التفاوض من طرف واحد … بقلم : خيري منصور

2014/08/25
Updated 2014/08/25 at 9:01 صباحًا

فهرس

كُتِبَ حَتّى الآن مئات الكُتُب والأبحاث عما يسمى فنّ التّفاوض، لكنّها على ما يبدو صدرت بكل اللغات باستثناء العِبْرية .

فما يَفُهمُهُ الطرف المُعتَدي هو المونولوج، أي التّداعيات الذّاتية والهَذَيان من دون أيّ اعتبار لوجود طرف آخر . وأبسط بديهيات التفاوض الدّيالوج، أي الحوار بين طرفين، كي لا تكون اللعبة بلا شبكة أو حَكَم . ثم يكتشف اللاعب مع نفسه أن كُلّ الأهداف التي سَجّلها كانت في مَرْماه وليست في مَرْمى الخَصْم .

وَيَتحمل العرب نَصيباً من إدمان “تل أبيب” من خلال حكوماتها المُتعاقبة على هذا النمط من مفاوضات الطرف الواحد أو المونولوج، سواء كان السّبب هو التسليم العَرَبي بعدم تكافؤ القوّة، أو لأن الطرف الآخر يتوهم بأن لديه من فائض الاستحقاقات ما يُبرّر له الإملاء .

فمصطلحات من طراز التهدئة ووقف العمليات الميدانية وأخيراً وقف إطلاق النار أصبحت تَعْني لحكومة نتنياهو استراحات مُحارب، يكسب من خلالها الوقت، ويسعى إلى إفراغ التوتر من شحناته، وهذا بحدّ ذاته رهان سايكولوجي مارسته عدة أطراف وإن كان أبرزها ما مارسه طوني بلير في ايرلندا .

فالمماطلة والمراوحة بين الحدّ الأدنى من القبول والحدّ الأقصى من الرفض هي من أساليب التّدويخ أو ما يسمى الإرهاق العاطفي والنّفسي للطرف الآخر، لكن ما يتجاهله نتنياهو ومنافسوه من اليمين المتطرف وأبرزهم ليبرمان هو أن استئناف العدوان على غزة بعد كل هذه الجولات التفاوضية برعاية مصرية معناه شنّ الحرب على نصف هذا العالم على الأقل، فَمَنْ يَتظاهرون ضد العدوان ومن يقطعون العلاقات الدبلوماسية ويقاطعون البضائع والأكاديميات ليسوا الآن مجرد رقم يدخل في خانة الاستثناءات، ويخطئ مَنْ يظن أنّه ينتصر إذا كان بالفعل ينتحر سياسياً، وتصبح صورته بالغة القبح لدى أكثرية الشعوب، بحيث يُبَدّد بسفاهة عسكرية كل ما حصل عليه من تعاطف عن طريق الخداع وتقمّص دور الضحية .

إن مَنْ يريد أن يتفاوض مع نفسه وبالتالي لا يسمع من كل الأصوات سوى صدى صوته عليه أن يدرك أن هذه اللعبة عقيمة، بل هي مضجرة للوسطاء والمراقبين ومجمل الرأي العام .

وما لم يتحقق من الأهداف المعلنة عشية اندلاع العدوان خلال أكثر من أربعين يوماً لن يتحقق في القادم من الأيام، فالرهان على تعميق الخلافات الفلسطينية البينية خيّبهُ وفد ينطق بلسان واحد ويتبنى المطالب ذاتها . واستشهاد ألف فلسطيني آخر معظمهم من الأطفال والمدنيين أو نسف خمسة آلاف بيت لن يغيّر من المعادلة، فالمُبْتَل لا يخشى الغرق . ولدى الفلسطيني الآن وعي بأنه ليس لديه ما يخسره غير الحصار .

Share this Article
Leave a comment

اترك تعليقاً