تعيش في القارة العجوز اليوم، جاليات فلسطينية محترمة لناحية العدد والمركز فيما تراوح في سعيها للعب دور بين الشعارات والبرامج الحقيقية للتأثير على سياسة دول الاتحاد الاوروبي منفردة وعلى سياسة الاتحاد الأوروبي.
ويمكن القول في البداية أن هجره المواطنين الفلسطينيتين في القرن الماضي إلى الدول الاوروبية تعود بشكل عام الى ثلاثة أسباب ومراحل، وهي:
١-الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين في عام ١٩٤٨ ومن ثم في عام ١٩٦٧ والذي تسبب بتهجير مئات آلاف المواطنين الفلسطينيين عنوة إلى الدول العربية المجاورة، قسم منهم توجه إلى دول الاتحاد الاوروبي واستقروا في هذه الدول.
٢-إغلاق الجامعات الفلسطينية من قبل الاحتلال وبسبب عدم توفر الكليات العلمية بفلسطين المحتلة اعداد لا بأس بها من الشباب الفلسطيني الطامح توجهوا إلى اوروبا بحثا عن العلم والتحصيل العلمي وبشكل خاص في بعض الكليات، وعلى سبيل المثال كليات الطب، الصيدلة، الهندسة الخ، فمنهم من عاد إلى ارض الوطن بعد التخرج ومنهم من استقر بهذه الدول وما زال يعمل ويعيش بها.
٣-أما القسم الثالث وهو الأقل عددا فقد هاجر جراء قسوة العيش تحت الاحتلال وفقدان الأمن والامل ما اضطر الاف إلى البحث عن خيار ومستقبل لهم، عن فرص العمل والتوظيف، وهكذا حصلوا على اقامات للعمل والإقامة في هذه الدول.
يمكن ايضا تقسيم المهاجرين الفلسطينيين الذين يعيشون في دول الاتحاد الاوروبي وهذا ينطبق على ايطاليا ايضا بشكل عام وهذا ينطبق على الجاليات الفلسطينية الى خمسة أقسام وهي
١-القسم الأول، وهو مندمج في المجتمع المدني الاوروبي حيث تعلم اللغة وتأقلم مع العادات وتقاليد البلد التي يعيش بها وأصبح جزء من المجتمع الاوروبي يشارك في الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية بشكل فعال، فنجده مشارك في احدى الأحزاب السياسية والنقابات ويمارس حقه في الانتخابات المحلية والبرلمانية.
٢-القسم الثاني من المهاجرين المتواجدين في اوروبا فقط جسديا حيث يرفضون فكره الاندماج والتعرف على المجتمع الاوروبي لذلك ينطون على انفسهم ، لا يجيدون لغة البلد التي يعيشون بها ولا عاداته ولا تقاليده ، يعيشون منعزلين ويعتبرون أنفسهم غرباء ويرفضون طرح أو فكرة الاندماج الاجتماعي والثقافي في البلد لأن هدفهم الأساسي هو كسب المال فقط، كأنهم يقولون وبطريقة صريحة: نحن موجودون هنا لجمع اكبر قدر ممكن من المال والعودة إلى الوطن الأم لذلك لا تحظى اهتمامهم ما يحدث البلد التي يعيشون بها لأنهم يعتبرون وجودهم مؤقت لذلك يعرفون مكان العمل والطريق المؤدية إليه ويعرفون جيدا مركز المدينة التي يعيشون بها .
٣-الشريحة الثالثة هي مكونة من المواطنين الأجانب الذين لم يحالفهم الحظ في هجرتهم العملية أو الدراسية وهم غالبا دون شهادات علمية أو عمل رسمي حيث يعيشون بعزلة تامة عن المجتمع لأنهم يبررون عدم نجاحهم في هجرتهم هو البلد المضيف وسياسته العنصرية ضد الأجانب لذلك يتمسكون بالدين فنجدهم يملؤون المساجد، يرفضون المخالطة، لا يتقنون لغة البلد ولا يعرفون شيء عن تركيبة المجتمع الذي يعيشون به أو سياسة البلد، فهم يعودون إلى الماضي البعيد حيث لا يمكنهم العودة إلى الوطن.
٤-الشريحة الاجتماعية الرابعة تمثل هذا القسم من المهاجرين حالفهم الحظ فنجد منهم الأطباء والمهندسين والصيادلة والاقتصاديين، يعملون في مؤسسات حكومية أو شبه حكومية يمتلكون منازل ويعيشون بمستوى متوسط وعالي، هذه الشريحة تعشق إذا صح التعبير البلد الذي يعيشون بها حيث يعتبرون أنفسهم أكثر من الأوروبيين أنفسهم، يعيشون لوحدهم ولا يخالطون المهاجرين حتى أبناء بلدهم، يفقدون أي علاقة أو اتصال مع اصولهم ووطنهم الأم وكأنهم يحاولون أن ينسوا ماضيهم ولغتهم وعاداتهم لأجل عادات وتقاليد البد الجديد.
ويتضح للمتتبع والعارف بتركيبة المجتمعات المدنية الاوروبية، دور ونشاطات الأحزاب السياسية بجميع مكوناتها وتوجهاتها اليساري واليمينيّة، دور ومدى وتأثير نقابات العمال والموظفين في الحياة الاجتماعية والسياسية، مدى تأثير الكنيسة وفعاليات المجتمع المدني والمنظمات الشبابية والتطوعية، دور ونشاطات المنظمات النسائية الخ. وكذلك عمق معرفتنا في مكونات وتركيبة المؤسسات الاوروبية وكيفية اتخاذ القرارات ،فمقاييس هذه المؤسسات، يتم تطبيقه على الدولة الاوروبية التي يعيش بها المواطن المهاجر وإن كانت المجتمعات التي نعيش بها مختلفة.
من هذا، ولكي نكون على مستوى التحديات الملقاة على عاتقنا في هذه المرحلة التاريخية ولكي نستطيع أن نبلور برامج سياسيه داعمة لقضيتنا الفلسطينية وعرضها على صناع القرار السياسي في الدول الاوروبية منفرده وعلى الاتحاد الاوروبي بكل مؤسساته ، و لكي نشكل لوبي ضاغط على الأحزاب والحكومات والمؤسسات الاوروبية يتوجب علينا وقبل كل شيء أن نأهل كوادر الجاليات ونقوم في تعميق معرفتنا في المجتمعات التي نعيش بها لأن هذا يمثل قفزة نوعية ننتقل بها من مرحلة رفع الشعارات إلى مرحلة بلوره الخطط والبرامج الفلسطينية على الساحة الاوروبية وكيفية التعامل مع صناع القرار في اوروبا لما هو داعم ومؤيد لقضيتنا العادلة وعكس ذلك.
٥-الشريحة الخامسة، يمكن وصفها في المهاجرين الذين كانوا من النشطاء سياسيا وثقافيا في شبابهم أو خلال مرحلة الدراسة الجامعية ولكن لأسباب، أصبح لديهم احباط فهجروا السياسة والسياسيين والتنظيمات والأحزاب، وهي تمثل عددا في جالياتنا الفلسطينية في دول الاتحاد الاوروبي ويمكن القول أنها الأكثر تسيسا حيث أنها مندمجة في المجتمع الاوروبي بشكل جيد.
إن ما تقدم مهم وضروري للخروج من مرحلة الشعارات والاحتفالات في احياء العديد من الذكريات والتي هي ايضا مهمة للغاية إلى مرحلة العمل، فنحن في أمس الحاجة للقيام بهذه القفزة النوعية وفي أمس الحاجة لاختيار الشخص المناسب في المكان المناسب بغض النظر عن الانتماء السياسي والحزبي فعلينا مسؤوليات تاريخية ويتوجب أن نتحملها فالتاريخ والأجيال القادمة ستقول كلمتها.