طالما كان عماد أي ثورة أو كفاح الشعوب هم الشباب ، و أينما وجد احتلال و استعمار وجدت المقاومة المشروعة بكافة أنواعها فأحدهما سبب وجود الأخر، وما يحدد شكل المقاومة الظروف والواقع والقدرات والبيئة المحيطة محلية ودولية و العديد من المحددات.
إن اتخاذ قرار القيام بأحداث السابع من أكتوبر كان له المؤيد و المعارض وبما فيها فئة الشباب ، ولن أدخل في الأسباب المزعومة التي أدت إلى ذلك عبر حزب يمثل شريحة معينة من الشعب الفلسطيني ، فالشباب كأي فئة من المجتمع هناك من هو ينتمي إلى أحزاب الاسلام السياسي ، اليسار ، العلمانية و المستقلين.
يتصف ذو التوجه الإسلامي بتنفيذ أي قرار دون مناقشة أو إبداء رأي لأنه يعتبر ذلك من طاعة الله والرسول ، في حقيقة الأمر هي طاعة عمياء ، وخلاف ذلك فأنت منافق في الدرك الأسفل من النار سواء كان هذا القرار يتم التشاور به مع جماعة المرشد في طهران أو جماعة الإخوان في تركيا و قطر فكلاهما خارج حدود فلسطين و بعيدا كامل البعد عن مصالح الفلسطينيين و همومهم و ظروف معيشتهم فأهل مكة أدرى بشعابها ، و ما أظهرتها الأحداث الحالية و نتائجها المستقبلية غياب الوعي السياسي و الوطني لدى هذه الفئة وهو أمر متعمد يتم زرعه داخل الأيديولوجيا لهذه الأحزاب.
أما بالنسبة لباقي الفئات فهي تبدي معارضة ، تناقش ، تطرح أفكارها ، تحاور ، تقدم استقالتها كنوع من الاحتجاج ما يثبت على عدم وجود الطاعة العمياء وقد تتفاوت نسبة ذلك من حزب إلى أخر و ما يبرهن على وجود بعض الوعي السياسي و الوطني عند اتخاذ القرارات.
لقد كانت الظروف الاقتصادية و السياسية في المجتمع تجبر عدد محدد من فئة الشباب بالهجرة للبحث عن مستقبل أفضل خوفاً من وصول قطار العمر إلى نهاية الطريق دون تحقيق الحد الأدنى من أهدافهم المرسومة، وفقاً لأحدث احصائيات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية فإن حوالي 60 % من إجمالي المهاجرين من قطاع غزة من الشباب.
ولكن اليوم ظهرت محددات جديدة تؤثر في مكانة و مستقبل هذه الفئة و هي الأثار المستقبلية المترتبة على هذه الحرب الأكثر فتكاً بالبشر، لم يراعي الأنانيين أصحاب قرار الحرب أي أبعاد مستقبلية لقرارهم بل نسي أو تناسوا قول الله تعالى ( وأمرهم شورى بينهم ) وأن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يشاور أصحابه ويأخذ برأيهم في أي قرار وخاصة قرار الحرب والسلم ، فهذه الجماعة تجاهلت جميع المكونات السياسية للشعب الفلسطيني، فدفع الجميع الثمن خسر الطفل طفولته ، أصبحت المرأة أرملة جريحة ، خسر الشباب مستقبله ، سلبت كرامة المسنين ، تحولت غزة إلى مكان البؤساء و المشردين و المتسولين ، والمطلوب من الجميع أب يصبروا وينتظروا إعادة إعمار منازلهم و أحلامهم و أعمارهم حتى ذلك الوقت يكون الطفل شاباً والشاب أصبح أبيض الشعر وقد مر قطار العمر سريعاً.
وسط هذا الدمار فقدت الشباب ما تبقى لهم من مصدر رزق وبالتالي لقد أصبحت دوافع و أسباب الهجرة أكثر حضوراً و إقناعا وكل ما يعرقل ذلك بعض المال والوقت ، بينما أنت تتجول بين مخيمات النازحين وما تبقى من طرقات وأزقة تسمع صدى أنين الشباب على ما مضى من أعمارهم و ما تبقى منها.
قبل اليوم المشؤوم حاول بعض المثقفين و السياسيين إبداء النصائح للشباب بعدم الهجرة وترك الوطن ، بعد ذلك اليوم كانت لهذه الفئة دور مهم من خلال المشاركة في كافة الفعاليات والأنشطة الداعمة لغزة و القضية الفلسطينية و توضيح حقيقة ما يجري للعالم ، كما كان عليهم العمل من أجل تحويل الأموال لأسرهم النازحة المكلومة فكانوا عوناً و سنداً لها في هذه الأوقات الكارثية وسيكونون كذلك لأنها ستمدد إلى أثار ما بعد الحرب .
أمام هذه التحديات و الأثار لا يوجد أما الحكومة الجديدة و المؤسسات والأحزاب سوى حلول اقتصادية عاجلة للحد من هجرة الشباب الذين هم مركز المجتمع ولكن حل كهذا فهو صعب التحقيق لأننا بحاجة إلى سنوات لإعادة إعمار و إنشاء المصانع والمنشآت الاقتصادية المدمرة.
فماذا لو ذهبت الحكومة و المؤسسات لجلب عقود عمل في شركات خارجية للشباب بدلاً من أن يعبروا الصحراء أو البحر أو الغابات من أجل الوصول لغايتهم ويموت الكثير ، و بالتالي يكون لهم مساهمة اقتصادية لأسرهم ومجتمعهم وهم في المهجر .
في النهاية لا أحد يستطيع أن يقنع من اتخذ القرار بأن غداً أفضل ولكن يمكن الاستفادة من القرار المتخذ لصالح المجتمع مستقبلاً.
وفي وجه هذه العاصفة المدمرة على الجميع أن يتحلى بروح المسؤولية وأن يترك الأنانية الحزبية ومصالحها الضيقة وأن يثابروا لإيجاد الحلول للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ، من بينها قضايا الشباب وذلك من أجل الأجيال الفلسطينية .