غولدبرغ: كنتَ قد قلتَ لي في مقابلة قبل ست سنوات، عندما كنتَ مرشحاً للرئاسة: “إن مهمتي في كوني صديقاً لإسرائيل تتمثل جزئياً بأن أحمل مرآة وأقول الحقيقة، أقول إنه إذا كانت إسرائيل تقوم ببناء المستوطنات دون أي اعتبار للآثار التي يخلفها ذلك على عملية السلام، فإننا سنظل عالقين في نفس الوضع الذي ما نزال عالقين فيه لعدة عقود الآن”. كان ذلك قبل ست سنوات. وكان الموقف الرسمي للولايات المتحدة على مدى عقود أن المستوطنات غير شرعية.
أوباما: صحيح.
غولدبرغ: في حال فشلت هذه العملية، هل ترى أن الأمر سيتعلق بأكثر من مجرد الموقف الخطابي للولايات المتحدة؟ سواء كان لذلك تأثير على الطريقة التي تتعامل بها مع المسائل في الأمم المتحدة، وتأثير على المساعدات التي تقدمها الولايات المتحدة لإسرائيل؟
أوباما: إليك ما سأقول: إن التزام الولايات المتحدة بأمن إسرائيل لا يخضع للخلافات السياسية الدورية. إنه التزام بصلابة الصخور، وهو واحد اعتنقته بفخر طوال فترة ولايتي. أعتقد أن المودة التي يشعر بها الأميركيون تجاه إسرائيل، والروابط التي يشعر شعبنا والدعم الذي لدى الناس هنا لإسرائيل لن يتأثر.
لذلك، فإنه ليس من الواقعي ولا هي رغبتي أو توقعي أن تتغير الالتزامات الأساسية التي لدينا تجاه إسرائيل خلال الفترة المتبقية من إدارتي أو الإدارة المقبلة. لكن ما أعتقده حقاً هو أنك إذا لم تشاهد أي اتفاق سلام، مع استمرار البناء الاستيطاني العدواني –وقد شهدنا البناء الاستيطاني وهو يصبح أكثر عدوانية خلال السنوات القليلة الماضية مما كنا قد رأيناه في وقت طويل جداً- إذا وصل الفلسطينيون إلى الاعتقاد بأن إمكانية قيام دولة فلسطينية ذات سيادة ومتصلة جغرافياً لم يعد في متناول اليد، فإن قدرتنا على إدارة التداعيات الدولية ستكون محدودة.
بلومبرغ: الرغبة، أم القدرة؟
أوباما: ليس الرغبة بالضرورة، وإنما القدرة على إدارة التداعيات الدولية ستكون محدودة. وهذا له عواقب.
انظر، أحياناً يتجاهل الناس المؤسسات متعددة الأطراف والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والمفوض السامي وهكذا. وهناك أحياناً سبب وجيه ليكونوا كذلك. هناك الكثير من الكلام الفارغ المبالغ فيه والخطابة البلاغية والمواقف التي قد لا تعني الكثير دائماً. ولكن في عالم اليوم، حيث أصبحت السلطة أكثر توزعاً بكثير، حيث التهديدات التي تواجهها أي دولة أو شعب يمكن أن تأتي من الجهات الفاعلة غير الحكومية والتهديدات غير المتماثلة، وحيث هناك حاجة إلى التعاون الدولي للتعامل مع هذه التهديدات، فإن غياب حسن النية الدولي سوف يجعلك أقل أمناً. يمكن لإدانة المجتمع الدولي أن تترجم إلى عدم تعاون عندما يتعلق الأمر بالمصالح الأمنية الرئيسية. وهو ما يعني انخفاض تأثيرنا، نحن الولايات المتحدة، في القضايا التي تهم إسرائيل. يمكن النجاة من ذلك، ولكنه وضع غير مفضل.
غولدبرغ: دعنا نذهب إلى إيران. قبل عامين، قلت لي في مقابلة: “أعتقد أن كلا من الحكومتين الإسرائيلية والإيرانية تعرفان أنه عندما تقول الولايات المتحدة أن من غير المقبول أن تمتلك إيران سلاحاً نووياً، فإننا نعني ما نقول”. أنت تعرف، وليس عليّ أن أقول لك، أن العديد من أصدقائك العرب والإسرائيليين قلقون، بعد سورية –الحادثة التي رسمت فيها خطاً أحمر ولم يكن هناك إنفاذ عسكري لذلك التهديد- أنهم قلقون بشأن استعدادك لاستخدام القوة تحت أي ظرف من الظروف. ولكن، لنضعهم جانباً للحظة. كيف تعتقد أن النظام الإيراني رأى ترددك في استخدام القوة ضد (بشار) الأسد؟ وهل لذلك أي تأثير على الطريقة التي يتعاملون بها مع المفاوضات النووية الحالية؟ إنها حجة ربط.
أوباما: دعنا نكون واضحين تماماً حول ما حدث. لقد هددتُ بتوجيه ضربات حركية إلى سورية ما لم يتخلصوا من الأسلحة الكيميائية. وعندما وجهت هذا التهديد، نفت سورية حتى امتلاكها أي أسلحة كيميائية. وفي غضون 10 أيام إلى أسبوعين، وجدنا رعاتهم، الإيرانيين والروس، وهم يجبرون أو يقنعون الأسد بأن ينظف نفسه من أسلحته الكيميائية، بتقديم جرد بها للمجتمع الدولي، والالتزام بجدول زمني للتخلص منها.
وقد تحركت العملية ببطء أكثر مما نحب، لكنها تحركت فعلاً في الواقع، ورأينا الآن 15 إلى 20 في المئة من تلك الأسلحة الكيميائية وهي في طريقها إلى الخروج من سورية، مع جدول زمني ملموس جداً للتخلص من البقية. لم يكن ذلك ليحدث لو أن الإيرانيين قالوا: “إن أوباما يخادع، إنه ليس مستعداً لتوجيه ضربة فعلاً في واقع الأمر”. لو أن الروس قالوا: “إيه، لا تقلق بشأن ذلك، كل تلك الغواصات التي تطوف حول ساحلك، هذا كله شيء للعرض فقط”. إنهم بالطبع أخذوا الأمر على محمل الجد! هذا هو السبب في أنهم انخرطوا في السياسة التي انتهجوها.
الآن، الحقيقة هي أن شكوى بعض المعلقين أو أصدقائنا في المنطقة، ليست شكواهم أنني أشرت بشكل ما إلى عدم رغبة في استخدام القوة العسكرية في المنطقة –إن شكواهم هي أنني لم أختر المضي قدماً في الضربة، حتى لو استطعنا الحصول على اتفاق بشأن الأسلحة الكيميائية، أن أضربهم على أي حال كوسيلة للتخلص من الأسد، فيما أصبح على نحو متزايد حرباً بالوكالة داخل سورية.
غولدبرغ: حتى نكون واضحين: إنك لا تعتقد أن القيادة الإيرانية لا تفكر الآن بتهديدك “كل الخيارات مطروحة على الطاولة” من حيث صلته ببرنامجهم النووي -إنك لا تعتقد أنهم توقفوا عن أخذ ذلك على محمل الجد؟
أوباما: أنا أعرف أنهم يأخذون الأمر على محمل الجد.
غولدبرغ: كيف تعرف أنهم يأخذونه على محمل الجد؟
أوباما : لدينا درجة عالية من الثقة بأنهم عندما ينظرون إلى 35.000 جندي أميركي في المنطقة، منخرطين في تمارين عسكرية مستمرة تحت إمرة رئيس سبق وأن أظهر استعداده للقيام بعمل عسكري في السابق، فإنهم يجب أن يأخذوا تصريحاتي على محمل الجد. وينبغي أن يأخذها الشعب الأميركي كذلك أيضاً، والإسرائيليون، والسعوديون كذلك.
الآن، هذا لا يعني أن هذا هو طريقي المفضل للعمل. لذلك، دعنا نكون واضحين تماماً هنا. هناك دائماً عواقب للعمل العسكري لا يمكن التنبؤ بها ويمكن أن تخرج عن نطاق السيطرة، وحتى لو تم تنفيذ العمل بشكل رائع، فإنه ينطوي على تكاليف كبيرة. وهكذا، إذا كنا نستطيع حل هذه القضية دبلوماسياً، فإننا يجب أن نفعل ذلك بكل تأكيد.
الحقيقة أننا استطعنا بطريقة مثابرة، على مدى عدة سنوات، فرض نظام عقوبات لم يسبق له مثيل، والذي شل الاقتصاد الإيراني كثيراً حتى أنهم أصبحوا مستعدين للقدوم إلى الطاولة، وفي الواقع، ساعدت (العقوبات) في تشكيل الانتخابات الإيرانية، بحيث أصبحوا الآن منخرطين في خطة عمل مشتركة للمرة الأولى منذ عشر سنوات، والتي توقف برنامجهم النووي –لن يتم تركيب أي أجهزة للطرد المركزي، واليورانيوم المخصب بنسبة
20 ٪ سيعاد إلى الصفر؛ (مفاعل) آراك متوقف؛ المفتشون الدوليون يطوفون في المكان بطرق لم يكن يمكن تصورها حتى قبل عام- ما يشير إليه كل هذا هو أن هناك فرصة، هناك فرصة لأن نحل هذا الأمر بدون اللجوء إلى القوة العسكرية.
وإذا كنا نمتلك أي فرصة للتأكد من أن إيران لن تمتلك أسلحة نووية، إذا كانت لدينا أي فرصة لجعل قدرتهم على إحداث اختراق غير موجودة، أو بالحد الأدنى بحيث نتمكن من التعامل معها، فإنه ينبغي علينا عندئذ متابعة هذا المسار. تلك كانت أطروحتي مع رئيس الوزراء نتنياهو؛ تلك كانت حجتي مع أعضاء الكونغرس الذين كانوا مهتمين بفرض عقوبات جديدة. إن وجهة نظري بسيطة، لن نخسر شيئاً إذا جربنا هذا.
غولدبرغ: قلتَ شيئا لديفيد ريمنيك قبل بضعة أسابيع أدهشني حقاً: “إذا تمكنا من جعل إيران تعمل بطريقة مسؤولة –أن لا تمول المنظمات الإرهابية، وأن لا تحاول إثارة مكامن السخط الطائفي في بلدان أخرى، ولا تطور سلاحاً نووياً- فإنه يمكنك أن ترى توازناً يتشكل بين السنة، أو بين دول الخليج السنية في أغلبها، وبين إيران، والذي ستوجد فيه منافسة، وربما شكوك، وإنما ليس حرباً فعلية أو بالوكالة”.
أعتقد أنني أفهم ما تعنيه، ولكن في منطقة الخليج -وهذا ينطبق على السؤال حول السبب في أن حلفاءنا قلقون- في الخليج لديك ملك المملكة العربية السعودية الذي كان يطلب منك لسنوات أن “تقطع رأس الأفعى”، في إشارة الى إيران. إنهم يسمعون هذا -إنهم يقرأون هذا ويسمعونك وأنت تقول: “عيشوا مع الأفعى”. هل تفهم السبب في شعورهم بعدم الارتياح إزاء النهج الذي تتبناه، أو نهجك الفلسفي الأوسع إطاراً، أم أنهم يغالون في تأويل هذا الانفتاح على إيران؟
أوباما: إليك ما أفهمه. لسنوات حتى الآن، كانت إيران فاعلاً دولياً غير مسؤول. لقد رعت الإرهاب. وهددت جيرانها. وموّلت أعمالاً قتلت الناس في الدول المجاورة. كما استغلت إيران أو نشرت الانقسامات الطائفية في بلدان أخرى. وفي ضوء هذا السجل، فإن من المفهوم تماماً أن لا تكون البلدان الأخرى معادية تجاه إيران فقط، وإنما أن تكون متشككة في احتمال تغيُّر إيران أيضاً. إنني أدرك هذا. لكن المجتمعات تتغير فعلاً -أعتقد أن هناك فرقاً بين العداء النشط ورعاية الإرهاب والمفسدين، وبين بلد تكون في حالة تنافس معه، وأنت لا تحبه، لكنه لا ينسف المنازل في بلدك أو يحاول الإطاحة بحكومتك.
غولدبرغ: وأنت تشعر أن هناك فرصة حقيقية لتحقيق انفراجة حقيقية؟
أوباما: إليك وجهة نظري. ضع الدوافع الإيرانية جانباً. دعنا نفترض أن إيران لن تتغير. أنها ثيوقراطية. أنها معادية للسامية. أنها ضد السنة. وأن القادة الجدد هم للعرض فقط. دعنا نفترض كل ذلك. إذا كنا نستطيع التأكد من أن لا يمتلكوا أسلحة نووية، فإننا نكون قد منعناهم على الأقل من ممارسة البلطجة على جيرانهم، أو لا سمح الله، من استخدام تلك الأسلحة، وستكون التصرفات السيئة الأخرى التي يمارسونها قابلة للتعامل معها.
من ناحية أخرى، إذا كانوا قادرين على التغيُّر؛ وإذا ما حدث، في الواقع، كنتيجة لاتفاق حول برنامجهم النووي، تعزيز تلك الأصوات والاتجاهات داخل إيران، وأن يصبح اقتصادهم أكثر اندماجاً في المجتمع الدولي، ويكون هناك المزيد والمزيد من الانفتاح والسفر، حتى لو كان ذلك سيستغرق عقداً من الزمان أو 15 عاماً أو 20 عاماً، فإن ذلك ينبغي أن يكون حاصلاً كبيراً والذي يجب أن نرغب في تحقيقه.
وهكذا، مرة أخرى، هناك نقاش مواز لمناقشة الشرق الأوسط التي كنا نخوضها في السابق. إن السبب الوحيد الذي يجعلك لا تريدنا أن نختبر ما إذا يمكننا أو لا يمكننا حل مسألة البرنامج النووي هذه دبلوماسياً، سيكون اعتقادك بأنه يمكن إزالة التهديد تماماً بمناورة عسكرية سريعة. وبما أنني القائد العام لأقوى جيش على الأرض، فإنني أعتقد بأن لدي حكما جيد جداً حول ما إذا كان -أو لم يكن- من الأفضل حل هذه المشكلة عسكرياً. وما أقوله هو أن من الأفضل كثيراً أن نقوم بحلها دبلوماسياً.
غولدبرغ: إذن، لماذا يبدو السنة عصبيين جداً تجاهك؟
أوباما: حسناً، أنا لا أعتقد أن هذا الأمر شخصي. أعتقد أن هناك تحولات تجري في المنطقة، والتي أخذت الكثيرين منهم على حين غرة. أعتقد أن التغيير أمر مخيف دائماً. أعتقد أنه كان ساد شعور بالراحة مع وجود ولايات متحدة مرتاحة مع النظام القائم والتحالفات القائمة، والتي كانت عدواً لدوداً لإيران، حتى لو أن معظم ذلك كان خطابياً ولم يترجم في الواقع إلى وقف البرنامج النووي. لكن الخطابة كانت جيدة.
ما كنت أقوله لشركائنا في المنطقة، هو: “علينا أن نستجيب ونتكيف مع التغيير”. وخلاصة القول: ما هي أفضل وسيلة تجعلنا نتأكد فعلاً من أن لا تملك إيران سلاحاً نووياً؟
غولدبرغ: ما هو الأكثر خطورة: التطرف السني أم التطرف الشيعي؟
أوباما: لست مهتماً كثيراً بتصنيف التطرف بشكل عام. ولا أعتقد أنك ستجعلني اختار بين هاتين المسألتين. ما سوف أقوله هو أنك إذا نظرت إلى سلوك الإيرانيين، فإنهم استراتيجيون، إنهم ليسوا متهورين. إن لديهم نظرة عالمية، وهم يرون مصالحهم، ويستجيبون للتكاليف والمنافع. هذا لا يعني القول بأنهم ليسوا دولة ثيوقراطية تعتنق كل أنواع الأفكار التي أجدها بغيضة، لكنهم ليسوا كوريا الشمالية. إنهم بلد كبير وقوي، يرى نفسه لاعباً مهماً على الساحة العالمية، ولا أعتقد بأنه ينطوي على رغبة انتحارية، ويمكنه أن يستجيب للحوافز. هذا هو السبب في أنهم أتوا إلى طاولة المفاوضات لبحث العقوبات.
من أجل إنهاء هذا الموضوع، كان الشيء الأهم الذي قلته لبيبي ولأعضاء الكونغرس بشأن هذه المسألة برمتها هو أنه في العمق من كل مصلحتنا أن نترك هذه العملية تُجلّي نفسها. دعونا نختبر ما إذا كانت إيران يمكن، أو لا يمكن، أن تتحرك بما يكفي لتعطينا ضمانات بأن برنامجهم سلمي، وبأنه ليست لديهم القدرة على إحداث اختراق نووي.
إذا ما استطاعوا، في الواقع، الوصول إلى هناك، سيكون أسوأ ما حدث هو أننا نكون قد جمدنا برنامجهم لفترة ستة أشهر. سيكون لدينا استبصار أكبر بكثير في برنامجهم. سوف يكون كامل معمار عقوباتنا ما يزال مفروضاً، ونافذاً. قد يكون اقتصادهم قد أحرز تحسناً متواضعاً خلال هذه الفترة من ستة أشهر أو سنة واحدة. لكنني أعدك بأن كل ما سيكون علينا القيام به هو مجرد إعادة القرص إلى الوراء، وفجأة-
بلومبرغ: هل تعتقد أنه سيكون من السهل العودة بالأمر إلى البداية؟
أوباما: حسناً، جزئياً لأن 95 في المئة من ذلك الواقع لم يتم إيقافه. وسوف نكون في موقف أقوى لنقول لشركائنا، بما في ذلك الروس والصينيين وغيرهم، الذين ما يزالون عالقين معنا حتى الآن في موضوع العقوبات، أن إيران هي التي أدارت ظهرها؛ لم تكن الولايات المتحدة هي التي فعلت؛ لم يكن الكونغرس، ولم تكن عقوباتنا الجديدة هي التي أفسدت الصفقة. وسوف تكون لنا عندئذ الأرض الدبلوماسية المرتفعة بحيث نستطيع تضييق الخناق أكثر فأكثر. أما إذا تم اعتبارنا، من ناحية أخرى، غير جادين في المفاوضات، فإن ذلك سيشكل، فيما ينطوي على مفارقة، أسرع طريق لانهيار العقوبات، في حال كانت إيران غير صادقة في حقيقة الأمر.
غولدبرغ: سؤال واحد آخر عن إيران: إذا كانت العقوبات قد جلبتهم إلى طاولة المفاوضات، لماذا لن تعمل مزيد من العقوبات على إبقائهم على الطاولة؟
أوباما: كان منطق العقوبات هو الذي حملهم على التفاوض. ومنطق خطة العمل المشترك هو تجميد الوضع لفترة معينة من الوقت للسماح للمفاوضين بالعمل. الفكرة القائلة بأنه في خضم المفاوضات، سوف نقوم بتحسين موقفنا بالقول: “سوف نقوم بالضغط عليكم بقدر أكبر”، إنما تتجاهل حقيقة أن (الرئيس حسن) روحاني والمفاوضين في إيران لديهم سياساتهم الخاصة. عليهم أن يردوا على المتشددين عندهم. وهناك مجموعة كاملة من الناس داخل إيران ممن يظلون متشككين تماماً في دوافعنا ومدى رغبتنا في رفع العقوبات في نهاية المطاف بقدر ما نحن متشككون في عدم رغبتهم في التخلص من برنامجهم النووي.
لم يكن هناك أبداً أي تفاوض لم تكن فيه وقفة ما في مرحلة ما، بعض الآلية للإشارة إلى حسن النية المحتمل. حتى في أفلام الغرب أو العصابات القديمة، حسناً، الجميع يخفضون بنادقهم للحظة. إنك تجلس، تخوض محادثة؛ وإذا لم تسر المحادثة على ما يرام، فيمكنك مغادرة القاعة، والجميع يعرف ما الذي سيحدث والجميع يستعد. لكنك لا تبدأ إطلاق النار في وسط الغرفة أثناء المفاوضات.
هكذا، سيكون فرض عقوبات جديدة في الوقت الراهن منطقياً إذا كان لدينا، في الحقيقة، جدول زمني لتفكيك العقوبات الحالية. لقد أبقينا على 95 في المئة منها قائمة. وسوف تخسر إيران، في الحاصل الصافي، مزيداً من المال مع استمرار فرض العقوبات النفطية خلال خطة العمل المشتركة، أكثر مما ستحصل عليه من المبلغ المتواضع من المال الذين منحناهم إمكانية الوصول إليه.
وبالمناسبة، وحتى لو كانوا يتحدثون إلى قطاعات الأعمال والشركات الأوروبية، ولو كانت شركات النفط تتصل بإيران وتذهب إلى إيران، فإن أحداً لم يكن يبرم أي صفقات لأنهم يعلمون أن عقوباتنا ما تزال قائمة. ربما يريدون حجز مكان متقدم لهم في الصف، إذا ما حدث في الحقيقة وأن تم إبرام اتفاق وتمت إزالة العقوبات. وهذا عمل حكيم ومتبصر فحسب.
لكننا أرسلنا إليهم رسالة واضحة جداً، وبالمناسبة، إلى جميع شركائنا ومجموعة (5+1) (الأعضاء الخمسة الدائمون في مجلس الأمن بالإضافة إلى ألمانيا)، تفيد بأنه من الأفضل لهم إخبار شركاتهم بأن العقوبات ما تزال سارية المفعول، بما فيها العقوبات الأميركية من جانب واحد. وسوف نقوم بإنفاذها، وكنا نقوم بإنفاذها خلال مسار هذه المناقشات وحتى الآن.
غولدبرغ: كنت في الليلة الماضية أقرأ خطاب قبولك جائزة نوبل للسلام، وأريد أن أقتبس شيئاً واحداً قلتَه فيه: “أعتقد أنه يمكن تبرير استخدام القوة على أسس إنسانية، كما كان في البلقان، أو في غيرها من الأماكن التي أحدثت الحرب فيها ندوباً. التراخي عن العمل يثقل ضمائرنا ويمكن أن يؤدي إلى تدخل أكثر كلفة في وقت لاحق”.
لقد اندهشتُ حقاً من تلك الجملة الأخيرة. وأنا أتساءل عن ما هي تلك النقطة في سورية، التي تصبح عندها الأمور أكبر من إمكانية تحملها؟ إنني لا أتحدث عن أطروحة ذات شقين، وضع جنود على الأرض، أو أي شيء، ولكن ما الذي يجب أن يفعله الأسد حتى يستدرج رداً عسكرياً بقيادة الولايات المتحدة؟ الطريقة الأخرى لطرح هذا السؤال هي: إذا تمكنت من إعادة عقارب الساعة ثلاث سنوات، هل كنت لتفعل المزيد لبناء جماعات معارضة أكثر اعتدالاً؟
أوباما: أعتقد أن أولئك الذين يعتقدون أنه كان هناك قبل عامين، أو قبل ثلاث سنوات، نوع من الحل لسريع لهذا الأمر لو أننا تصرفنا بقوة أكبر، إنما يسيئون بشكل أساسي فهم طبيعة الصراع الدائر في سورية والأوضاع القائمة على الأرض هناك.
عندما يكون لديك جيش محترف، يكون مسلحاً جيداً وترعاه دولتان كبيرتان لديهما مصالح كبيرة في هذا، وهم يقاتلون ضد مزارع، ونجار، ومهندس، والذين بدأوا كمتظاهرين ثم أصبحوا فجأة يرون أنفسهم الآن في خضم صراع أهلي؛ فإن الفكرة القائلة بأنه كان يمكننا، بطريقة نظيفة لا تورط القوات العسكرية الأميركية، أن نغير المعادلة على الأرض، ليست صحيحة على الإطلاق.
لقد أيدنا تقديم المساعدات العسكرية إلى المعارضة المعتدلة في سورية، وقد فعلنا ذلك بوتيرة تناسب حدود ما يمكنهم استيعابه. لكن حقيقة الأمر هي أنك إذا كنت تنظر إلى تغيير الحقائق العسكرية على الأرض، فإن نوع الانخراط المطلوب للقوات العسكرية الأميركية كان كبيراً بما يكفي لأن تظهر أسئلة قاسية حول سلطتنا الدولية للقيام بذلك. ليس لديك تفويض من الأمم المتحدة؛ ولا تخويل لديك من الكونغرس؛ وقد رأينا كيف يتجلى ذلك، حتى في القضية الضيقة المتعلقة بالأسلحة الكيميائية.
كان هناك احتمال أن نجعل الوضع أسوأ وليس أفضل على الأرض، تحديداً بسبب تورط الولايات المتحدة، والذي كان من شأنه أن يعني أن تكون لدينا الحرب الثالثة، أو الرابعة إذا احتسبت ليبيا، في بلد مسلم في غضون عقد من الزمن. ومع كل ذلك –فإن الوضع في سورية ليس مفجعاً فقط، وإنما خطير أيضاً.
على مدى العامين الماضيين، دفعتُ فرقنا لمعرفة ما هي أفضل الخيارات في وضع سيئ. وسوف نستمر في بذل كل ما في وسعنا لتحقيق حل سياسي، وللضغط على الروس والإيرانيين، بحيث نبين لهم أنه ليس من مصلحتهم أن ينخرطوا في حرب دائمة.
إنني أتسلى دائماً بتأمل الفكرة القائلة بأن إيران كسبت في سورية بطريقة أو بأخرى. أعني، إنك تسمع الناس يقولون أحياناً، “إنهم يكسبون في سورية”. وأنت تقول “كان هذا البلد صديقهم الوحيد في العالم العربي، وهو عضو في جامعة الدول العربية، وقد أصبح الآن أنقاضاً”. ذلك يستنزفهم لأنهم في حاجة إلى إرسال المليارات من الدولارات. ووكيلهم الرئيسي، حزب الله، الذي كان يتمتع بوضع مريح وقوي جداً في لبنان، يجد نفسه الآن تحت هجوم المتطرفين السنة. هذا ليس جيداً بالنسبة لإيران. إنهم يخسرون مثل أي طرف آخر. والروس يجدون صديقهم الوحيد في المنطقة ركاماً وفاقداً لشرعيته أيضاً.
وهكذا، ما تزال هناك فرصة لأن نحل هذه القضية سياسياً. يجب على المجتمع الدولي ككل والولايات المتحدة كقوة عظمى وحيدة في العالم أن يجدّوا في محاولة العثور على استجابة أفضل للوضع الإنساني الملح.
ونحن نبذل كل ما بوسعنا لنرى كيف يمكننا أن نفعل ذلك، وكيف يمكننا أن نوفر له الموارد. ولكنني نظرت في مجموعة كبيرة من خطط اللعب، في مجموعة كبيرة من خطط الحرب، وفي كومة كاملة من السيناريوهات، ولم يتمكن أحد من إقناعي بأن قيامنا بعمل عسكري واسع النطاق، حتى مع عدم وضع الجنود على الأرض، يمكن أن يحل المشكلة فعلياً.
إن أولئك الذين يطرحون هذا الادعاء إنما يفعلون ذلك من دون الكثير من المعلومات الدقيقة المحددة جداً. إنني متعاطف مع دوافعهم، لأن لدي نفس الدوافع. هناك رغبة كبيرة، ليس بالوقوف فقط، وإنما بأن نفعل شيئاً. إننا نفعل الكثير؛ وعلينا أن نفعل أكثر. لكن علينا أن نتأكد من أن ما نقوم به لا يجعل الوضع أسوأ، أو أن يحشرنا في مشروع ضخم آخر في وقت لدينا فيه مطالب كبيرة هنا في الداخل والكثير من الالتزامات الدولية في الخارج.
*جيفري غولدبرغ: هو كاتب عمود لبلومبرغ فيو في شؤون الشرق الأوسط، السياسة الخارجية الأميركية والشؤون القومية. وهو مؤلف كتاب: “سجناء: قصة عن الصداقة والرعب” الحائز على جائزة مجلة ناشيونال للتقارير الإخبارية.
الغد الأردنية