هناك من يعتقد، في الوطن العربي، أن الأوضاع كانت أفضل لو لم تحدث ثورات «الربيع العربي»، ويتساءل: كم من التضحيات كانت ستوفر في مصر وسوريا وليبيا واليمن وغيرها… سار الشباب الغاضب في مسيرات مليونية، تطالب بالحرية والديموقراطية، فكانت النتيجة هي الفوضى. تخلى الغرب عن عملاء مخلصين له أمثال حسني مبارك وبن علي، وحملت الانتخابات التي جرت «الاخوان المسلمين» إلى الحكم في مصر وتونس، كما تصدروا المشهد السياسي في كثير من البلدان العربية الأخرى. ولم يوقف المد الإسلامي الا انقلاب عسكري قام به مشير، أعاد به الطمأنينة إلى قلوب ملوك الخليج وأمرائه. وشاعت بعد ذلك مقولة أن الثقافة العربية لا تصلح للديموقراطية، وأن الأمر سيكون أفضل في ظلال أنظمة الفساد والاستبداد.
لا بد من القول أن بعض تلك الأفكار صحيحة. فـ«الربيع العربي» تحول في سوريا إلى مأساة. وفي مصر اعتقد شباب الثورة أن الديموقراطية يمكن تطبيقها خلال أشهر، ولكنهم اليوم موجودون في السجون.
لقد لجأت الأنظمة المتداعية إلى استعمال أداة ديموقراطية هي الانتخابات لتبرير تسلطها وإعطاء غطاء شعبي لأفعالها القمعية. فكانت النتيجة انتخابات فاشلة لا مشروعية قانونية ودستورية لها، إذ إنها صنعت في أقبية المخابرات ودهاليزها. ولا بد من القول أن الانظمة تتمتع بتأييد 10 ـ 15 في المئة فقط من الفئات الناخبة. وهي فئات مرتبطة مصيرياً بأنظمة الفساد وتشكل جزءاً من الطبقة السياسية الحاكمة الفاسدة، وقد تبدى ذلك جلياً في الانتخابات التي أجراها النظام المصري لتثبيت مرشحه قائد الجيش عبد الفتاح السياسي رئيساً للجمهورية.
ولم يطلق النظام المصري الحالي آلته القمعية الرهيبة ضد «الاخوان المسلمين»، بل ضد الشباب الذين فجروا الثورة ضد نظام حسني مبارك البائد. ويوجد في السجون حالياً ما لا يقل عن 16,000 معتقل. كما أن ضحايا عنف السلطة بلغ 1000 قتيل. وقام القضاء المصري بإصدار أحكام إعدام اعتباطية، ما جعله سخرية العالم أجمع. وأصبح الإعلام المصري إعلام سلطة موجها واستبعدت الأقلام والأصوات الحرة لأمثال باسم يوسف وعلاء الأسواني وغيرهما. وقام باعة الدم والضمير من إعلاميين ببث مشاعر الحقد والكراهية والتحريض على القتل، وهي تهم جنائية موجودة في قوانين العقوبات في أي مكان في العالم. وهؤلاء شركاء في الجريمة، وتجب ملاحقتهم. وقد تبدى النظام المصري خلال أحداث غزة الأخيرة عارياً من أي عروبة أو وطنية وفاقداً لأي حس إنساني. ان إقامة ديكتاتورية عسكرية مقيتة في مصر هي تحقير وإهانة لتضحيات شعب مصر العظيم. ولن تنجح أنظمة الاستبداد الا في تأخير موعد الزلزال الكبير القادم!
السفير