بروكسيل– لدى قسم النبيذ في الطابق الأرضي من مخزن غاليريا كاوفهوف في وسط البلدة في كولون مجموعة جيدة من أنواع النبيذ المستورد من كل أنحاء العالم. وفوق الزجاجات، تحمل الرفوف شاخصات صغيرة تحمل الأسعار وأعلام بلد المنشأ.
وثمة قارورة مكعبة تظهر نجمة داود زرقاء على خلفية بيضاء. ومن النظرة الاولى، قد ينقاد المرء إلى الاعتقاد بأن النبيذ يأتي من إسرائيل. حتى إن العبارة على الماركة -الليبل- تقول: “نبيذ إسرائيل”. ومع ذلك، يتطلب الأمر قدراً جيداً من الخبرة الجغرافية والتاريخية لتحديد الأصل الحقيقي لهذه القارورة من النبيذ التي تبلغ قيمتها 14.99 يورو (20 دولاراً). ويقول الليبل إنها من إنتاج 2008 كابيزنت سوفينيون، وأنها “انتجت وعبئت في مخمرة مرتفعات الجولان” والعنوان المرفق هو: “12900، كاتزرين، إسرائيل”.
لكن هذا العنوان لا يوجد في إسرائيل. فكاتزرين هي مستوطنة في مرتفعات الجولان. وحتى حرب الأيام الستة من العام 1967 كان السفح الصخري الممتد نحو 60 كيلومترا (70 ميلاً) يتبع سورية. ويحتل الجيش الإسرائيلي المرتفعات والضفة الغربية الفلسطينية منذئذ.
ولم تعترف المجموعة الدولية أبداً بالسيادة الإسرائيلية على هذه المناطق، كما أن معاهدة جنيف تحظر إقامة مستوطنات داخل الأراضي المحتلة. وبالرغم من ذلك، سمحت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة ببناء المستعمرات في داخلها. وهناك اليوم 650.000 مستوطن إسرائيلي يعيشون في الضفة الغربية والقدس الشرقية.
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد أكد مؤخراً أي اهتمام ضئيل توليه الحكومة الإسرائيلية لاحترام القانون الدولي حول هذا الموضوع. وقال لصحيفة “معاريف” الإسرائيلية اليومية: “لقد ولت الأيام التي كانت الجرافات تسوي فيها المستوطنات بالأرض”.
وكانت إسرائيل قد أجرت انتخابات برلمانية يوم 22 كانون الثاني (يناير) الماضي، وهي الآن بصدد تشكيل حكومة ائتلافية جديدة سيترأسها نتنياهو. وبالرغم من أن الائتلاف سيضم أحزابا ليبرالية من الوسط السياسي، فإن الساسة الذين يمثلون المستوطنين سيكون لهم صوت قوي في الحكومة الجديدة. ومن شأن هذا التشكيل أن يبدد آمال الساسة في برلين وبروكسيل وواشنطن، الذين كانوا قد أبدوا شغفا بإحياء عملية السلام المحتضرة في الشرق الأوسط.
نهج مواجهة
وقد دفع ذلك بمسؤولي الاتحاد الأوروبي إلى التحرك قدما في تخطيط سيضعهم في مواجهة مع إسرائيل. والموضوع الرئيس هو سياسات الاستيطان. ففي اجتماع عُقد في كانون الاول (ديسمبر)، أعاد وزراء خارجية الدول السبع والعشرين الأعضاء في الاتحاد الأوروبي التأكيد على “التزامهم بتأمين التطبيق المستمر والكامل والفعال للتشريعات القائمة للاتحاد الأوروبي والترتيبات الثنائية السارية على منتجات الاستيطان”. وبكلمات أخرى، فانهم يقترحون حظر بيع السلع التي تنتج في الأراضي الفلسطينية المحتلة -أو على الأقل طالما ظلت المنتجات تحمل ليبلات مزورة.
وستكون العقوبات ضد المنتجات القادمة من المستوطنات صفعة رئيسية توجه للاقتصاد الإسرائيلي. ففي كل عام يصدر المستوطنون ما تصل قيمته إلى 220 مليون يورو على شكل سلع إلى أوروبا، بينما لا يعدو حجم الصادرات الفلسطينية إلى أوروبا 15 مليون يورو. وتبعاً لذلك، أصدرت إسرائيل رد فعل سلبيا جدا على خطط بروكسيل.
وفي ردها على هذه الخطط، حاججت السفارة الإسرائيلية في بروكسيل بأن ثمة نزاعات أليمة في كل انحاء العالم. وقالت: “اذا كان هذا النوع من تنظيم الماركة غير عالمي ويسعى إلى إلصاقه بمكان واحد حصرياً وتحديداً إسرائيل، فعندها سيكون هذا الإجراء غير عادل بشكل متأصل وتمييزي الصبغة، ويجب التعامل معه على هذا النحو”.
لكن هذه الاتهامات لا تخيف المسؤولين في بروكسل. فقد عمد موظفو وكالة العمل الخارجي الأوروبي، الوكالة الدبلوماسية للاتحاد الأوروبي بمقتضى معاهدة لشبونة، إلى فحص كل جهاز التشريع في الاتحاد الأوروبي لتقرير أي التوجيهات والقوانين يمكن أن يستند لها في سياق الجهود لحظر المنتجات التي من صنع المستوطنات. وتظهر قائمة التشريعات الممكنة التطبيق، والتي حصلت دير شبيغل عليها، أن حصة الاسد من المنتجات المحظورة المحتملة تشتمل على مواد غذائية.
صعوبات في التحقق من المنشأ
مثلا، يحدد قانون المجلس الأوروبي 1234/2007 قواعد “حول أحكام خاصة ببعض المنتجات الزراعية” بما فيها النبيذ. ومن بين المعلومات الخاصة بالمنتج والتي يجب أن يفصح عنها هي: المنشأ. لكنه يتم عملياً انتهاك هذا القانون باستمرار.
ويحدد قانون المجلس 2008/479 المسؤول عن المراقبة أن ذلك النبيذ يجب أن يُعلّم بشكل مناسب. وتقول المادة 62 “وعلى السلطات المختصة في الدول الأعضاء اتخاذ الاجراءات الضامنة لأن يكون المنتج المشار اليه في المادة 59 (1) -بما فيها النبيذ والمنتجات ذات الصلة بشجرة الكرمة “غير المعلمة بما يتماشى مع هذا الفصل، ليست معروضة للبيع أو مسحوبة” من السوق.
ويستورد النبيذ الأحمر القادم من مرتفعات الجولان، والذي يباع في غاليري كاوفهوف إلى ألمانيا من قبل شركة “تشابانير أند فين ديستريبيو شنزجيلشافت” التي تتخذ من الولاية الالمانية الشمالية شيلزبيغ-هولشتاين مقرا لها. لكن الوزارة المسؤولة عن الزراعة في الولاية لا ترى أي مسوغ لاتخاذ إجراء. ويقول ناطق بلسان الوزارة أنه نظرا لأن وزارة الصناعة والتجارة والعمل في إسرائيل قد قدمت أصلا وثيقة تثبت منشأ النبيذ، فليس هناك خداع في هذه المسألة.
تعتمد الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي أيضاً على المعلومات المزودة من جانب المصدرين الإسرائيليين عندما يتعلق الأمر بالفواكه والخضروات. ومن الصعب التحقق بالضبط من مكان قطف البرتقالة أو الزيتونة. وفي الوقت الراهن، ثمة واحد من الاشياء التي يدرسها المسؤولون في الاتحاد الأوروبي، هو التمور التي ينميها المستوطنون الإسرائيليون في وادي الأردن المحتل.
كما أن منتجات أدوات التجميل الإسرائيلية من شركة “أهافا” خاضعة هي أيضاً للجدال، وتنتج الشركة المذكورة المستحضرات الطبية (الكريم) ودهون الرش (جل) التي تحتوي على معادن من البحر الميت. وتشتمل عبوات المنتجات على التفصيلات: “مختبرات البحر الميت. إسرائيل” وفي الحقيقة، فإن المنتجات تصنع في طرف البحر الميت الواقع في الضفة الغربية المحتلة.
الى ذلك، رفضت الشركة الإجابة عن أسئلة قانونية مفصلة. وقالت بايجاز أن “شركة “أهافا” تعمل بالتنسيق مع السلطات الألمانية والمفوضية الأوروبية وبموجب القانون”. لكن الهدوء الظاهري سرعان ما تلاشى. فقد اطلعت “اهافا” في الحال السفارة الإسرائيلية في برلين على تغطية دير شبيغل.
ويتخذ المستورد الالماني لمنتجات “اهافا” من فايزبادن مركزا له. ولذلك، تكون أي مراقبة لمنتجاتها من مسؤولية المدينة، وهي العاصمة الرسمية لهيس. وفي رد مكتوب على استفسار من ديرشبيغل، قالت دائرة حماية المستهلك لأن المقار الرئيسية توجد رسمياً في داخل الحدود المعترف بها لدولة إسرائيل، فانه “لا يمكن الاستدلال على أي شيء مضلل”.
بلدان تتعامى عن الواردات
لكن لدى المسؤولين في الاتحاد الأوروبي في بروكسل وجهة نظر مخالفة. فبموجب قانون الاتحاد الأوروبي 2005/29، يعتبر التاجر مستخدماً لممارسات مضللة عندما يقدم معلومات مادية بطريقة غير واضحة وغير قابلة للتحقق منها… وغامضة أو في غير وقتها”. وتعتبر المفوضية الأوروبية هذه الممارسات “حذوفات مضللة”. وقد توصل المسؤولون في بروكسل إلى استنتاج أن الضباط في العديد من البلدان الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ينظرون بعين عمياء إلى المنتجات التي تنشأ في المستوطنات الإسرائيلية.
وأكدت مراجعة ديرشبيغل لكل الحكومات الوطنية لدول الاتحاد الأوروبي الـ27 هذا الشك. لكن السؤال البسيط عما إذا كانت المنتجات القادمة من المستوطنات في الضفة الغربية أو مرتفعات الجولان “تأتي من إسرائيل” أم لا، ولد اجابات متفاوتة. فقد اجابت بريطانيا وايرلندا وفنلندا والسويد واستونيا وهولندا والنمسا واسبانيا وقبرص كلها عن السؤال بكلمة “لا” واضحة. وتعتبر هذه البلدان المنتجات التي تحمل الماركات “منتج إسرائيل” أو “صنع في إسرائيل” مضللة. وقال ناطق بلسان وزارة البيئة والغذاء والشؤون الريفية البريطانية: “إن المواد المستوردة إلى المملكة المتحدة من المستوطنات الإسرائيلية، مثلها مثل تلك التي تنتج في الضفة الغربية، لا يمكن تعليمها قانونياً على أنها من منتجات إسرائيل”.
كما أعربت بلدان أخرى في الاتحاد الأوروبي عن عدم يقين. وفي ضوء التاريخ الصعب للبلد، يعاني المسؤولون في ألمانيا وهم يتجنبون أي شيء قد يفضي إلى استحضار أي نوع من الاقترانات التاريخية مع الحملات النازية لمنع الشعب من شراء منتجات من اليهود. وقد حث مسؤولو الحكومة الالمانية المفوضية الأوروبية على توفير “مساعدة ارشادية في تنفيذ قانون الاتحاد الأوروبي ذي الصلة بالتوافق مع قانون الاتحاد الأوروبي والتعليم الصحيح”.
ويرى عدد من بلدان الاتحاد الأوروبي عدم وجود أي مشكلة تتعلق بالماركات. وهم يشيرون إلى أن المبيعات تصبغ بالصبغة القانونية فور اقرار مسؤولي الجمارك للمنتجات. ومع ذلك، فإن الشيء الوحيد الذي يفحصه مسؤولو الجمارك هو ما إذا كانت المنتجات تقع في اطار اتفاقية الترابط بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي. فإذا كانت كذلك، فلا يطلب عندها من المستوردين دفع أي تعرفة استيراد.
ولا ترى سلسلة مخازن غاليري كاوفهوف أي سبب لاتخاذ إجراءات. وتتذرع الشركة بأنها مسؤولية المزودين وحدهم التأكد من وضع الماركات التجارية. كما خاطبت الشركة السفارة الإسرائيلية في برلين قبل الإجابة عن سؤال من مراسل ديرشبيغل. وكتب ناطق بلسان الشركة قائلاً: “لقد كان المزودون والسفارة قادرين على إعطائنا ضمانات معقولة بأن تصرفاتهم قانونية”.
وأضاف أيضاً: “ان غاليري كاوفهوف، مثل غالبية الشعب الألماني، تتمنى السلام للشرق الأوسط”.
(ديرشبيغل (ترجمة: عبد الرحمن الحسيني- الغد الاردنية.
نشرت هذه القراءة تحت عنوان:
EU To Crack Down on Israeli Settlement Products