يمكن القول بشيء من الثقة، إننا شيئا فشيئا، نقترب من صيف ساخن، بل ربما يكون مشتعلا، بفعل جملة من الإجراءات والتحركات وحتى الاصطفافات السياسية في المنطقة، بحيث أنه مع حلول الصيف الذي بات وراء الباب، يمكن، بل ربما يرجح اشتعال حريق، ليس في أطراف المنطقة العربية هذه المرة، في شمالها بين سورية والعراق، أو جنوبها في اليمن، أو غربها في ليبيا، بل في قلبها، ونعني بذلك في فلسطين ولبنان، وكل ذلك بسبب الإدارة الأميركية الحمقاء لملف الصراع المركزي في المنطقة، الصراع العربي/الإسرائيلي.
الشهر القادم، ستنعقد القمة العربية في عاصمة المملكة العربية السعودية، حيث ستمثل القمة فرصة لولي العهد الأمير محمد بن سلمان، لإظهار نفسه كرجل دولة، وحتى كزعيم إقليمي، ظهر في لحظة انقلاب البيت الأبيض في عهد دونالد ترامب، وفي لحظة تحوّل في وجهة الصراع المفتوح في المنطقة منذ العام 2011، لتقود الولايات المتحدة إشاعة تجعل من الأمير الشاب مستقبل المملكة والمنطقة.
بعد القمة العربية ببضعة أسابيع ستكون المنطقة على موعد مع انفجار صاعق التفجير المتمثل بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، وذلك في الذكرى السبعين للنكبة، حيث من المتوقع أن يتجاوز رد الفعل الفلسطيني الميداني، رد الفعل الذي تلا الإعلان قبل ثلاثة أشهر، كل ذلك يجري في ظل جملة من الإعلانات عن خطط واقتراحات لحل نهائي لملف الصراع، بعد أن فتح الحديث عن صفقة ترامب المزاد منذ شهور عديدة.
لابد من القول إن كثرة وطول وقت الحديث عن صفقة ترامب دون إعلانها، بل ودون التقدم الرسمي أو الفعلي بها، قد جعل المنطقة في حالة ترقب متواصلة، وهذا ينمّ عن مغامرة سياسية وضعت واشنطن المنطقة فيها، ما زاد من حدة التوتر السياسي، الذي يزيد من سخونة الواقع الميداني دون ريب أو شك، وها هي إرهاصات ذلك تتمثل في المواجهات المتواصلة بين جماهير الشعب الفلسطيني من جهة وقوات الاحتلال ومستوطنيه من جهة ثانية والتي لم تتوقف والتي أطرت في أيام الجمع الأسبوعية.
غني عن القول، إن طرح الخطط السياسية يهدف أصلا لتهدئة الأوضاع وليس لتوتيرها، كذلك من الطبيعي أن يقابل الجانب الإسرائيلي خطة ترامب، رغم كل ما تشي به من انحياز يعبر عنه الآن بكل وضوح رئيس الحكومة الإسرائيلية في لقاءاته في واشنطن بانعدام وجود الخلاف بينه وبين ترامب، بالنظر لما كان بينه وبين سلفه باراك أوباما، بخطط واقتراحات إسرائيلية أكثر تطرفا على يمينها، فيما تواجه خطة ترامب باقتراحات فلسطينية أكثر عقلانية على يسارها.
فقد ظهرت خلال الأسابيع الماضية اقتراحات إسرائيلية تتحدث عن حل الدولة الواحدة عبر صيغة الكانتونات، وما سمي خطة شاكيد التي ترتكز على ضم صريح للضفة الغربية، من خلال ضم أكثر من 60% منها المتمثلة بالمناطق ج، مقابل ضم ما تبقى من مناطق أ + ب + قطاع غزة، لتكون ضمن اتحاد فيدرالي مع الأردن .
الجانب الفلسطيني لم يقف مكتوف الأيدي، فقد تحرك بسرعة بعد إعلان ترامب، وحاول ترجمة موقفه بعدم الموافقة على المشاركة في مفاوضات بالرعاية الأميركية، من خلال إدخال عنصر دولي يوازن الموقف الأميركي الذي انضم للموقف الإسرائيلي، لكن لا الاتحاد الأوروبي ولا فرنسا ولا روسيا، تقدمت بخطوة عملية، سوى بالإعلان عن أن الإعلان الأميركي إنما هو إعلان خاطئ، فما كان من الرئيس محمود عباس، إلا الإعلان عن خطة مضادة أو مقترح حل مضاد حتى لا يكون الفلسطينيون والعرب وكل المعنيين أمام خيارات إسرائيلية – أميركية فقط.
وتضمن المقترح الفلسطيني للحل، عقد مؤتمر دولي على قاعدة الشرعية الدولية، منتصف العام الجاري، وقبول دولة فلسطين دولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة، يتبعه اعتراف فلسطيني/إسرائيلي متبادل، ثم تشكيل آلية دولية لحل كل قضايا الوضع النهائي وفق الشرعية الدولية.
من الواضح بأن مبادرة الحل الفلسطينية لن تكون مقبولة على الجانبين الإسرائيلي والأميركي اللذين لا يقيمان وزنا للشرعية الدولية ولا للحق الطبيعي أو المساواة بين البشر، لكن أهمية المبادرة تكمن في أنها تنتقل بالطرف الفلسطيني من حالة الدفاع وتلقي الضربات السياسية إلى حالة الهجوم السياسي، وهي بذلك خطة اعتراضية، لصد الهجوم الثلاثي الأميركي، الإسرائيلي الرسمي والإسرائيلي الميداني، وحتى تكتمل لابد لها من أن تحاط بطرفي المثلث المضاد لمثلث العدو، ونقصد بذلك أن يتم إعلان عربي/دولي معاكس لقوة الضغط الأميركية، إعلان عملي من نمط الرد على نقل السفارة بإقامة السفارات العربية في دولة فلسطين في القدس الشرقية، أو الرد بطرد السفراء الأميركيين وليس بمكافأة ترامب بمنحه الأموال العربية، ولا بالسماح للطائرات المتوجهة لإسرائيل بالمرور فوق الأجواء العربية، ثم إطلاق اليد للمقاومة الفلسطينية لتواجه الإجراءات الاحتلالية الميدانية بمقاومة ميدانية.
أما في حال استمر عدم الرد العربي، واستمرار المواجهة الفلسطينية الميدانية، بشكل متواتر تحتمله إسرائيل، فان أقصى ما يمكن أن يحلم به الجانب الفلسطيني هو أن يجري تعديل طفيف على صفقة ترامب، وذلك بعد طرحها على الطاولة وليس قبله، حتى يبدو أن واشنطن قدمت تنازلا ما للفلسطينيين والعرب، لذا فإن محطة قمة الرياض، مفصلية، وعليها واجب أن تتخذ قرارات عملية وعدم الاكتفاء بالأقوال من نمط تأييد الموقف الفلسطيني أو المقترح الفلسطيني للحل، فلابد من أفعال على الأرض، تخرج الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية من أن يظلا تحت رحمة الطاغوت الأميركي/الإسرائيلي، وإلا فإن كل أحاديثهم عن السلام ما هي إلا أوامر بالاستسلام في المدى القريب، وما هي إلا مجرد كلام، سيتبعه عنف وحرب طويلة الأمد ومتتالية الفصول في المدى البعيد، لابد من فعل عربي/دولي، ومن رد فلسطيني ميداني، يقطع الطريق على نقل السفارة منتصف أيار القادم.