رام الله / «ما هذه الخرافة؟ فلسطين بلد جاف؟ هراء بالطبع» هكذا يقول الجيولوجي الألماني كليمنس مسرشميد. وأزمة المياه في فلسطين أمر سياسي بامتياز. ففلسطين من البلدان التي تحتوي على مصادر مياه متجددة جيدة في المنطقة. فالمعدل السنوي لهطول الامطار في القدس أكثر منه في برلين، وفي رام الله أكثر منه في لندن، وفي نابلس أكثر منه في باريس.
وتتميز فلسطين بما فيها من مياه جوفية، غير أن إسرائيل تمنع الوصول إليها. ويقول مسرشميد إنه لم تحفر أي بئر جوفية «عميقة» منذ احتلال الضفة عام 1967، وما تم حفره إنما هو بعض الآبار الصغيرة التي لا تصل إلى الأحواض المائية الرئيسية في جوف الأرض. «حتى الآبار السطحية فإن إسرائيل تمنع حفرها، ولا تعطي تصاريح بها.
يعيش كليمنس مسرشميد منذ 16 عاما في رام الله، وقد عمل في مجال المياه الجوفية ضمن مشاريع الدول المانحة والمشاريع الأميركية، ومع سلطة المياه.
وعن منطقة رام الله يقول: «ثمة بئر واحدة عميقة في محافظة رام الله تستقي من الحوض الغربي، وهو مشترك مع الإسرائيليين، ويحصل الفلسطينيون على 10% مما يتم سحبه من الحوض، وتسمى هذه البئر شبتين وهي قريبة من نعلين وقبية.
وقد حفرت هذ البئر خلال السيطرة الأردنية على الضفة في مايو 1967 أي قبل شهر من الاحتلال الإسرائيلي للضفة. وأشار إلى أن هذه البئر تخدم 5 قرى و3 مستوطنات، وأن الكمية التي يحصل عليها الفلسطينيون يحددها الإسرائيليون.
وأشار إلى أن اتفاق أوسلو يخلو من النص على أي سيطرة فلسطينية على المياه، وما يستخدم في الأراضي المصنفة «أ» يطبق على الأراضي «ب» و «ج». ولا بد من الحصول على الموافقة الإسرائيلية، ودائما تكون الإجابة بالنفي لأن مجلس المياه المشترك مشروط في قراراته بالإجماع.
وحسب اتفاق أوسلو فإن إسرائيل تملك حق النقض على كل ما يخص المياه. ومع أن أوسلو تنص على ضخ 80 مليون متر مكعب إضافية سنوياً من الحوض الشرقي فإن إسرائيل لا تلتزم.
وكشف مسرشميد أن إسرائيل، وباستمرار، ترفض الحديث عن الحوض الغربي الذي يضم مخزوناً للمياه العذبة بكميات كبيرة وعالية الجودة.
وقال إنه كان قد جاء عام 97 ضمن وفد ألماني لتنفيذ مشروع لحفر الآبار في الضفة موضحا أن المخطط كان حفر آبار شرق رام الله، وفي نابلس، مضيفا أنه تم إيقاف المشروع بعد سنتين بسبب المعيقات الإسرائيلية وممانعة إسرائيل لحفر الآبار، موضحاً أن آخر بئر حفرت كانت عين سامية منذ 15 عاماً ولم نحفر أي بئر أخرى.
وبالمقارنة مع أوضاع المياه في الضفة، قبل وبعد أوسلو، أشار الخبير الألماني إلى أن الأمور تراجعت أكثر، وأن الفلسطينيين «منذ عام ونصف العام يشترون كل كميات المياه من شركة المياه الإسرائيلية ميكوروت». ويقول مسرشميد إن السلطات الإسرائيلية ترفض إعطاء تصاريح باستخدام مياه الحوض الشرقي أو الحوض الشمالي. ويعتقد أن الحل يكمن فقط في الآبار الجوفية.
ويحمل الخبير الألماني الدول المانحة مسؤولية ما يحدث، ويقول إن مسألة وجوب الحصول على تصاريح من السلطات الإسرائيلية لحفر الآبار توجب على الدول المانحة ممارسة الضغط على الإسرائيليين لإعطاء هذه التصاريح موضحاً أن هناك «تواطؤاً من الدول المانحة في مشكلة المياه، وقال «إن الدول المانحة تعمل لصالح إسرائيل فقط.» موضحا أن كل المشاريع المائية تغيرت خلال العشر سنوات الماضية فمثلا الألمان يعملون فقط في مشاريع المجاري وشبكات مياه جديدة دون الضغط في شأن حفر الآبار.
وتشير إحصاءات شبه رسمية إلى أن الدول المانحة ركزت جهودها في العقد الأخير على إنشاء الشبكات والخزانات وآبار الجمع المنزلية، والإصلاح المؤسسي وبناء القدرات وحملات التوعية لتوفير المياه.
وأوضح أن فلسطين لديها مياه جوفية كثيرة حيث إن الشتاء ماطر إلا أن المشكلة تكون في الصيف ولا بد من الاستعانة بالمياه الجوفية. وقال إن كل بديل عن المياه الجوفية هو أغلى بكثير.
وأشار إلى ما يدور من حديث عن بناء محطات لتنقية المياه قائلاً إن ذلك مصلحة اسرائيلية وهي تدفع بالفلسطينيين لإقامتها، فللفلسطينيين حق في المياه الجوفية وإقامة مثل هذه المحطات سيكبد الفلسطينيين أعباء مالية كبيرة.
الخبير الالماني قال إن كل دول العالم، بما فيها إسرائيل عندها مياه صالحة للشرب ومصادر أخرى من أجل الزراعة، وهذا غير متاح في فلسطين، فعدد الآبار التي حفرت من أجل الزراعة: صفر.
وانتقد الخبير الالماني أيضا سياسة حفر آبار لجمع مياه الأمطار قائلاً إن هناك دراسة بريطانية عن فلسطين أجريت عام 1936 توضح إن هذا النظام غير مفيد زراعياً، لأن الأمطار معدومة صيفاً، وبالتالي ما زالت المشكلة قائمة. وقال: «الفلسطينيون ومنذ عام 2001 رجعوا لأيام العثمانيين، وليس إلى أيام الاحتلال البريطاني، في حصولهم على المياه.»
وشدد على أن الآبار الجوفية هي الحل الوحيد لمشكلة المياه في الأراضي الفلسطينية، وطالب المسؤولين الفلسطينيين بالضغط في هذا الاتجاه، «ما يصرف من ملايين الدولارات على تدريب الخبراء وتجهيز المختبرات كله غير مفيد، وذلك مثل تعلم السباحة دون مياه.»
وعن جودة مياه الشرب قال خبير المياه، ان المياه في رام الله نقية وصالحة للشرب من الصنابير ولا داعي لشراء المياه المعدنية. ونصح حتى بعدم استخدام الفلتر لتنقية المياه فمصلحة المياه تفحص يوميا المياه وهي عالية الجودة. وأوضح أيضا أن المياه التي تباع في الأسواق على أنها مياه معدنية لا تختلف عما نشربه من الحنفية: «هي نفس المياه ولكن توضع في قناني بلاستيكية.» ومشيراً إلى مدينته الأصيلة قال: «هي أفضل من مياه ميونخ.
الحياة الجديدة – تغريد سعاده.