بيروت – أ ف ب: شكّل التصعيد الدامي في الساحل السوري اختباراً مبكراً للإدارة الجديدة في دمشق، حيث طرح تساؤلات حول مدى قدرتها على ضبط الأمن وترسيخ سلطتها، ووجّه ضربة لمحاولاتها كسب ثقة المجتمع الدولي، وفق محللين.
وفي بلد مزّقته الحرب منذ 13 عاماً، وانقسمت أراضيه بين مناطق نفوذ تسيطر عليها قوى مختلفة، يبقى بسط سلطة الدولة، وفرض الأمن، والحفاظ على السلم الأهلي أبرز التعهدات التي قطعتها السلطة الجديدة، إنما أيضاً من أصعب التحديات التي تواجهها.
ولا تزال السلطات الجديدة تعمل على التحضير للمرحلة الانتقالية وإعادة بناء القوات الأمنية والعسكرية، إلا أن الأحداث في الساحل السوري جاءت كاختبار مبكر لقدرتها على ضبط الأمن.
فبعد أقل من ثلاثة أشهر على الإطاحة ببشار الأسد، وجدت السلطات نفسها أمام مواجهة عنيفة في المنطقة ذات الغالبية العلوية التي ينتمي إليها الرئيس السابق.
ويرى الخبير في الشأن السوري جوشوا لانديس أن المواجهات الأخيرة كشفت أن “الجيش السوري الجديد لا يملك السيطرة الفعلية”.
ويعتبر أن ما حدث “سيعرقل جهود” الرئيس الانتقالي أحمد الشرع “في ترسيخ سلطته وإقناع المجتمع الدولي بأنه يسيطر على الأوضاع وقادر على ضبط المجموعات المسلحة التي يُفترض أن تكون تحت قيادته”.
وفي محاولة لاحتواء الأزمة، دعا الرئيس الانتقالي أحمد الشرع إلى الحفاظ على “الوحدة الوطنية والسلم الأهلي”، فيما أعلنت الرئاسة تشكيل لجنة تحقيق “للكشف عن الأسباب والملابسات التي أدّت إلى وقوع تلك الأحداث، والتحقيق في الانتهاكات بحق المدنيين وتحديد المسؤولين عنها”.
بحسب هايكو ويمين، مسؤول ملف سورية ولبنان والعراق في مجموعة الأزمات الدولية، فإن هذه الأحداث تُظهر أن السلطة الجديدة “تفتقر إلى القدرة على التعامل مع تحديات متعددة في الوقت نفسه”، مشيراً إلى أن “الاضطرابات في هذه المناطق كانت تتفاقم منذ أسابيع، لكن لم يتم التعامل معها بشكل مناسب”.
وبعد إطاحة الأسد، شهدت منطقة الساحل لا سيما مدينة اللاذقية توترات أمنية مع تنفيذ السلطات حملات أمنية فيها، تزامنت مع تكرار حصول حوادث خطف وإطلاق نار، ما أثار مخاوف علويين من عمليات انتقامية.
ويرى ويمين أن التحدي الحالي لا يشكل “خطراً استراتيجياً” على حكم الشرع، لكنه قد يجرّ السلطات الجديدة إلى “دورة مستمرة من العنف، ما قد يؤدي إلى زعزعة الاستقرار بشكل خطير”، مشبهاً الوضع الحالي بـ”التجربة العراقية” في سنوات الفوضى التي أعقبت الغزو الأميركي.
ورغم أن الاضطرابات الأخيرة في الساحل السوري تعكس حالة من الغضب داخل بعض الأوساط العلوية التي ينظر إليها بوصفها حاضنة عائلة الأسد التي حكمت سورية بقبضة من حديد لأكثر من خمسة عقود، إلا أنها لا ترقى إلى مستوى معارضة منظمة حتى الآن.
ويرى جوشوا لانديس أن “المعارضة العلوية لا تزال مشتتة وتفتقر إلى قيادة موحدة”، لكن أعمال العنف الأخيرة قد تؤدي إلى “تصلّب الموقف” داخل هذه المجموعة.
يحظى الشرع بدعم دولي وإقليمي، خصوصاً من تركيا وقطر وعدد من الدول العربية، وتوافد مسؤولون غربيون إلى دمشق منذ وصوله إلى قيادة البلاد، لإظهار دعمهم.
وتعهّدت السلطات الجديدة مراراً بحماية الأقليات في هذا البلد المتعدد دينياً.
لكن آرون لوند رأى أن السلطة في دمشق “ضعيفة وتخضع لقوى خارجة عن سيطرتها، فهي بحاجة إلى كسب ودّ المجتمع الدولي، لكنها في الوقت نفسه مطالبة بالحفاظ على دعم قاعدتها الإسلامية”.
ودانت دول غربية، لا سيما الولايات المتحدة، “المجازر” التي ارتكبت “بحق أقليات في سورية” بعد أحداث الساحل، داعية إلى محاسبة مرتكبيها.
وحذر لوند من أن الاشتباكات قد تتلاشى تدريجياً، لكنها قد تمهد الطريق لجولة جديدة من التصعيد.
وأشار إلى أن “القيادة الجديدة في دمشق دعت إلى ضبط النفس وحذرت من الطائفية، وهو موقف مسؤول ينبغي الإشادة به، لكن هذه الرسائل المعتدلة لم تصل بشكل كافٍ إلى الفصائل المتمردة السابقة، التي يُفترض أن تعمل الآن كجيش وشرطة لسورية”.
التصعيد في الساحل السوري اختبار مبكر للشرع في ترسيخ سلطته
