المتبع لأحوال البلاد والعباد في هذه الرقعة الصغيرة مساحة والكبيرة تأثيرا في منطقة الشرق الأوسط، والتي تتكالب عليها أعتى القوى العظمى في العالم، ومعها من تحت ستار بعض “أخوة’”، يرى العجب العجاب، ضمن مفهوم إدارة الحروب بالوكالة في عالم يشهد الفوضى والفلتان، وتتحكم فيه دولة واحدة تدير دفه المعارك، مع بقاء الدول عبيدة لمصالحها.
لكن الأعجب، هو حالة البلادة السياسية التي وصلت لها فصائل فلسطينية ومعها بعض القوى المجتمعية، والتي انعكست على الشارع الفلسطيني الذي أصبح في حالة من اللامبالاة، وكأن ما يحدث في شمال الضفة الغربية شأن خاص بتلك المنطقة، بينما بقية المناطق تقف في حالة المتفرج، وكذلك حالة التكيف مع الوضع القائم المريحة للاحتلال الذي أصبح بلا كلفة حقيقية، وبقي متنفس الشعب من وراء الكيبورد ومواقع التواصل الاجتماعي التي تشهد الثورات وبينما على الأرض أكبر مسيرة يكون عدد الصحفيين لتغطيتها أكثر من عدد المشاركين بها.
إن ضبابية الموقف الفلسطيني المتردد في أغلب الأحيان في اتخاذ القرار الصائب، والدوران في حالة محاولة اللحاق بالركب، باتت سياسة عدمية، لن تجني مكاسب للقضية الفلسطينية، فمن ناحية لجنة تنفيذية بالكاد تتفاعل مع الأحداث الجارية وحكومة شبه غائبة لا تحرك ساكنا، سوى المزيد من الرضوخ للمزيد من ما يسمى حزمة الإصلاحات دون تردد ، ودون قطف ثمارها لينعكس إيجابا على قضينا الوطنية، بينما مازالت الرئة الأخرى من الوطن تذبح من الوريد الى الوريد وتمسح العائلات بأكملها من السجل المدني وهناك من يتاجر بدماء من تبقى من أطفال غزة، ويدير جزءا من معاركه من فنادق قطر وقرب القاعدة الأمريكية التي تزود الاحتلال بأعتى الأسلحة المحرمة دوليًا، ومؤسسات مجتمع مدني تأخذ من الحرب بابا للاسترزاق وجني الدولارات.
يترك المواطن الفلسطيني يواجه مصيره وحيدا، بينما جل ساسة البلاد في رحلة طويلة من البلادة السياسية ومحطات استراحة لعقول لا تمت للذكاء السياسي بصلة، عاجزة عن تدبير الشأن العام وغير قادرة على إنتاج الأفكار المنطقية الموضوعية القادرة على انتشال البلاد من أزماته العاصفة، أو إنجاز المهمات الوطنية، فلم يعد اليسار يسارا بل اصبح يسارا اسلاميا، وبعض المرتزقة السياسيين يسارعون جهرا وخفيه ومعهم حفنه من أصحاب رؤوس الأموال لتقديم اوراق الاعتماد لبعض العواصم العربية والغربية، بنظرهم أن السياسة مشروع ربحي، غير مدركين أن قضية شعبنا أكبر قيمة وقامة من ذلك فهي نضال مستمر ضد الاحتلال وشركاءه من المنظومة الاستعمارية التي ما زال الفكر الاستعماري في عقلها وتدافع عن الاحتلال بصفته جزء أصيل منها وكيان وظيفي لها .
البلاد أحوج ما تكون اليوم لصوت العقل الرصين القادر على اعادة مسار القضية الفلسطينية عالميا، وتصويب الوضع الداخلي لمواجهة التحديات والنهوض بالمسؤوليات، أما أن تترك الحالة السياسية على حالها، دون تحرك جاد ومسؤول، فإن ذلك يعني المزيد من الخسارة في الأرواح وفيما تبقى من ارض، فيما الفراغ السياسي يخلق قوى أخرى لتأخذ الدور وسوف تجد من يرعاها ويمكنها ويدافع عنها لتفرض على شعبنا وقضيتنا.
ونأمل أن يكون انعقاد المجلس المركزي الفلسطيني جاد ومسؤول، وأن تتحمل القوى المنضوية تحت المنظمة مسؤوليتها لإعادة تصويب الأوضاع داخل أطر منظمة التحرير الفلسطينية وبناء شراكة وطنية حقه، وألا يكون انعقاده لمجرد تعديل المادة ١٣ من النظام الداخلي ليتيح انتخاب نائب الرئيس، وبعد ذلك ” العوض بسلامتكم “.
على الهامش اعلان الرئيس الفرنسي بشأن الاعتراف بالدولة الفلسطينية تطور هام وتغيير في سياسة فرنسا علينا التقاط هذا الاعلان ومواصلة الجهد مع فرنسا، فعالم اليوم متغير ولربما يضغط الاحتلال الذي لا يترك شاردة ولا واردة باتجاه الضغط لثني فرنسا عن هذا الإعلان، وتكون البلادة السياسية قد اضاعت هذه الفرصة التي ستقود للمزيد من الاعترافات الأوروبية بالدولة الفلسطينية.