.
البحث والتطوير والظروف السياسية والاقتصادية
ويؤكد منسق البحوث في معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني “ماس” د. رجا الخالدي، أن قطاع البحث والتطوير، يتأثر بشكل أو بآخر بالظروف السياسية والاقتصادية التي تعاني منها الأراضي الفلسطينية، والتي أثرت بشكل سلبي على كافة الأنشطة الاقتصادية وبخاصة القطاع الصناعي وقدرته على تطوير سلع جديدة وابتكارية، ومنافسة المنتجات المستوردة سواء من إسرائيل أو الدول العربية والأجنبية.
وقال: “هذا بدوره انعكس على حجم الطلب على المعرفة والبحث والتطوير من قبل القطاع الخاص الذي بالأساس كان الطلب عليه منخفضاً جداً في فلسطين، ولذلك بقيت عملية البحث والتطوير على الرغم من التحسن في بعض مؤشراتها خلال السنوات الأخيرة محدودة بشكل كبير، مشتتة، تقتصر إلى حد كبير على الجامعات، وغير مغذية لعملية التطوير والإنتاج والابتكار في القطاعات الإنتاجية المختلفة”.
وشدد الخالدي، على ان البحث والتطوير في فلسطين يستحق المزيد من الاهتمام من قبل صانعي القرار في الجامعات والدوائر الحكومية ذات العلاقة والقطاعات الإنتاجية المحلية، وبذل المزيد من الجهود المشتركة لإيجاد حلول للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية، والنهوض بالاقتصاد المحلي خاصة قطاع الصناعة الذي يعتبر من الدعائم الرئيسية لبناء اقتصاد فلسطيني تنافسي ذي استقلالية بعيدا عن الاقتصاد الإسرائيلي. مبينا ان أهمية الاهتمام في البحث والتطوير تنبع من ضرورة استغلال الأعداد المتزايدة من الباحثين وحمَلة الشهادات العليا في الأراضي الفلسطينية والذين يشكلون عنصر الإنتاج الأساسي في الاقتصاد الفلسطيني اذ يتماشى هذا مع التوجه العالمي خلال العقدين الماضيين في الاستفادة من التطور الكبير في تكنولوجيا المعلومات وإنتاج المعرفة في إنماء الاقتصاديات العالمية.
وبالنسبة إلى حجم الإنفاق على البحث والتطوير ذكر أستاذ مساعد في اقتصاد الابتكار – جامعة النجاح الوطنية د. رابح مرار، انه بلغ ما يقارب 61.4 مليون دولار فقط في العام 2013، أي أقل من 0.01% من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2013، ويرى انها نسبة تعتبر الأقل على مستوى الدول العربية مما يدل على ضعف الإمكانيات المادية وضعف الاهتمام والإدراك من قبل الجهات المختلفة بأهمية البحث والتطوير كرافعة أساسية للاقتصاد.
واوضح ان حصة القطاع العام من إجمالي النفقات بلغت حوالي 65.1%، تلتها الجامعات بنسبة 23% ومن ثم القطاع غير الحكومي بنسبة 20.9%. أما عن مصادر التمويل الخاص بالبحث والتطوير، فشكل الدعم الخارجي النسبة الأكبر بواقع 26.9%، والجهات الحكومية بنسبة 22.3%، والمؤسسات غير الحكومية بنسبة 21.8%، و18.7% تمويل ذاتي، و4.1% فقط من المؤسسات الأكاديمية.
وفيما يتعلق بمخرجات قطاع البحث والتطوير، اكد د. مرار، ان عدد الأبحاث في مجال البحث والتطوير بلغ 4,205 بحثا، شكلت الدراسات والاستشارات 26.7% منها، والبحوث الأساسية 34.4%، فيما شكلت البحوث التطبيقية 30.6%، والبحوث التجريبية 8.3%.
لكن رئيس جامعة بوليتكنك- فلسطين سابقا د. داوود الزعتري قال: “إن مقارنة الوضع الفلسطيني بنماذج الدول المتقدمة في مجال البحث والتطوير ليس مجديا نظرا للخصوصية الفلسطينية التي تحكم على فلسطين التعامل مع أساسيات الموضوع قبل محاولة التنافس مع دول عملاقة في هذا المجال”.
واعتبر الزعتري، أن التجربة الفلسطينية في توظيف الموارد المتاحة للبحث والتطوير لم تكن ناجحة بسبب عدم تبني الحكومة لأية إجراءات تحفيزية أو تنظيمية في هذا المجال، وعدم وضوح من يقود هذا الملف: الجامعات أم الحكومة أم القطاع الخاص.
وأكد الزعتري، أن الابتكارات الفلسطينية العديدة كانت فردية ولا تلقى رعاية ولم تحصل على ابسط المساعدات. كما أشار إلى أن لب المشكلة وكذلك الحل يكمن في المناهج المدرسية، التي يتم العمل حالياً على إصلاحها. كما أن جزءا من المسؤولية يقع على عاتق الهيئة التدريسية في الجامعات بسبب اهتمام الأساتذة بالتأهل للتقدم الوظيفي قبل تفرغهم للبحث العلمي عالي الجودة، مضيفاً أن مناهج الجامعات المشتتة والمكررة لبعضها أحياناً لا تشجع الطلبة على الإبداع والتفوق”.
الابتكار ومعيقاته في القطاع الخاص
وبينما يشدد مدير الصناعة والتجارة في مديرية وزارة الاقتصاد الوطني في الخليل المهندس مهيب الجعبري، على أنه لا يمكن فصل معيقات الابتكار في أي مؤسسة أو منشأة صناعية عن البيئة التي تحيط بها والتي تشكل مع العناصر الداخلية للمؤسسة منظومة الابتكار في أي بلد ما. مشددا على أهمية الاستثمار بالإنسان والتفكير والإبداع لضمان اللحاق بالتطور التكنولوجي المتسارع وأكد على ضرورة توفير مختلف أشكال الرعاية الممكنة لقطاع الصناعة من حماية جمركية ودعم علمي وفني حيث إن السوق المفتوح يخلق تحديين رئيسين: المنافسة مع المنتجات الجيدة والمنافسة مع المنتجات الأقل جودة وتكلفة. كما أشار إلى تجربتين في مجال الشراكة من أجل البحث والتطوير لمنتجات وطنية عالية الجودة، في تأسيس مركز إرشاد ودعم فني في جامعة بوليتكنك الخليل للحجر والرخام، ومركز آخر لتطوير صناعة الأحذية. ودعا الجعبري إلى تكثيف التعاون بين الجامعات والقطاع الصناعي والحكومة في مساعيها لرفع قيمة المنتج الوطني الملائم لاحتياجات السوق المحلي والتصديري.
ويعتبر رئيس هيئة تطوير مهنة التعليم في وزارة التربية والتعليم العالي حازم أبو جزر، ان القطاع الخاص المسؤول بشكل أساسي عن تطوير الأفكار والمنتجات الابتكارية، كونه المسؤول عن إنتاج السلع والخدمات التي يحتاجها السوق الداخلي أو الأسواق الخارجية.
واكد ابو جزر، ان النظام التعليمي يشكل الرافد الأساسي للمعرفة التي يحتاجها الفرد من أجل تطوير قدراته على البحث والتطوير والابتكار، كذلك الحال بالنسبة إلى البيئة المؤسساتية والمتعلقة بالأنظمة والقوانين المحفزة والداعمة للابتكار سواء من ناحية مادية أو فنية، وأيضا البنية التحتية اللازمة لتطوير منظومة الابتكار خاصة تلك المتعلقة بمصادر العلوم والتكنولوجيا، أما البيئة الداخلية الخاصة بمنشآت الأعمال فدورها يتمثل بشكل أساسي في توفير الدعم المادي والتكنولوجي، وتوفير المناخ المناسب داخل المؤسسة والذي يحفز الموظفين على الابتكار والبحث والتطوير.
وشدد، على دور المدرسة والتعليم العالي في تحفيز الابتكار، مع الإدراك بأهمية دور الصناعة في التقدم العلمي وفي إحداث التنمية، ما يقتضي ضرورة إنتاج وتوفير المعرفة للصناعة الوطنية. نظراً للظروف الفلسطينية الخاصة، لا يمكن التوقع من الحكومة أن تلعب الدور القيادي أو الرئيسي في جميع المجالات، وعلى القطاع الخاص تحمل دور كبير في إقامة برامج التعاون مع الجامعات لتأسيس مركز/شبكة لتوليد ونشر المعرفة وربط الأبحاث القائمة في الجامعات بالتطبيقات الصناعية الملائمة. كما لا بد من تطوير النظام التعليمي الأساسي باتجاه تحفيز الإبداع لدى الطلبة والابتكار والتمييز.
بينما أشار عضو مجلس إدارة مجلس الإبداع والتميز الفلسطيني/ ممثل الاتحاد العام للصناعات الفلسطينية م. أيمن صبيح، إلى ضرورة وإمكانية رفع مساهمة قطاع الصناعة في الناتج المحلي وتحقيق قدر من الاستقلال الاقتصادي بالرغم من الاحتلال، مؤكدا أن خطة ناجحة للتطوير الصناعي تحتاج إلى اعتماد وتنفيذ خطة للإبداع والابتكار. هذا بدوره يتطلب توفير البنية الأساسية للبحث والتطوير مخصصة لأهم الفروع الصناعية الإنتاجية والتصديرية وتأسيس إطار جامع يضع الطاقات الفلسطينية في منظومة واحدة، ورأى في المجلس الأعلى للإبداع والتمييز المقام حديثاً بداية جيدة في هذا الاتجاه. ودعا إلى وضع إستراتيجية وطنية شاملة في هذا المجال، ترعاها الحكومة بالتعاون مع القطاعين الصناعي والأكاديمي، ما سيسهم في بناء الثقة بين الأطراف والتوافق على صيغة تعاون وتقاسم للأدوار.
أداء ضعيف
لكن الباحث مرار، اكد ان نتائج الابتكار ومعوقاته في قطاع الخدمات في فلسطين في العام 2015، أظهرت أداء ضعيفا للأنشطة الابتكارية، حيث أشارت 5.3% من المنشآت إلى أنها قامت بتقديم منتجات ابتكارية، و3.8% قامت بتقديم ابتكارات جديدة في طرق الانتاج، و9.5% ابتكارات في طرق التنظيم والإدارة داخل المؤسسة، بينما 14.4% قامت بتقديم ابتكارات جديدة في طرق التسويق والدعاية.
وأشارت غالبية المنشآت إلى أن المعيقات الخارجية تحد بشكل كبير من قدراتهم على الابتكار، وبشكل رئيسي عدم وجود قاعدة تكنولوجية ومعرفية في فلسطين والتي تعتبر المنصة الأساسية للإبداع. كذلك نسبة كبيرة من المنشآت أشارت إلى عدم وجود تمويل من خارج المنشأة لعملية الابتكار والتي تعتبر مكلفة حسب وجهة نظرهم.
وعن دور الشراكة ما بين القطاع الصناعي، الحكومة، والجامعات أكد د. مرار، ان الأداء الابتكاري كان ضعيفا في معظم الأنشطة الصناعية الفلسطينية، فغالبية المنشآت الصناعية لم تقدم جديدا خلال الأعوام 2014-2016 سواء في المنتجات، طرق الإنتاج والتنظيم أو طرق التسويق.
وبالنسبة إلى معيقات الابتكار، أشار 53% إلى نقص التمويل الخارجي والخاص بالبحث والتطوير والابتكار، وحوالي 54% إلى ضعف الإطار القانوني الخاص بحماية الملكية الفكرية والابتكارات، 53% إلى ضعف دور الحكومة في دعم وتشجيع الابتكار، 50% إلى عدم وجود بنية تحتية أو قاعدة تكنولوجية ومعرفية خاصة بالبلد، 52% إلى ضعف التشجيع والمحفزات الخاصة بالابتكار. وأشار 2% فقط إلى أن الحكومة قدمت لهم دعماً مالياً لتشجيع البحث والتطوير وإنتاج المعرفة خلال الثلاث سنوات الأخيرة، 3% فقط أشاروا إلى أن الحكومة قدمت لهم حوافز ضريبية من أجل تشجيعهم على الابتكار وتطوير سلع جديدة في نفس الفترة، 3% فقط أكدوا الحصول أو الدخول في مشاريع مشتركة مع الحكومة خاصة بالبحث والتطوير وتدريب الموظفين، بينما 10% أشاروا إلى أن الحكومة ساهمت في تسهيل تصدير المنتجات الابتكارية وفتح أسواق جديدة عن طريق الاتفاقيات التجارية التي عقدتها مع الدول الأخرى.
فقط نسبة قليلة (حوالي 10%) قال د. مرار: “انهم، عزوا ضعف الابتكارات لديهم إلى ضعف الطلب، ونقص في المعلومات عن السوق، أو ضعف المنافسة. أما بالنسبة إلى العوامل الداخلية، فأشار 53% إلى نقص القدرات المالية لديهم والخاصة بالبحث والتطوير وابتكار منتجات جديدة والناتجة بشكل أساسي عن ارتفاع التكلفة الخاصة بذلك. لا ترى نسبة كبيرة من المنشآت الصناعية في توفر الخبرات والمعرفة داخل الشركة عائقاً كبيرا يحد من قدرتها على الابتكار”.
ويؤكد مرار، من أبرز العوامل التي تساهم في ضعف القدرات الابتكارية لدى عدد كبير من المؤسسات هو انخفاض الشراكة والتواصل مع الجامعات التي تعتبر المصدر الأساسي للعلم والتكنولوجيا، والأفكار الجديدة، ومصدر أساسي لأنشطة البحث والتطوير ذات التكلفة المنخفضة، فقط 18% من المنشآت الصناعية أشارت إلى وجود نوع من الشراكة مع الجامعات فيما يخص الحصول على المعرفة اللازمة لتطوير منتجات جديدة أو تحسين في نوعية المنتجات الموجودة لديهم.
لكن الدراسة التي أعدها جهاز الإحصاء المركزي الفلسطيني عن مؤشرات الإبداع في فلسطين عام 2016، والتي بحثت معيقات الابتكار في فلسطين من وجهة نظر المؤسسات التي تشكل وتنظم عمل منظومة الابتكار في فلسطين فانها تنوعت ما بين مؤسسات حكومية وشبه حكومية، واتحادات صناعات أو شركات أنظمة المعلومات، وحاضنات تكنولوجية، ومؤسسات ريادية.
واظهرت نتائج الدراسة مجموعة من المعيقات أبرزها: عدم وجود نظام متكامل خاص بالابتكار (Innovation System)؛ على الرغم من وجود العديد من المؤسسات العاملة في مجال الابتكار والريادة ، إلا أن هذه المؤسسات لا تسير وفق نظام واحد أو إطار موحد تتكامل عناصره فيما بينها. وقلة الوعي بأهمية الابتكار لدى القطاعات المختلفة، حيث إن موضوع الابتكار من المواضيع الحديثة في المجتمع الفلسطيني على الرغم من أن الأنشطة الابتكارية لم تغب يوماً عن واقعنا ومؤسساتنا ولو بمسميات ومفاهيم أخرى.
اضافة الى ضعف الدعم الحكومي لمنظومة الابتكار وفي إنشاء نظام إبداعي ذي فعالية وكفاءة قادر على الإرتقاء بموضوع الابتكار في فلسطين. وعدم وجود دعم حكومي مادي متواصل لعمليات الابتكار، سواء فيما يتعلق بأنشطة البحث والتطوير خاصة في الجامعات، رعاية الأفكار الابتكارية، والشراكة مع القطاع الخاص في مشاريع إبداعية مشتركة، بالإضافة إلى ضعف الإطار القانوني الخاص بتشجيع وحماية الابتكار؛ وذلك يتمثل بشكل رئيسي بالقوانين الخاصة بحماية الملكية الفكرية، وبراءات الاختراع، وحقوق الطبع. كما أن هناك ضعفا في القوانين المحفزة للبحث العلمي والابتكار. وما زالت الجامعات تعتمد على طرق تقليدية في التعليم ولم تتحول إلى جامعات ريادية ومحفزة على الابتكار، على الرغم من الجهود التي تبذلها في الفترة الأخيرة في سبيل ذلك. وتحكم الاحتلال الإسرائيلي في الاقتصاد الفلسطيني؛ والذي من شأنه أن يحد من تصدير السلع الابتكارية، وبالتالي انخفاض الحافز لدى المستثمر الفلسطيني للقيام بالأنشطة الابتكارية. بالإضافة إلى عدم الاستقرار السياسي الذي جعل من المناخ الاستثماري في فلسطين مناخاً يحمل قدراً كبيراً من المخاطرة، والذي من شأنه أن يضعف تدفق الاستثمارات الأجنبية والتي تعتبر مهمة جداً في نقل التكنولوجيا والمعرفة إلى السوق المحلي.
وفي قراءة سريعة من قبل د. مرار، لقوانين الملكية الفكرية في فلسطين، فانه يلاحظ أن القوانين والتشريعات الخاصة بحماية الملكية الفكرية في فلسطين قديمة وتجاوزها الزمن وبحاجة إلى إعادة صياغة سواء فيما يتعلق بالقوانين المنظمة للبراءات أو العلامات التجارية أو الرسوم والنماذج الصناعية. فالقانون الحالي والمعمول به ناقص المحتوى ولا يغطي جوانب عديدة مثل القوانين الخاصة بحماية النماذج والرسوم الصناعية والدوائر المتكاملة والمعلومات غير المفصح عنها (الأسرار التجارية والممارسات غير التنافسية في التراخيص التعاقدية والأصناف النباتية والمؤشرات الجغرافية). كما أن العديد من التشريعات الحالية لا يزال يواجه تحديات تتعلق بمستوى توافق هذه التشريعات مع المتطلبات الدولية وخاصة متطلبات الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية وما يرافقها من اتفاق حماية الجوانب المتصلة بالتجارة من حقوق الملكية الفكرية والذي يدار عن طريق المنظمة العالمية لحماية الملكية الفكرية “الوايبو”. كذلك الحال بالنسبة إلى قانون المؤلف حيث ما زال العمل ساري المفعول بقانون حقوق الطبع والتأليف المعمول به في الضفة الغربية وقطاع غزة منذ فترة الحكم الأردني للضفة الغربية والمصري لقطاع غزة.
أما فيما يخص القوانين الخاصة بتحفيز البحث والتطوير فإن د. مرار، اكد ان صانعي القرار في السلطة الوطنية لم يقوموا بإصدار أي تشريعات خاصة بتحفيز البحث والتطوير سواءً من خلال تقديم الإعفاءات والحوافز الضريبية أو إنشاء جسم رسمي خاص بتحديد الأولويات البحثية للمجتمع الفلسطيني والعمل على توفير الدعم المادي المباشر لها. كذلك هو الحال بالنسبة إلى الريادة والابتكار، باستثناء ما قامت به السلطة الفلسطينية من تشكيل المجلس الأعلى للإبداع والذي من المفروض أن ينظم عملية الإبداع في الأراضي الفلسطينية ويوفر الدعم الفني والمادي للمبدعين والأفكار الإبداعية.
وبهذا الصدد يعتبر الجعبري، وجود إطار قانوني خاص بحماية الملكية الفكرية من الركائز الأساسية التي يقوم عليها الاقتصاد الحديث الذي يعتمد بشكل أساسي على التكنولوجيا والمعلومات، وقال: “حيث باتت هذه القوانين تشكل رافعة مهمة في حماية الحقوق والتشجيع على الإبداع والابتكار، حماية للمنتج وخلق فرص استثمارية واعدة في مختلف المجالات، خاصة في ظل التطور السريع في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات التي تساهم بشكل كبير في تناقل المعلومات والوصول إلى الأفكار والإبداعات التي يتم تطويرها بشكل مستمر سواء على المستوى المحلي أو الدولي. كما أن الدول التي توفر إطارا قانونيا متكاملا وفعالا لحماية الملكية الفكرية وحقوق النشر تتمتع بقدرة أكبر على جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة وعلى استقطاب الكوادر المؤهلة ومستويات أكبر من الإنفاق على البحث العلمي والتطوير ونمو متسارع لقطاعات الاقتصاد المعرفي وهو ما يصب في مجمله في صالح دعم معدلات النمو الاقتصادي وتوفير المزيد من فرص العمل ويسهم في الوقت ذاته في زيادة مستويات تنافسية الاقتصاد الوطني”.
بينما أكد ابو جزر، أن وزارة التربية تعكف من جهتها على صياغة قانون لرعاية الانجاز المدرسي والتمييز، بالإضافة إلى قيامها بتنظيم معارض العلوم والتكنولوجية المدرسية التي لا بد من تكثيف المشاركة فيها من قبل قطاع الأعمال والصناعة. كما دعا إلى تطوير التعليم المهني والتقني وبناء شراكة علمية تعاونية بين الوزارة والقطاع الخاص وتخصيص جزء من أرباح الشركات لإنفاقه على البحث والتطوير.