التحالف الإسرائيلي الأميركي في الطريق إلى التحلل

2014/08/28
Updated 2014/08/28 at 10:09 صباحًا

ccoyyygm

يفهم كل مشاهد ذكي للتحالف القائم بين إسرائيل مع الولايات المتحدة وأوروبا الغربية منذ سبعة عقود تقريباً أن العلاقة الغرامية بين هذه الأطراف أصبحت الآن على وشك الأفول.
في العام 1948 وفي الأعوام التي تلته مباشرة، كان ذلك التحالف خلاصاً لإسرائيل والتزاماً على كاهل أوروبا الغربية. وكان ذلك بسبب ما تم فعله مع يهود أوروبا خلال الحرب وليس على يد النازيين وحسب. وبالإضافة إلى ذلك، جرى على نطاق واسع تفهم محاولة الدول العربية تدمير خلق الأمم المتحدة لوطن قومي لليهود على حساب الفلسطينيين وحظيت المحاولة بتعاطف دولي ما. لكن الدول العربية كانت تحمل في العام 1948 وزناً سياسياً ضئيلاً في مواجهة اصطفاف دول أوروبا الغربية والولايات المتحدة، في لحظة كانت فيها الحرب الباردة على وشك النشوء.
بالنسبة للساسة الأميركيين والأوروبيين على حد سواء، كان دعم الجاليات القومية اليهودية النشطة قوة ذات تداعيات انتخابية أيضاً. وقد تم كسب السباق بين الحكومتين الأميركية والسوفياتية على الاعتراف بالدولة الجديدة بإعلان هاري ترومان أولاً، لكن موسكو كانت الأولى التي تمنح الاعتراف الدبلوماسي الرسمي لدولة إسرائيل الجديدة، والتي شعرت بأنها ستكون حليفاً محتملاً في الشرق الأوسط. وكان التعاطف الشعبي مع إسرائيل في أوجه بين الليبراليين في الولايات المتحدة وفي اليسار الأوروبي -الأمر الذي لم يعد كذلك في هذه الأوقات. وكانت معاداة السامية ما تزال قوة كبيرة، ولم تكن أميركا، قبل وأثناء الحرب العالمية الثانية، تفعل سوى النزر اليسير من أجل يهود أوروبا المضطهدين.
واليوم، ما يزال الاعتراف بإسرائيل والمصادقة على الدعم المالي المقدم إليها من الجالية اليهودية الأميركية في الولايات المتحدة عاملين مهمين، لكنهما أصبحا في طور التراجع في الدوائر السياسية الأميركية. وفي الأثناء، انتقلت حالات التعاطف الليبرالية باتجاه اليسار المعادي لإسرائيل، وأبرز ما يكون في صفوف اليهود الشباب وفي أوساط نخب الجالية، حيث ثمة تعاطف متنام مع القضية الفلسطينية وحركة سحب الاستثمارات المعادية لتقدم الاستعمار اليهودي فيما يشكل قانونياً أراضي فلسطينية، والآن فوق كل شيء، كرد فعل على الطرق عديمة الرحمة التي تستخدمها الحكومة الإسرائيلية لخنق المقاومة الفلسطينية المسلحة في غزة، امتداداً إلى مصادرة الأراضي والممتلكات الفلسطينية ووصولاً إلى المطالبات بالحقوق المدنية.
على الصعيد الدولي، فإن الدعم غير المحدود الذي تمنحه الولايات المتحدة لإسرائيل في سياساتها الخارجية والمحلية، آخذ في التسبب بضرر متنام، ولو أنه يجري التعبير عنه بحذر، لسمعة أميركا في أوروبا الغربية، وعملياً في كل مكان آخر في العالم -في العالم النامي على وجه الخصوص.
لقد أصبح هذا التحالف يؤخذ على أنه تعريف للولايات المتحدة كدولة قمعية و”إمبريالية”، وقد تعزز الحكم الأخير بطبيعة السياسات الأميركية في كل مكان في العالم غير الغربي تقريباً منذ الحرب في فيتنام، ثم تعزز على نحو ضخم بالتدخل الأميركي في الشرق الأوسط والغزو الكارثي للعراق، مع ما حمله من تداعيات مدمرة للعالم الإسلامي. كما عملت حملة الاستخبارات السرية الأميركية المحلية والدولية الهائلة، بالإضافة إلى نشاطات التعرض الإلكتروني على منح الولايات المتحدة سمعة الدولة شبه الاستبدادية.
الآن، أصبح ينظر إلى تحالف الولايات المتحدة مع إسرائيل دولياً على أنه تحالف بين منتهكي القانون الدولي، وهو وصف صحيح حرفياً بسبب اللامبالاة التي يبديها البلدان تجاه المعايير والاتفاقات الخاصة بالعدالة الدولية. وفي الأثناء، تقوم الولايات المتحدة بتسهيل عمليات الضم الإسرائيلي العدواني وغير القانوني للأراضي المخصصة للشعب الفلسطيني بموجب الحكم الذي كانت الأمم المتحدة قد أصدرته في العام 1948، الذي أسس وطناً قومياً يهودياً في مستعمرة فلسطين الخاضعة للانتداب البريطاني.
بالنسبة لإسرائيل، أصبح ذلك أكثر شؤماً، حين اعتبرته حافزاً وترخيصاً لانتهاك القانون الدولي. وقد بدأت الحرب التي اندلعت أخيراً بين غزة التي تسيطر عليها حماس وإسرائيل باستفزاز متعمد من جانب الطرفين، حيث تحدى ناشطو حماس هيمنة إسرائيل على غزة واستدرجوا بذلك قمعاً عسكرياً بمدى ودرجة من العنف العشوائي وغير القانوني الذي من شأنه أن ينزع المصداقية عن إسرائيل، وعلى نحو غير مباشر من راعيها الأميركي ومزودها بالأسلحة أيضاً.
كان رد إسرائيل على هذا الاستفزاز كما توقعت حماس، والذي ضحت من أجله (حتى تاريخه) بأكثر من 2000 فلسطيني، معظمهم من المدنيين، سوية مع تدمير سلسلة من المدارس التابعة للأمم المتحدة والمستشفيات والمنشآت الأخرى، وهو ما جلب على إسرائيل -وحليفها الأميركي- العار الدولي الذي سعت حماس إليه. كما وجه صفعة أخرى إلى ضمير أولئك الأفراد الإسرائيليين وأصدقاء إسرائيل الذين ظلوا يشعرون لأكثر من 60 عاماً بأنه كان انتصاراً ما بعد الوفاة للنازية أن تقوم بتحويل الناجين من الهولوكوست إلى مضطهدين للفلسطينيين. كما أنه أحال الأميركيين إلى مواجهة تواطئهم مع الإسرائيليين.
لقد حان الوقت الآن لوضع حد للتحالف الإسرائيلي الأميركي. فقد أسهم هذا التحالف في خلق فساد عميق استشرى في كلتا الأمتين، والذي قد يفضي عند بلوغه نهايته -وهو بالغها لا محالة- إلى تحويل هذين الحليفين إلى عدوين، والذي سيثير في الولايات المتحدة غضباً لا يعرف التسامح ضد استغلال أميركا وضد أولئك المسؤولين عن ذلك الاستغلال.
كتب الدبلوماسي الإسرائيلي، آلون بينكاس، مؤخراً عن التحالف المذكور قائلاً: “ثمة بعض التشوش في إسرائيل، والناجم عن الشعور بإحساس مفرط بأهمية الذات”. ولعل الأصل الاستراتيجي في هذه المعادلة هو أن الولايات المتحدة هي من أجل إسرائيل وليس العكس. ومنذ سقوط الاتحاد السوفياتي، لم يكن هناك أي نضال بين قوى عظمى في الشرق الأوسط”.
ويمضي بينكاس إلى القول: “في هذه الأوقات، أصبحت الولايات المتحدة في غمرة إعادة تعريف مصالحها الإقليمية، آخذة اتجاهاً واضحاً -ولو كان بطيئاً- نحو فك الارتباط. وتتصل الأسباب باستقلالها في مجال الطاقة، وبخيبة أمل من العالم العربي، وبرأي عام معادٍ لأميركا بسبب تورطها في العالم، وانتقال انتباهها والطاقة إلى زوايا أخرى من المعمورة. كل هذه العوامل قادت الولايات المتحدة إلى إعادة تفحص موقفها ودورها ومصالحها في الشرق الأوسط”.
لقد أزف الوقت الذي تستطيع فيه الولايات المتحدة، بل ويجب عليها، في هذه الإدارة (وهو الخيار الأفضل، نظراً لأن لديها مطلق الحرية للتصرف كحكومة منصرفة) أو في الإدارة التالية، أن تقول لإسرائيل إن الزمن قد طال أكثر من اللازم على إبرام اتفاق مع الفلسطينيين على حل الدولتين وفق الشروط التي لطالما تم التفاوض عليها والمعروفة لكلا الطرفين وللمجموعة الدولية.
يجب على واشنطن أن تقول لقادة إسرائيل إن لدى إسرائيل وقتاً محدوداً لإنجاز هذه التسوية. وإنها إذا لم تتم خلال تلك الفترة، فإن الولايات المتحدة ستنهي تحالفها العسكري والسياسي مع إسرائيل، ولن تدعم إسرائيل في الأمم المتحدة باستثناء الحالات التي تستحق فيها الدعم بوضوح.
سوف يسمح لنشاطات وكالات إسرائيل الرسمية وغير الرسمية للنفوذ والعمل السياسي في داخل الولايات المتحدة بالعمل فقط إذا كانت مسجلة بالشكل المناسب كالوكالات تعود لحكومات أجنبية، وبعد أن يصبح سلوكها شفافاً تماماً. وسيكون من شأن ذلك أن يبدد الأوهام التي ينطوي عليها أناس مثل رئيس الوزراء نتنياهو، الذي هدد البيت الأبيض في مناسبات عدة أخيرة بأنه يستطيع أن يحمل الكونغرس على تجاوز الرئاسة لأنه يسيطر على الكونغرس، ليضع بذلك وطنية المشرعين في أميركا موضع الشك.

الغد الأردنية

Share this Article
Leave a comment

اترك تعليقاً