إذا كنا مقبلين على خوض حرب أخرى في الشرق الأوسط، فإننا يجب أن نبدأ بتأمل حقيقة أنها ستكون حرباً طويلة على الأرجح -ما تزال الحرب السورية في سنتها الرابعة فقط، لكن الحرب الأهلية اللبنانية استمرت 15 سنة، وما نزال في أفغانستان منذ 13 عاماً- ومن المرجح أن تكون النهاية مختلفة تماماً عما نتوقع الآن. وقد تطلبت الحرب الخاطفة التي شنتها ما تدعى “الدولة الإسلامية” أو “داعش” عبر سورية والعراق استجابة عسكرية، وحصلت عليها. لكن الحرب سوف تنتهي بحل سياسي وليس بحل عسكري.
تهدد “داعش” فوق كل شيء كلاً من سورية والعراق، وبعدهما الدول المجاورة الأخرى: العربية السعودية، الأردن، لبنان، تركيا، إيران والكويت. وقد قام الرئيس باراك أوباما بعمل جيد بتحشيده الدعم من بعض هذه الدول، لكن الضغوط السياسية عليه ليكون هو القائد تعرض خطر السماح لهذه الدول بأن تكون مجرد مساهمين رمزيين فقط. وذلك بالضبط هو السبب الذي دفع “داعش” إلى إطلاق عمليات قطع الرؤوس البشعة التي جعلتنا كلنا نقف مسمرين. وإذا ما استطاعت المجموعة استفزاز الغرب وجره إلى ما تسميه غزوة صليبية، فإنها تستطيع الاعتماد على جذب دعم متنام من المسلمين المهمشين في كل من الشرق الأوسط وبلدان مثل فرنسا وبريطانيا.
من المحبط رؤية الحكومة البريطانية الحالية وهي تتعقب خطى توني بلير على ما يبدو، الذي كان قد تجاهل النصيحة المتكررة من مسؤولي وزارة الخارجية، وأجهزة الاستخبارات الداخلية والخارجية، الذين قالوا إن سياستنا تجاه الشرق الأوسط -وخاصة حروبنا الشرق أوسطية- شكلت محركاً أساسياً في عملية تجنيد المسلمين في بريطانيا لممارسة الإرهاب هنا. وقد أشار رئيس الوزراء محقاً إلى واجب مواجهة التهديد في شوارع بريطانيا: ولكن ليس من خلال القيام بأعمال تجعل من هذا التهديد أسوأ. إن هدفنا الأول يجب أن يكون البحث عن طرق لوضع المسؤولية حيث ينبغي أن تنتمي -على شعوب المنطقة. وقد قدمت كل من العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة والبحرين والأردن مساهمات عسكرية، لكن المطلوب هناك هو تقديم مساهمات سياسية من الدول ذات الوزن الثقيل: العراق، العربية السعودية، تركيا، إيران ومصر.
قبل نحو أسبوعين، قدم النائب المحافظ روري ستيوارت التماساً بليغاً في مجلس العموم حين طالب بمنح وزارة الخارجية والوكالات الأخرى مصادر مناسبة لتحليل الشرق الأوسط وبالعمل على تطوير سياستنا الخارجية هناك. فإذا كنا نبحث، على سبيل المثال، عن قادة سنيين قبليين في محافظة الأنبار الذين ربما يستطيعون الوقوف في وجه “داعش” كما وقفوا سابقاً في وجه “القاعدة”، فإنه يمكن القيام بذلك عن طريق البحث في الإنترنت أو يمكن أن يقوم به بعض المستشارين الخاصين في 10 داوننغ ستريت.
إن سورية تشكل معضلة. وليست الخطوة التالية للبرلمان البريطاني هي أن يقوم ببساطة بالتفويض باتخاذ إجراءات حربية، بما أن العمليات في العراق تؤكد ما هو واضح أصلاً- من أن اللجوء إلى حل عسكري في العراق من دون سورية هو شأن مستحيل. يجب ملاحظة أن الوضع القانوني بين البلدين مختلف للغاية. إن التدخل في العراق بناء على طلب حكومة شرعية سيكون مرتكزاً على أسس قانونية مناسبة، لكن العثور على أي أسس قانونية لتبرير العمل العسكري في سورية يظل مسألة إشكالية. ربما سيكون علينا القبول بحقيقة أننا دعمنا ووضعنا رهاننا على الحصان الخطأ، مقودين بالأمل المضلل بأن معارضة الشعب السوري سوف تتمكن من وضع نهاية لنظام غير سار على الإطلاق. سوف تكون هناك حاجة إلى التفاوض والتسويات. وفي هذه المسائل السياسية بالتحديد ربما تمتلك بريطانيا شيئاً فريداً لتعرضه. ولا شك أن الكثيرين من الناس في المنطقة يعتقدون بأننا نمتلك ذلك الشيء فعلاً.
يقال لنا أن الولايات المتحدة حريصة جداً على وجود بريطانيا إلى جانبها. وذلك جيد، لأنه يعطينا الفرصة لاستخدام تأثيرنا مع أميركا. فما الذي ينبغي أن نفعله؟
أولاً، يبغي أن نعزز ونصر على احترام القانون الدولي. وبوصفنا قوة متوسطة الحجم ودولة تجارية رئيسية، فسيكون لدينا قدر أكبر مما هو على المحك وتحت الخطر من الولايات المتحدة. ولن يكون أوباما ضد ذلك؛ إنه ليس جورج دبليو. بوش.
بعد ذلك يجب أن نبقي دائماً على الباب مفتوحاً أمام المفاوضات. ربما يكون ذلك شيئاً غير قابل للتفكير فيه الآن، لكنها ستكون ثمة حاجة إلى الحديث في نهاية المطاف مع أي شيء يمكن أن يتطور عن “داعش” في شكلها الحالي، أو من شظاياها. وتشكل تجربة إيرلندا الشمالية مثالاً ذا صلة: “لا حديث مع الإرهابيين” ربما يكون شعاراً جيداً، لكنه يسلم فقط إلى الجمود والنهايات المغلقة.
ثالثاً، يمكننا تقديم المساعدة من خلال دبلوماسيتنا في تحشيد الدعم في المنطقة. على سبيل المثال، تبقى إيران مشكلة مراوغة مثلها مثل سورية. إنها تتقاسم معنا هدفنا المتمثل في وضع “داعش” تحت السيطرة؛ ولها أصول عسكرية ربما تكون الأكثر فعالية، والتي عدا عن تلك الموجودة في العراق وسورية نفسها، تظل القوة المتاحة أكثر ما يكون في المنطقة؛ لكنها شرعت تواً فقط في الخروج من عداوة بعمر جيل مع الولايات المتحدة. ويجد كل من الطرفين صعوبة في رؤية الآخر أي شيء سوى وحش ملطخ بالدماء. لكننا ساعدنا ويمكن أن ساعد أكثر في إعادة إيران إلى الحظيرة الدولية.
وأخيراً والأهم، هو أنه ينبغي علينا أن استخدام بعض النوايا الطيبة الأميركية التي حصّلناها بشق الأنفس في اتخاذ خطوة كنا قد انتظرناها طويلاً: ينبغي علينا أن نعترف بفلسطين، ويفضل أن نجلب معنا إلى ذلك البقية القليلة الرافضة من أعضاء الاتحاد الأوروبي وأن نضع نفسنا نحن وهم في صف بقية العالم. وكان السير فنسنت فين، القنصل العام البريطاني السابق في القدس، قد عبر عن هذه القضية ببلاغة في مقالة صحفية نشرها هذا الأسبوع. والطريق إلى ذلك مهيئة، حيث يشير فين إلى أن بريطانيا كانت قد لاحظت في الأمم المتحدة قبل ثلاث سنوان أن “السلطة الفلسطنية طورت بنجاح القدرة على إدارة دولة ديمقراطية وسلمية، مؤسسة على حكم القانون وتعيش في سلام وأمن مع إسرائيل… وتفي فلسطين إلى حد كبير بالمعايير القانونية والفنية للحصول على عضوية الأمم المتحدة، بما في ذلك إقامة الدولة، طالما سمح الاحتلال بذلك”. وسوف تكون مثل هذه الخطوة إعادة تأكيد على سياستنا، القائمة أصلاً على حل الدولتين. ما هو حل الدولتين من دون قبول هاتين الدولتين؟
سوف يكون تأثير ذلك على موقفنا في الشرق الأوسط وقدرتنا على التأثير في الأحداث هناك إيجابياً للغاية. إنه لن يلحق بنا أي أذى في أوروبا. أما بالنسبة لأميركا، فسيكون من المناسب أن نبحث عن موافقة الجمهور، بما أن أيدي الإدارة هناك موثقة بالكونغرس (رغم أن أوباما نفسه كان قد تعرض لمعاملة مزدرية من رئيس الوزراء الإسرائيلي، ولذلك ربما يمكنه أن يرى هذه النقطة).
سوف يكون من شأن هذه الخطوة أن تشبه إعلان البندقية في العام 1980، عندما حددت بريطانيا ومجموعة من الدول الأوروبية البارزة إطار مفاوضات لإسرائيل والعرب، والقائم على مبدأ مقايضة الأرض بالسلام (والذي تحول إلى فكرة حل الدولتين). ولم تحب أميركا ذلك في حينه، لكنها التقطته في نهاية المطاف وركضت به. سوف يحب أي مالك كلب لائق أن ينبح هذا الكلب بين فينة وأخرى.
في الأثناء، وفيما يخص سورية والعراق، ينبغي لنا الاستفادة من استعدادنا لاستخدام القوة في دفع الحكومة العراقية الجديدة إلى تطوير نهجها الشمولي، في تضاد مع الفرض القاسي للهيمنة الشيعية الذي مارسته سابقتها. ولا تستطيع سوى الحكومة العراقية أن تستعيد ولاء السنة، الذي قادهم يأسهم إلى أيدي الرجال المتسربلين بالسواد. وليس سوى بوجود الجنود العراقيين على الأرض ستستطيع قوتنا وقوة الأميركيين أن تسود. ثم، بعد الهزة القادمة للمشهد، ينبغي أن نعثر على طريقة لعمل الشيء نفسه في سورية.
الغد الاردنية