عندما يزور رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو البيت الأبيض غداً، (زاره يوم 3/3/2014)، سوف يقول له الرئيس باراك أوباما إن بلاده قد تواجه مستقبلاً قاتماً –مستقبلاً سماته العزلة الدولية والكارثة الديموغرافية- إذا ما رفض التصديق على اتفاق الإطار الذي صاغته الولايات المتحدة للسلام مع الفلسطينيين. سوف يحذر أوباما نتنياهو من أن الوقت ينفد بالنسبة لإسرائيل كدولة ديمقراطية ذات أغلبية يهودية. وسيؤكد الرئيس نقطة أن نتنياهو، وحده بين الإسرائيليين، هو الذي يمتلك القوة والمصداقية السياسية ليقود شعبه بعيداً عن حافة الهاوية.
في مقابلة استمرت على مدار ساعة أجريتها معه يوم الخميس في المكتب البيضاوي، قال أوباما، مقتبساً الحكيم اليهودي الحاخام هيليل، إن رسالته إلى نتنياهو ستكون: “إذا لم يكن الآن، أيها السيد رئيس الوزراء، فمتى؟” ثم اتخذ صوته نبرة أكثر حدة، وقال إنه إذا كان نتنياهو “لا يعتقد أن اتفاق سلام مع الفلسطينيين هو الشيء الصحيح الذي ينبغي لإسرائيل عمله، فسيكون عليه أن يعرض نهجا بديلاً”. وأضاف: “من الصعب الخروج ببديل آخر يكون معقولاً”.
على عكس نتنياهو، لن يخاطب أوباما المؤتمر السنوي للجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية، وهي جماعة ضغط مؤيدة لإسرائيل، هذا الأسبوع –حيث تشعر الإدارة بالضيق من (أيباك) لما تعتبره، في رأيها، محاولة من المنظمة لتخريب المفاوضات النووية التي تقودها الولايات المتحدة مع إيران. وفي حوارنا، وبينما ظل داعماً لإسرائيل بشكل عام ولوجود علاقات أميركية وثيقة معها، أطلق عدة عبارات من شأنها أن تُقابل في أي اجتماع لآيباك بصمت بارد.
كان أوباما أكثر صراحة حول مستقبل إسرائيل مما كنت قد سمعت منه أبداً. كانت لغته لافتة ومدهشة، لكنها تأتي من نفس القطعة التي أتت منها الملاحظات التي أدلى بها من قبل في الأشهر الأخيرة وزير خارجيته، جون كيري، الذي كان حتى هذه المقابلة هو الذي تولى زمام المبادرة في الضغط على كل من نتنياهو والرئيس الفلسطيني، محمود عباس، من أجل الاتفاق على إطار عمل. أوضح أوباما أنه يرى في عباس أكثر زعيم معتدل، على المستوى السياسي، يمكن أن يحظى به الفلسطينيون على الإطلاق. وبدا واضحا لي أن الرئيس يعتقد بأن الخطوة التالية يجب أن تأتي من نتنياهو.
قال أوباما: “تأتي نقطة حيث لا يعود بوسعك إدارة الأمر بعد الآن، وعندئذ، تبدأ بالاضطرار إلى اتخاذ خيارات صعبة للغاية”. وأضاف: “هل توطن نفسك على ما يرقى إلى احتلال دائم للضفة الغربية؟ هل هذه هي شخصية إسرائيل كدولة ديمقراطية لفترة طويلة من الزمن؟ هل تقوم، على مدى عقد من الزمن أو عقدين، بإدامة المزيد والمزيد من السياسات المقيدة لحركة الفلسطينيين؟ هل تضع قيوداً على العرب الإسرائيليين بطرق تتعارض تماماً مع تقاليد إسرائيل؟”
خلال المقابلة التي جرت قبل يوم واحد من التوغل العسكري الروسي في أوكرانيا، قال أوباما إن خصوم أميركا، مثل إيران وسورية وروسيا نفسها، ما يزالون يعتقدون أنه قادر على استخدام القوة للدفع بالمصالح الأميركية، على الرغم من عدم رغبته في ضرب سورية العام الماضي بعد أن عبر الرئيس بشار الأسد خطه الأحمر المتعلق بالأسلحة الكيميائية.
قال لي أوباما: “لقد رأينا الآن من 15 إلى 20 في المئة من تلك الأسلحة الكيميائية وهي في طريقها إلى الخروج من سورية، مع وجود جدول زمني حقيقي جداً للتخلص من البقية. ما كان ذلك ليحدث لو قال الإيرانيون: “إن أوباما يخادع، إنه غير راغب حقاً وفعلاً في توجيه ضربة”. ولو كان الروس قد قالوا: “إيه.. لا تقلقوا بشأن ذلك، كل تلك الغواصات التي تطوف حول سواحلكم، كل هذا هو شيء لمجرد العرض فقط”. من المؤكد أنهم أخذوا الأمر على محمل الجد! هذا هو السبب الذي جعلهم ينخرطون في السياسات التي تبنوها”.
عدتُ إلى هذا الموضوع الحساس بشكل خاص. سألت: “فقط ليكون الأمر واضحاً، إنك لا تعتقد أن القيادة الإيرانية تفكر الآن بأن تهديدكم “كل الخيارات مطروحة على الطاولة” المتصل ببرنامجهم النووي –إنك لا تعتقد أنهم توقفوا عن أخذه على محمل الجد؟”.
أجاب أوباما: “أعرف أنهم يأخذون الأمر على محمل الجد”.
سألت: كيف يمكنك أن تعرف؟ وأجاب الرئيس: “لدينا درجة عالية من الثقة بأنهم عندما ينظرون إلى 35.000 جندي أميركي في المنطقة، المنخرطين في عمليات تدريب مستمرة تحت إمرة رئيس أظهر مسبقاً أنه مستعد للقيام بعمل عسكري، فإنهم ينبغي أن يأخذوا تصريحاتي على محمل الجد. وينبغي ذلك على الشعب الأميركي أيضاً، وعلى الإسرائيليين كذلك، وعلى السعوديين أيضاً”.
سألت الرئيس عما إذا كان ينبغي، بعد تأمل المسألة في هذا الوقت اللاحق، أن يكون قد قدم قدراً أكبر من المساعدات للثوار في سورية في وقت أبكر من نضالهم. فقال: “أظن أن أولئك الذين يعتقدون بأنه كان هناك قبل سنتين، أو قبل ثلاث سنوات، نوع ما من الحل السريع لو أننا تصرفنا بقوة أكبر، إنما يسيئون بشكل جذري فهم طبيعة الصراع في سورية والأوضاع على الأرض هناك. عندما يكون لديك جيش محترف ومسلح تسليحاً جيداً ويحظى برعاية دولتين كبيرتين لديهما مصالح كبيرة في ذلك، وهم يقاتلون ضد مزارع، ونجار، ومهندس، والذين بدأوا كمتظاهرين ووجدوا أنفسهم الآن فجأة في وسط صراع مدني –فإن الفكرة القائلة بأنه كان بوسعنا، بطريقة نظيفة لا تُلزم القوات العسكرية الأميركية، أن نغير المعادلة على الأرض، ليست صحيحة أبداً”.
صوّر الرئيس تردده في إشراك الولايات المتحدة في الحرب الأهلية السورية على أنه جاء نتيجة مباشرة لما يراه انخراط أميركا العسكري المفرط في العالم المسلم: “كان هناك احتمال بأننا كنا سنجعل الوضع أسوأ وليس أفضل على الأرض، وتحديداً بسبب تورط الولايات المتحدة، والذي كان من شأنه أن يعني أنها ستكون لدينا حرب ثالثة، أو إذا احتسبت ليبيا، رابعة في بلد مسلم في غضون عقد من الزمان”.
ظل أوباما مصراً على أنه كان محقاً في مجابهة جهد الكونغرس لفرض المزيد من العقوبات المتأخرة على إيران، تماماً بينما كانت المفاوضات النووية تبدأ: “لم يكن هناك أبداً تفاوض لم تكن فيه وقفة صغيرة في مرحلة ما، بعض الآلية للإشارة إلى بعض من حسن النية الممكن. حتى في أفلام الغرب أو أفلام العصابات القديمة، حسناً، كان الجميع يخفضون مسدساتهم للحظة. إنك تجلس، وتجري محادثة؛ وإذا لم يسر الحديث على ما يرام، يمكنك مغادرة القاعة والجميع يعلم ما الذي سيحدث والجميع يستعد. لكنك لا تبدأ بإطلاق النار وسط الغرفة خلال المفاوضات”. قال إنه يبقى ملتزماً بمنع إيران من الحصول على أسلحة نووية، وبدا غير قلق من التقارير التي تفيد بأن الاقتصاد الإيراني آخذ في التحسن.
حول موضوع السلام في الشرق الأوسط، قال أوباما لي إن الصداقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل لا تموت، لكنه أفصح أيضاً عما فهمته على أنه تهديد مستتر: الولايات المتحدة، على الرغم من استعدادها للدفاع عن إسرائيل معزولة في الأمم المتحدة وفي هيئات دولية أخرى، قد لا تتمكن من القيام بذلك بشكل فعال في وقت قريب.
قال أوباما: “إذا رأيت عدم التوصل إلى اتفاق سلام، واستمرار البناء الاستيطاني العدواني –وقد رأينا من البناء الاستيطاني العدواني خلال السنوات القليلة الماضية أكثر مما كنا قد رأيناه في وقت طويل جداً؛ إذا وصل الفلسطينيون إلى الاعتقاد بأن إمكانية قيام دولة فلسطينية ذات سيادة متصلة جغرافيا لم يعد في متناول اليد، فإن قدرتنا على إدارة التداعيات الدولية ستكون محدودة”.
قضينا أيضاً قدراً جيداً من الوقت في الحديث عن عدم الارتياح الذي يشعر به حلفاء الولايات المتحدة من العرب السنة حول مقاربته لإيران، عدوهم التقليدي. سألت الرئيس: “ما هو الأكثر خطورة: التطرف السني أم التطرف الشيعي”.
وجدت جوابه كاشفاً. لم يخاطب مسألة التطرف السني. بدلاً من ذلك، جادل في الجوهر بأن النظام الإيراني الشيعي يتمتع بقابلية للمنطق، يستجيب للمصلحة والحوافز الذاتية.
قال أوباما: “أنا لست مهتماً كثيراً بالتطرف بشكل عام. ولا أعتقد أنك ستجعلني اختار بين هاتين المسألتين. ما سوف أقوله هو أنك إذا نظرت إلى سلوك الإيرانيين، فإنهم استراتيجيون، إنهم ليسوا متسرعين. إن لديهم وجهة نظر عالمية، وهم يرون مصالحهم، ويستجيبون للتكاليف والمنافع. هذا لا يعني القول بأنهم ليسوا دولة ثيوقراطية تعتنق كل أنواع الأفكار التي أجدها بغيضة، لكنهم ليسوا كوريا الشمالية. إنهم بلد كبير وقوي، والذي يرى نفسه لاعباً مهماً على الساحة العالمية، ولا أعتقد بأنهم ينطوون على رغبة انتحارية، ويمكنهم أن يستجيبوا للحوافز”.
هذا الرأي يضعه على خلاف مع فهم نتنياهو لإيران. ففي مقابلة كنت قد أجريتها معه بعد فوزه برئاسة الوزراء، وصف لي رئيس الوزراء الإسرائيلي القيادة الإيرانية بأنها “عقيدة تبشيرية مروعة”.
سألت أوباما عما إذا كان يفهم السبب في أن سياساته تجعل قادة المملكة العربية السعودية ودولا عربية أخرى عصبيين، فقال: “أعتقد أن هناك تحولات تجري في المنطقة، والتي أخذت الكثيرين منهم على حين غرة. أعتقد أن التغيير دائماً مخيف”.
فيما يلي النسخة الكاملة لحوارنا. وقد كثفت فيها أسئلتي الخاصة. لكن إجابات الرئيس ترد هنا بالكامل.
جيفري غولدبرغ: لقد بقيتَ صامتاً غالباً حول موضوع عملية السلام في الشرق الأوسط لعدة أشهر، إن لم يكن أكثر. وقد تم ملء هذا الصمت بالتكهنات: أنك لا تهتم، أنك متشائم، أنك شعرت بالحرقة في المرة الأخيرة. ما الذي يفسر هذا الصمت، وإلى أين تعتقد أن الأمر يتجه؟
الرئيس الأميركي باراك أوباما: إن صمتي هو نتيجة مباشرة لانخراط وزير خارجيتي، جون كيري، في بعض من الدبلوماسية القوية والنشطة أكثر من أي دبلوماسية شهدناها حول هذه القضية منذ سنوات عديدة. وجون لا يفعل ذلك عن طريق الصدفة. إنه يفعل ذلك لأننا نعتقد، كإدارة، أنه في صلب مصلحة الإسرائيليين والفلسطينيين، وإنما في مصلحة الولايات المتحدة والعالم أيضاً، أن يتم التوصل إلى إطار عمل لمفاوضات يمكن أن تسفر فعلاً عن حل دولتين، والذي يوفر لإسرائيل الأمن الذي تحتاجه -السلام مع جيرانها- في وقت أصبح فيه الجوار أكثر تقلباً، والذي يعطي للفلسطينيين كرامة الدولة.
أعتقد أن جون قام بعمل غير عادي، لكن هذه مفاوضات صعبة حقاً. إنني أقدر عالياً أن رئيس الوزراء نتنياهو والرئيس عباس قد أخذاها بجدية كبيرة. كانت هناك محادثات مكثفة ومفصلة وصعبة للغاية على كلا الجانبين.
*غولدبرغ: وأنت تبقى مطلعاً أولاً بأول على كل هذا؟
– أوباما: قطعاً وبلا ريب. يقدم لي جون تقارير أسبوعية تقريباً عن التقدم، وأحياناً يطلب التوجيهات. لن يخدم غايات أي طرف أن أظل أتحدث في الصحافة حول هذا الموضوع. في الواقع، كان جزء مما اتفق عليه كل من الإسرائيليين والفلسطينيين ونحن في بداية هذه المفاوضات، أن لا نقوم بتشخيصها علناً حتى نتمكن من الإعلان عن نجاح، أو حتى تنهار المفاوضات فعلاً.
إننا قادمون إلى نقطة، مع ذلك، في مدى الشهرين المقبلين، حيث سيترتب على الأطراف اتخاذ بعض القرارات حول الكيفية التي يمضون بها قدماً. وأملي وتوقعي، على الرغم من التحديات السياسية التي لا تصدق، هو أن يكون كل من رئيس الوزراء نتنياهو وعباس قادرين على تجاوز خلافاتهما والتوصل إلى الإطار الذي يمكن أن يمضي بنا إلى السلام.
غولدبرغ: اسمح لي أن أقرأ لك شيئاً قاله جون كيري للجنة اليهودية الأميركية منذ فترة ليست طويلة: “إن وقتنا ينفد. إننا نفقد الإمكانيات. ودعونا نكون واضحين: إننا إذا لم ننجح الآن -وأنا أعلم أنني أرفع الرهان- لكننا إذا لم ننجح الآن، فإننا قد لا نحصل على فرصة أخرى”. كما اقترح بشدة أيضاً أنها ربما تكون هناك انتفاضة ثالثة على الطريق، وأنه إذا لم تنجح عملية السلام هذه، فإن إسرائيل نفسها يمكن أن تواجه العزلة الدولية والمقاطعة. هل تتفق مع هذا التقييم؟ هل هذه هي الفرصة الأخيرة؟
أوباما: حسناً، انظر، إنني متفائل بالفطرة. وهذا، بوضوح، صراع استمر لعقود. ولدى الإنسانية وسيلة دائماً لشق الطريق، حتى في الظروف الصعبة. وهكذا، فإنك لا تعرف أبداً كيف تسيِّر الأمور نفسها.
لكنني أعتقد أن جون كيري، وهو شخص ظل مناصراً شرساً ومدافعاً عن إسرائيل لعدة عقود الآن، كان يعبر ببساطة عما يدركه المراقبون داخل إسرائيل وخارج إسرائيل، وهو أنه مع كل سنة أخرى، تنغلق النافذة أمام إبرام اتفاق سلام يمكن أن يقبله الإسرائيليون ويمكن أن يقبله الفلسطينيون –جزئياً بسبب التغيرات في التركيبة السكانية؛ جزئياً بسبب ما كان يحدث في موضوع المستوطنات؛ وجزئياً لأن عباس يكبر في السن، وأعتقد أن لا أحد سيجادل في أنه مهما قد تكون لديك من خلافات معه، فقد أثبت أنه شخص ظل ملتزماً باللاعنف وبالجهود الدبلوماسية لحل هذه القضية. إننا لا نعرف ما قد يبدو عليه الشخص الذي سيخلف عباس.
غولدبرغ: هل تعتقد أنه الشخص الأكثر اعتدالاً الذي يمكن أن تجده؟
أوباما: أعتقد أن الرئيس عباس مخلص في استعداده للاعتراف بإسرائيل وحقها في الوجود، والاعتراف بالاحتياجات الأمنية المشروعة لإسرائيل، ونبذ العنف، من أجل حل هذه القضايا بطريقة دبلوماسية تعالج مخاوف شعب إسرائيل. وأعتقد أن هذه نوعية نادرة، ليس فقط داخل الأراضي الفلسطينية، وإنما في الشرق الأوسط عموماً. بالنسبة لنا، سيكون عدم اغتنام هذه الفرصة خطأ. وأعتقد أن جون يشير إلى هذه الحقيقة.
إننا لا نعرف بالضبط ما يمكن أن يحدث. ما نعرفه هو أن الأمر يصبح أكثر صعوبة يوماً بعد يوم. وما نعرفه أيضا هو أن إسرائيل أصبحت أكثر عزلة على الصعيد الدولي. كان علينا أن نقف في مجلس الأمن قبل 20 عاماً بطرق تتضمن قدراً أكبر بكثير من الدعم الأوروبي، وقدر أكبر بكثير من دعم أجزاء أخرى من العالم عندما يتعلق الأمر بموقف إسرائيل. وهذا انعكاس لشعور حقيقي من جانب الكثير من الدول هناك بأن هذه المسألة تستمر في التفاقم، ولا تذهب إلى الحل، وبأنه لا أحد مستعد ليقوم بقفزة تأتي بها إلى نهاية.
في هذا النوع من البيئة، حين تكون قد حصلت على شريك من الجانب الآخر مستعد للتفاوض بجدية، والذي لا يشارك في بعض الخطابة الجامحة التي كثيراً ما تُشاهد في العالم العربي عندما يتعلق الأمر بإسرائيل، والذي أظهر نفسه ملتزماً بالحفاظ على النظام داخل الضفة الغربية والسلطة الفلسطينية، وبالتعاون مع الإسرائيليين حول شواغلهم الأمنية –إننا إذا لم نغتنم هذه اللحظة، فأعتقد أن ذلك سيكون خطأ كبيراً. كنتُ قد قلتُ مباشرة لرئيس الوزراء نتنياهو إن لديه فرصة لترسيخ، لجني، دولة إسرائيل يهودية ديمقراطية، والتي تعيش في سلام مع جيرانها و-
غولدبرغ: بحدود دائمة؟
أوباما: بحدود دائمة. ولديه فرصة أيضاً للاستفادة من إعادة تنظيم محتملة للمصالح في المنطقة، حيث ترى العديد من الدول العربية تهديداً مشتركاً في إيران. إن السبب الوحيد الذي يجعل هذه الإعادة المحتملة لتنظيم المصالح، والتعاون المحتمل، ليست أكثر تجلياً، هو القضية الفلسطينية.
غولدبرغ: أريد أن آتي إلى موضوع إيران بعد لحظة، لكنْ لدي سؤالان عن اثنين من الزعماء اللذين ستتعامل معهما بشكل مكثف جداً. أبو مازن (عباس) -كل هذه الأشياء التي تقولها عنه صحيحة، لكنه أيضاً زعيم كيان فلسطيني ضعيف وفاسد ومنقسم، والذي يبدو مسبقاً شبه عاجز هيكلياً. هل تعتقد أنه يمكن أن يقدم أي شيء أكثر من اتفاق إطاري؟ هل هذا هو الرجل الذي يمكن أن يقود الشعب الفلسطيني إلى القول، “حسناً، لا مزيد من المطالبات ضد إسرائيل، والسلام الدائم، والاعتراف الدائم؟”.
أوباما: انظر، أنا أعتقد أنه لا بد من اختبار الأمر. والسؤال هو: ما الذي سنخسره باختباره؟ إذا تم في الواقع التوصل إلى إطار للمفاوضات، وتم التوصل إلى المبادئ الأساسية التي ستمضي حولها المفاوضات قدماً، فليس لدي شك في أنها ستكون هناك فصائل داخل المجتمع الفلسطيني والتي ستعترض بقوة، بنفس الطريقة التي سيكون بها أولئك داخل إسرائيل ممن سيعترضون بقوة أيضاً.
ولكن، إليك ما أعرفه من زياراتي للمنطقة: إنه على كل ما رأيناه على مدى العقود القليلة الماضية، مع كل عدم الثقة الذي تم بناؤه، فإن الفلسطينيين ما يزالون يفضلون السلام. إنهم يفضلون دولة خاصة بهم، والتي تمكنهم من العثور على وظيفة، وإرسال أطفالهم إلى المدرسة، والسفر إلى الخارج، والذهاب والمجيء من العمل دون الشعور كما لو أنهم محددون أو مقيدون كشعب. وهم يدركون أن إسرائيل لن تذهب إلى أي مكان. لذلك، أعتقد فعلاً أن الأصوات من أجل السلام داخل المجتمع الفلسطيني ستكون أقوى مع وجود اتفاق إطاري، وأن موقف أبو مازن سيتعزز في وجود إطار للمفاوضات.
سوف تبقى هناك أسئلة كبيرة حول ما يحدث في غزة، لكنني أعتقد في الواقع أن حماس سوف تتضرر إلى حد كبير من احتمال قدوم سلام حقيقي. سوف تكون المسألة الرئيسية، المسألة المشروعة بالنسبة لإسرائيل، هي التأكد من استمرار الوفاء باحتياجاتها الأمنية الأساسية كإطار لمفاوضات تؤدي إلى اتفاق سلام الفعلي.
وكان جزء مما قام به جون كيري هو البحث في احتياجات إسرائيل الأمنية بمساعدة الجنرال جون آلن، القائد السابق في أفغانستان. وقد طورا -على أساس محادثات أجرياها مع قوات الدفاع الإسرائيلية حول احتياجات إسرائيل الدفاعية- وتوصلا إلى خطة للكيفية التي سيتم بها التعامل مع وادي الأردن، وكيف يمكنك أن تتعامل مع التهديدات المحتملة لإسرائيل بطريقة لم يسبق لها مثيل في التفاصيل، ولا سبق له مثيل في النطاق. وطالما تمت تلبية تلك الاحتياجات الأمنية، فإن المطاف ينتهي باختبار عباس باعتباره الشيء الصحيح الذي ينبغي عمله.
بلومبرغ: انطباعي من مشاهدة علاقتك بنتنياهو على مر السنين هو أنك معجب بذكائه ومعجب بمهارته السياسية، لكنك تشعر أحياناً بالإحباط من عدم قدرته -أو عدم رغبته في إنفاق رأس المال السياسي- من حيث المخاطرة بشراكات الائتلاف- من أجل تبني ما يقول إنه يقبل به، حل الدولتين. هل هذا التقييم عادل؟ عندما يأتي إلى واشنطن، بكم من القوة ستضغط عليه حتى تخرجه من منطقة راحته؟
أوباما: الأمر الصحيح تماماً هو أن رئيس الوزراء نتنياهو ذكي. إنه صلب. وهو محاور كبير. وهو سياسي ماهر جداً بكل وضوح. وأنا آخذه بكلامه عندما يقول إنه يرى ضرورة حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. اعتقد أنه يؤمن بذلك حقاً.
أعتقد أيضاً أن السياسات في إسرائيل حول هذه المسألة صعبة للغاية. لديك حالة من الفوضى تشيع في الشرق الأوسط. الناس ينظرون إلى ما يحدث في سورية، وينظرون إلى ما يحدث في لبنان. ومن الواضح أنهم ينظرون إلى ما يحدث في غزة. بشكل مفهوم، يسأل الكثير من الناس أنفسهم: “هل يمكننا تحمل أن تكون لدينا فوضى محتملة على حدودنا، على مقربة من مدننا؟”. وهكذا، فإنه يتعامل مع كل ذلك، ويفهمه.
ما قلته له بصورة شخصية هو نفس الشيء الذي أقوله له علناً، وهو أن الوضع لن يتحسن أو يحل نفسه بنفسه. ليس هذا وضعاً يمكنك أن تنتظر أمامه، وتجد المشكلة تذهب وحدها إلى حال سبيلها. سوف يكون هناك المزيد من الفلسطينيين، وليس فلسطينيين أقل، مع مرور الوقت. سوف يكون هناك المزيد من العرب الإسرائيليين، وليس عرباً إسرائيليين أقل، مع مرور الوقت.
إذا ما اغتنم بيبي الفرصة بطريقة ربما لا يستطيعها إلا هو فقط، وتحديداً بسبب التقليد السياسي الذي يأتي منه ومصداقيته لدى اليمين داخل إسرائيل، ربما يكون اغتنامه هذه اللحظة أعظم هدية يمكن أن يقدمها للأجيال القادمة من الإسرائيليين. لكن ذلك صعب. بوصفي شخصاً يحتل موقعاً صعباً إلى حد ما أنا نفسي، فإنني متعاطف دائماً مع سياسات شخص آخر.
مع ذلك، لم أسمع حتى الآن رؤية مقنعة لكيفية نجاة إسرائيل كدولة ديمقراطية ودولة يهودية تعيش بسلام مع جيرانها في غياب اتفاق سلام مع الفلسطينيين والتوصل إلى حل الدولتين. لم يقدم لي أحد سيناريو يعتد به.
كان الشيء الوحيد الذي سمعته هو: “سنستمر فقط في القيام بما نقوم به، وسنتعامل مع المشاكل عند ظهورها. وسنقوم ببناء المستوطنات حيث نستطيع. وحيث تكون هناك مشاكل في الضفة الغربية، فسنتعامل معها بشدة. سوف نتعاون مع -أو نحتوي السلطة الفلسطينية”. مع ذلك، فإنك لا ترى عند أي نقطة حلاً فعلياً للمشكلة.
غولدبرغ: وبهذا، تجرى إدامة حالة مزمنة؟
أوباما: إنها إدامة لحالة مزمنة. وتقييمي، الذي يشاركني فيه عدد من المراقبين الإسرائيليين، كما أعتقد، هو أنها ستأتي نقطة حيث لن تمكن إدارة هذا الوضع بعد ذلك، وعندئذ ستبدأ الحاجة إلى اتخاذ خيارات صعبة جداً. هل توطن نفسك على ما يرقى إلى احتلال دائم للضفة الغربية؟ هل هذه هي شخصية إسرائيل كدولة لفترة طويلة من الزمن؟ هل تحافظ، على مدى عقد من الزمن أو عقدين، على تطبيق سياسات أكثر وأكثر تقييداً لحركة الفلسطينيين؟ هل تضع قيوداً على العرب الإسرائيليين بطرق تتعارض مع تقاليد إسرائيل؟
غولدبرغ: إنك تبدو قلقاً.
أوباما: حسناً، أقول بصدق إن أحداً لم يقدم لي صورة واضحة عن الكيفية التي سيعمل بها هذا في غياب اتفاق سلام. إذا كان هذا هو الحال –وهو واحد من الأشياء التي اعتادت أمي أن تقوله لي دائماً، والذي لم أحرص على التقيد به دائماً، لكنني أصبحت أتفق معه عندما صرت أكبر- هو أنه إذا كان هناك شيء تعرف أن عليك أن تفعله، حتى لو كان ذلك صعباً أو غير سار، فإنه يجب عليك أن تمضي قدماً وتفعله فقط، لأن الانتظار لن يساعد. عندما أتحادث مع بيبي، فإن هذا يكون جوهر محادثاتي: إذا لم يكن الآن، فمتى؟ وإذا لم يكن أنت، أيها السيد رئيس الوزراء، فمن إذن؟ كيف نحل هذا الوضع؟
ليست هذه قضية يمكن أن نتعامل مع تحدياتها بسذاجة. إنني أتعامل كل يوم مع خيارات صعبة جداً تتعلق بأمن الولايات المتحدة. وبالقدر الذي تتسم فيه سياستنا الخارجية بضبط النفس، وبأنها مدروسة كما أعتقد، فإنني أظل موضوعاً للنقد المستمر حول سياساتنا في مكافحة الإرهاب، وأعمالنا في ليبيا، وافتقارنا إلى العمل العسكري في سورية.
وهكذا، إذا كنتُ أفكر برئيس وزراء إسرائيل، فإنني لست شخصاً يعتقد أنها مجرد مسألة تتعلق بتغيير رأيك، وفجأة يجري كل شيء بسلاسة. لكنني أعتقد أن بيبي قوي بما فيه الكفاية، بحيث أنه إذا قرر أن هذا هو الشيء الصحيح الذي ينبغي عمله لإسرائيل، فإنه يمكن أن يفعله. إذا كان لا يعتقد أن التوصل إلى اتفاق سلام مع الفلسطينيين هو الشيء الصحيح الذي ينبغي عمله لإسرائيل، فإن عليه أن يفصح عن نهج بديل. وكما قلت من قبل، فإنه يصعب الخروج ببديل يكون معقولاً.
الغد الأردنية