القدس/ يمارس مشرعون إسرائيليون ضغوطا على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ليرفع ما يصفونه بأنه “غطاء من السرية لا مبرر له” يحيط بالتمويل المتزايد للمستوطنات بالضفة الغربية.
وتكشف بيانات رسمية لم تنشر واطلعت عليها رويترز أن الإنفاق على المستوطنين ارتفع بمقدار الثلث بعد أن تولى نتنياهو رئاسة الوزراء في 2009، ويشكو البعض من أن الإنفاق على المستوطنات يختفي وسط أدغال الميزانية المتشعبة.
وتشجب الولايات المتحدة وحلفاء إسرائيل في أوروبا النشاط الاستيطاني باعتباره عقبة غير مشروعة أمام إقرار السلام مع الفلسطينيين. لكن المستوطنات “باتت تواجه الآن موجة جديدة من العداء داخل إسرائيل من جانب دافعي الضرائب الذين يتشككون في أن الدولة تقدم أموالهم من باب خلفي إلى قلة قليلة لها صوت عال”.
قال أليعازر ستيرن عضو البرلمان عن حزب الحركة الليبرالي الذي تتزعمه تسيبي ليفني رئيسة وفد التفاوض في محادثات السلام مع الفلسطينيين: “أنا عضو في اللجنة المالية وأقولها لكم.. أواجه احتيالا”.
وأضاف: “الأموال مخفية. يتم جمع بنود معا بحيث يجري التصويت على مادة لها ما يبررها ثم يزجون بالمال داخل هذه المادة”.
وكان نتنياهو قد تخلى عن اعتراضه على قيام دولة فلسطينية بعد أن أصبح رئيسا للوزراء عام 2009، لكنه يدافع عن التوسع في البناء الإستيطاني في الضفة الغربية، ويرفض ما يقوله الفلسطينيون من أن هذا يظهر عدم جديته إزاء حل الدولتين.
وفي حين أن زيادة الإنفاق على المستوطنات يظهر تمسك نتنياهو بالاحتفاظ ببعض الأراضي المحتلة في أي اتفاق للسلام مع الفلسطينيين، أصبح هذا الإنفاق مثار استياء الطبقة المتوسطة إزاء الوضع الاقتصادي، وهو ما فجر احتجاجات بالشوارع عام 2011 ودفع بمشرعين جدد إلى البرلمان في العام الماضي لتحدي رئيس الوزراء اليميني.
ومع حملة المناداة بالشفافية التي تلقى تأييدا من بعض النواب الجدد، أمرت المحكمة العليا الأسبوع الماضي وزارة المالية بإدخال تعديلات على قواعد الإشراف على الموازنة.
ودافع عضو اللجنة المالية البرلمانية المؤيد للمستوطنين عن العملية القائمة حاليا. لكن مسؤولا حكوميا كبيرا قال لرويترز، إن “هناك قدرا من التشويش.. لا بغرض استخدام أموال دافعي الضرائب في محل غير محلها، ولكن من أجل تثبيط المنتقدين الأجانب للمستوطنات”.
وأقر “نحيط الأرقام بستار من التكتم… مادام هناك من يهول ويستخدمها ضد إسرائيل”.
واحتمال أن تتخلى أي حكومة عن التكتلات الاستيطانية الكبرى احتمال ضعيف. وكثير ممن يتذمرون على التكلفة أو يرون في المستوطنين المتشددين خطرا، يؤيدون أيضا فكرة وجود إسرائيليين في المستوطنات الكبرى على الضواحي التي هي بمثابة جدار عازل بين القدس والمدن العربية في الضفة الغربية.
ومن ثم فإن الخلاف قد لا يغير من الحسبة المعتادة التي شهدت في نيسان/ابريل انهيارا جديدا للمحادثات التي توسطت فيها الولايات المتحدة مع الفلسطينيين وسط خلاف حول توسيع المستوطنات الكبرى.
لكن الخلاف على المال أزاح الستار عن الانقسامات في الرأي العام الإسرائيلي حول القضية، ووضع زعماء المستوطنين في وضع الدفاع خشية حرمان بعض المواقع خاصة تلك المثيرة للجدل والنائية من الأموال.
ويقود وزير المالية الإسرائيلي يائير لابيد نفسه الانتقادات لمثل هذا الإنفاق. غير أن التأييد الذي يناله المستوطنون بين أحزاب المعارضة يفوق كثيرا حتى الآن ما يردده المنتقدون داخل الحكومة الائتلافية.
* زيادة الإنفاق
الاتفاق على حجم التكلفة الإجمالية للمستوطنات التي تؤوي أكثر من نصف مليون مستوطن، يمثلون حوالي ستة في المئة من الإسرائيليين أمر مستحيل، إن لم يكن لشيء فعلى الأقل لأن الآراء تختلف على كيفية إسهامها في تكاليف ومزايا الاحتلال العسكري لتلك الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967.
لكن مكتب الإحصاء المركزي يحسب جزءا من إنفاق الدولة على المستوطنين. ويشمل هذا الجزء تكلفة بناء المنازل والمنشآت الأخرى والدعم المقدم مقابل العيش في ظروف صعبة، وتكلفة توفير الطاقة وكذلك المواصلات والطرق، وغيرها من البنى التحتية التي لا يحتاجها الجيش.
ويجري جمع هذه البيانات للولايات المتحدة بموجب بنود اتفاق أبرم عام 2003، تساعد واشنطن بمقتضاه إسرائيل بضمانات قروض، لكنها تحتفظ بالحق في خفض حجم تعهداتها بالمبلغ الذي تنفقه إسرائيل على المستوطنات. وتم خصم 1.1 مليار دولار إجمالا في عامي 2003 و2005 من ضمانات حجمها تسعة مليارات دولار.
والتقرير لم ينشر، لكن رويترز تمكنت من الاطلاع على بيانات مكتب الإحصاء المركزي خلال العشر سنوات الأخيرة أو نحو ذلك. وأظهرت البيانات تراجع الإنفاق من عام 2003 وارتفاعه منذ 2009 حين انتخب نتنياهو. فمن 1.015 مليار شيقل في 2004 انخفض المبلغ إلى 760.7 مليون في 2009، لكنه قفز إلى 1.05 مليار شيقل (305 ملايين دولار) في 2012، وهو آخر عام كامل شملته البيانات.
وتظهر البيانات الفصلية التي تغطي كل ثلاثة شهور من عام 2013 اتجاها ثابتا.
وامتنع مكتب نتنياهو عن التعليق.
وسئل المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية إدجار فارجيز عن الزيادة في الإنفاق على المستوطنات فأحجم عن التعليق على البيانات، لكنه قال: “نحن نعتبر المستوطنات غير مشروعة ونقول دوما إن النشاط الاستيطاني غير مفيد وله أثر معاكس لهدف تحقيق حل الدولتين”.
والأرقام ضئيلة مقارنة بإنفاق الدولة الكلي الذي بلغ 366 مليار شيقل في 2012، والذي مثل هو نفسه زيادة بنسبة 13.5 في المئة عنه عام 2009.
ولا تشمل الأرقام أمورا مثل الإنفاق على الصحة والتعليم والرعاية الاجتماعية لمستوطني الضفة الغربية الذين غطتهم الإحصاءات وعددهم 350 ألف نسمة. وتشمل بيانات مكتب الإحصاء المركزي 19 ألف إسرائيلي في مرتفعات الجولان السورية المحتلة، كما تشمل 9000 مستوطن في قطاع غزة حتى عام 2005. ولا تشمل 200 ألف إسرائيلي يعيشون على أرض تم ضمها وإدماجها في بلدية القدس.
ويعيش نحو 2.7 مليون فلسطيني في الضفة الغربية.
* تحويلات “خفية”
تشير التقارير المالية للبلديات إلى أن الحكومة المركزية قدمت 3630 شيقل لكل فرد من سكان المستوطنات في عام 2012، وهو ما يزيد بواقع الثلثين عن المتوسط المعتاد في بقية أنحاء إسرائيل، وهو 2181 شيقل للفرد.
قالت ستاف شافير التي انتخبت في البرلمان العام الماضي عن حزب العمل: “حين يكتشف الناس أن هناك من يأخذ أكثر.. أكثر بكثير لمجرد أنه يعيش في الأراضي (المحتلة)، ولأن بضعة سياسيين يريدون جذب الناس إلى هناك لإعاقة عملية السلام.. فلابد وأن يشعروا بالانزعاج”.
وأضافت: “هذا يزعج الجميع.. لا اليساريين فقط. كلنا ندفع ضرائب”. وطعنت شافير في قواعد مراجعة الموازنة في المحكمة العليا، وحصلت على حكم قضائي الأسبوع الماضي يمنح وزارة المالية واللجنة المالية بالبرلمان ثلاثة أشهر للاتفاق على التعديلات التي لم توضع بعد.
وشافير عضو في اللجنة المالية، وكانت ممن قادوا الاحتجاجات على ارتفاع تكاليف المعيشة التي اجتاحت إسرائيل عام 2011. وقالت إن لجنتها البرلمانية توافق على أوجه الإنفاق دون أن تتوافر لديها كل تفاصيلها.
وفي تعليق يحمل في فحواه نفس ما ذكره زميلها ستيرن، قالت: “طريقة الإخفاء تتمثل في تحويل مبالغ ضخمة… بهدوء من خلال اللجنة المالية حيث معظم المشرعين ليسوا على معرفة كاملة بما هو مطروح على الطاولة”.
وقال موشي جافني رئيس اللجنة السابق وهو عضو في حزب ديني في صفوف المعارضة الآن، إن المستوطنين يحصلون على المال “من خلال كل البنود التي يمكن للمرء أن يتتبعها فعلا”.
لكن نيسان سلومينانسكي رئيس اللجنة الذي خلفه في رئاسة اللجنة وعضو كتلة “البيت اليهودي” التي تشارك في ائتلاف نتنياهو أكد أن العملية تتسم بالشفافية التامة ونفى منح المستوطنات أي مزايا غير مستحقة.
أما وزير المالية لابيد فقد قال إن المستوطنات تلحق ضررا بالاقتصاد ككل. وأضاف في كلمة ألقاها هذا الشهر “إنها تضر بالنمو وبالناتج المحلي الإجمالي وبالروابط الاقتصادية مع العالم”.
القدس دوت كوم