يشكل إنجاز المصالحة الفلسطينية الداخلية واستعادة الوفاق الوطني هدفا أساسيا لكل فلسطيني حر غيور يتوق للخلاص من نير الاحتلال والتصدي لمخططاته العنصرية وممارساته الإجرامية التي يقترفها بحق أبناء شعبنا صباح مساء.
ومع ذلك، فإن معطيات الأحداث تشير إلى عوائق في طريق المصالحة ومحاولات مؤسفة لتكريس صيغ الانقسام خلال المرحلة القادمة.
هذه النتائج الصادمة ليست من وحي الخيال أو نتاج تقديرات خاطئة تجنح إليها البوصلة السياسية والفكرية في غمرة المواقف المتعاقبة والمستجدات المتلاحقة التي تخيم بظلالها السلبية على ساحتنا الوطنية الداخلية، بل هي تقديرات واقعية ذات نسق موضوعي يتأسس على المفهوم الغريب والمعنى السلبي الذي يحمله السيد محمود عباس للمصالحة، ورغبته في قصرها على جانب محدود وتقزيم إطارها الواسع في حدود انتخابات ضيقة لا تضع حلا للأزمة الفلسطينية الداخلية، بل إنها ستكون سببا في مزيد من الانقسام والتدبر بين شقي الوطن.
إن إصرار السيد عباس على إجراء الانتخابات قبل تطبيق أي بند من بنود اتفاقات المصالحة التي تم التوقيع عليها في القاهرة والدوحة سابقا، من شأنه أن يعقد العلاقات الفلسطينية الداخلية، ويوجه ضربة قاسية لآمال الوحدة والتوافق الوطني التي انتعشت في قلوب الغالبية الساحقة من الفلسطينيين عقب الانتصار العسكري الذي حققته المقاومة على الاحتلال مؤخرا، والانتصار الفلسطيني الرمزي على الكيان الصهيوني في الأمم المتحدة.
ما الذي يحاول السيد عباس طرحه في لقائه مع الرئيس المصري د. محمد مرسي والأخ خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في القاهرة؟! وهل يمكن أن يكون لهذا اللقاء أي طعم أو لون أو رائحة في ظل المواقف المسبقة التي يصر عليها عباس؟! وهل تكمن المصالحة فقط في إجراء الانتخابات فيما يتم وضع ما تم الاتفاق عليه بشأن منظمة التحرير والملف الأمني والمصالحة المجتمعية وملف الحريات على أرفف التجاهل والنسيان؟!
ينبغي أن يدرك السيد عباس أن مفهوم المصالحة هو مفهوم واسع وشامل سعة وشمول الأزمة الفلسطينية الداخلية، وأن قصر المصالحة على زاوية ضيقة ووحيدة (الانتخابات) يشكل إعداما لجهود ومساعي المصالحة الدائرة في مصر حاليا، والتفافا مكشوفا على الاستحقاقات البيّنة المنصوص عليها في اتفاقات وتفاهمات المصالحة السابقة بين حركتي فتح وحماس التي تنص على تطبيق كافة ملفات المصالحة رزمة واحدة وبشكل متواز.
إن السيد عباس مطالب اليوم ببلورة رؤية جديدة لإنفاذ المصالحة ترتكز على أساس الاستجابة لبرنامج القواسم المشتركة الذي يشكل الحد الأدنى المقبول وطنيا، والولوج إلى قلب المصالحة الوطنية من مداخلها السليمة وبواباتها الحقيقية خدمة لشعبنا الفلسطيني وقضيته العادلة.
ومن هنا يمكن القول بكل ثقة ويقين أن تفعيل المجلس التشريعي في الضفة والقطاع يشكل المدخل السليم والخطوة الأكثر فاعلية وأهمية في سياق إنجاح مسيرة المصالحة الوطنية، لأن المجلس التشريعي يمثل الحاضنة الأهم للمصالحة والتوافق الداخلي، والسلطة التشريعية التي تمثل وتعبر عن نبض وآمال الجماهير الفلسطينية التائقة لإنهاء الانقسام وبسط جسور الشراكة السياسية بين مختلف الفرقاء على الساحة الوطنية.
لقد كان المجلس التشريعي أول الداعين إلى تحقيق المصالحة الداخلية وترتيب البيت الفلسطيني الداخلي منذ المبادرة الشهيرة والمعروفة التي أطلقها د. عزيز دويك رئيس المجلس عام 2006م، والتي كانت سببا في إطلاق حوار وطني استمرت فصوله لاحقا، وأثمرت إنجازا لحكومة الوحدة الوطنية برئاسة الأخ إسماعيل هنية عام 2007م، مرورا بالجهد الكبير الذي بذله التشريعي عقب وقوع الانقسام شهر يونيو/ حزيران 2007م لإعادة الوحدة والحياة بين شطري الوطن، ولا مناص اليوم من إعادة الاعتبار للمجلس التشريعي ورفع الفيتو عن عمله في الضفة الغربية، والسماح لرئيس المجلس د. عزيز دويك ونواب كتلة التغيير والإصلاح من دخول مقر المجلس برام الله وممارسة عملهم البرلماني وواجباتهم الوطنية كالمعتاد، كتوطئة حقيقية لإسناد مسيرة المصالحة والوفاق، ومقدمة لازمة لتنزيل شعارات المصالحة الرنانة إلى أرض الواقع.
إعادة تفعيل المجلس التشريعي في الضفة والقطاع يشكل اختبارا حقيقيا لمدى جدية السيد عباس وحركة فتح، وإلا فإن تجاهل تفعيل المجلس التشريعي يعبر عن نوايا غير حميدة تجاه المصالحة ومستقبلها، وإن أي حكومة قد يتم تشكيلها مستقبلا ولا تحظى بثقة المجلس التشريعي هي حكومة باطلة دستوريا برسم نصوص القانون الأساسي الفلسطيني، ولن تكون على مستوى تحديات الأزمة الفلسطينية الداخلية وإشكالياتها الكبرى.
وكالة معا.