بقلم: رفيت هيخت /تصريح الرئيس الأميركي جو بايدن بأن الولايات المتحدة ستضمن أمن اسرائيل في حال هجوم ايران عليها، وفّر شيئا من الأكسجين لرئة اسرائيل الفارغة. ومثلما في 10 تشرين الأول عندما وقف إلى جانب اسرائيل المكلومة وحذر أعداءها من استغلال الحضيض الذي وجدت فيه نفسها، فإن بايدن يصب الآن أيضا بعض الأمان في مواطني اسرائيل في الوقت الذي يفصل فيه بموضوعية بين بنيامين نتنياهو، المخادع الكبير والزعيم الأسوأ في تاريخه، وبين كل الشعب اليهودي الذي يتعاطف معه بصورة ثابتة وأصيلة.
لكن اكثر ما يدل عليه تصريح بايدن بحد ذاته، هو أنه يؤكد على حاجة الاسرائيليين إلى قيادة سياسية وأمنية سليمة. وقد انضم الآن إلى فظائع 7 أكتوبر وتقاعس الحكومة والمؤسسة الأمنية الإجرامي، التي سمحت بذبح المواطنين واغتصابهم واختطافهم وإخلائهم، سوء إدارة الحرب، ما أدى إلى تفاقم وضع اسرائيل أكثر فأكثر.
على الرغم من التجند المدني الشامل مع استعداد بطولي للتضحية بالنفيس من اجل المجهود الوطني، وعلى الرغم من الدعم والتسليم من قبل دولة عظمى مثل الولايات المتحدة، واعتماد دولي في الأسابيع الأولى للحرب في أعقاب الفظائع التي تعرضت لها اسرائيل، وعلى الرغم من التفوق العسكري الواضح مقابل منظمة إرهابية متوحشة – فإن “كابنيت” الحرب ورؤساء أجهزة الأمن نجحوا في الفشل في الأهداف التي وضعوها لأنفسهم؛ إعادة المخطوفين وهزيمة “حماس”.
يُقتل المخطوفون واحدا تلو الآخر في الأسر، وعائلاتهم عانت بشكل كبير، في حين أن اسرائيل تدمر المزيد والمزيد من أدوات الضغط على “حماس” وتحرر يحيى السنوار من كل إلحاحية للتوصل إلى الصفقة. في كل مكان انسحب منه الجيش الإسرائيلي بدون الحصول على شيء في المقابل، يظهر من جديد رجال “حماس” ويستأنفون السيطرة العسكرية والسلطوية على السكان، وإطالة زمن الحرب بدون أهداف سياسية وتفكير بالمستقبل، أضيف الفشل في إدارة المساعدات الإنسانية التي أصبحت على الفور رصيدا لـ”حماس” وأدت إلى تدهور اسرائيل إلى مكانة الدولة المجذومة.
السنوار، الذي قالت قبل شهرين شخصيات إسرائيلية رفيعة، إنه لا يرد على طواقم المفاوضات لأن “الاتصال معه انقطع وهو يهرب ويوجد في ضائقة”، يفتح لإسرائيل مدرسة استراتيجية ويجعلها تزحف على بطنها. تصريحات نتنياهو، وتصريحات بني غانتس الآن أيضا، حول النصر والعملية المستقبلية في رفح، تسمع كصوت حانوخ لفين في محاكاة ساخرة للقيادة التي توجد في واقع مواز (وبهذه القدرات ما زال هناك من يريد شن حرب واسعة النطاق مع “حزب الله”، وهذا غباء آخر منعه بايدن بحكمته).
ليس في القرارات الأخيرة المهمة، تصفية قائد قوة القدس الإيراني في لبنان وسورية وتصفية عائلة إسماعيل هنية أي جدوى استراتيجية، وهي تظهر كقرارات ارتجالية يائسة استهدفت استعراض القوة. من جهة أخرى، الإمكانية الكامنة في ضررهما الشديد. أدخلت العملية الأولى الدولة في صدمة استعدادا لتلقي ضربة أقوى، مع المخاطرة في خلق جبهة أخرى اكثر تهديدا وبدون أن تتم معالجة جبهة “حماس” في غزة بشكل ناجع كما يلزم. الثانية يمكن أن تحكم على قليل من المخطوفين الذين نجحوا حتى الآن في البقاء على قيد الحياة في اسر “حماس”، بالموت وهم يعانون، ما اصبح يبدو كجريمة قادمة لدولة تجاه مواطنيها الذين تم التخلي عنهم مرة تلو الأخرى.
على خلفية إجمال هذا الوضع، الذي يدل على ضعف إسرائيلي مقلق جدا في فضاء معاد وعنيف، فإن بايدن يبدو باعتباره الناضج الوحيد المسؤول، الذي على الأقل يعمل بمنطقية مع الإصغاء للواقع. على الرغم من التنازل المؤلم والمأساوي الكامن في إبقاء “حماس” واقفة على إقدامها بعد الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبتها، فيجب التمسك ببايدن وطلباته ورؤيته من اجل أن نبقى على قيد الحياة في متاهة الرعب التي وصلت إليها اسرائيل. هو خلافا للآخرين على الأقل يعرف ما الذي يفعله.
عن “هآرتس”