كانت «أزمة القبور» عند اللاجئين الفلسطينيين أحد الأسباب التي أدت إلى اشتعال أحداث مخيم نهر البارد أخيراً. فأبناء المخيمات، كما ضاقت بهم الأرض، ضاقت بهم المدافن، تارة لأنه لا مكان، وتارة لأن المدفن أصبح نقطة عسكرية!
قاسم س. قاسم – الاخبار اللبانية /عاد الهدوء مجدداً إلى مخيم نهر البارد. لكن سبب مقتل فؤاد لوباني لم يحل بعد. توفي الرجل بعدما أطلق الجيش النار على مشيعي الفتى أحمد قاسم، الذين كانوا بدورهم قد رشقوا النقطة العسكرية في «أرض صامد» بالحجارة. فالأرض التي تقع فيها نقطة الجيش، كان من المفترض أن تكون جبّانة لأبناء المخيم الذين امتلأت مقبرتهم القديمة بالموتى، لكن الجيش «صادر هذه الأرض وأقام نقطة عسكرية فيها، مانعاً الناس من الاقتراب منها»، كما قال لنا أحد أبناء المخيم، رافضاً الكشف عن اسمه.
كيف توفي لوباني؟ خلال تشييع الشهيد قاسم في اشتباك سابق مع الجيش احتجاجاً على اعتقال أحد أبناء المخيم وضرب والدته، حار المشيّعون أين يدفنونه. فجبّانة خالد بن الوليد امتلأت عن بكرة أبيها. وبما أن الدم لم يكن قد برد بعد، أراد أبناء المخيم الغاضبين «استرداد حقهم بالدفن في أرض صامد، لكن إطلاق الجيش للنار عليهم منعهم من ذلك»، يقول أحد مسؤولي اللجنة الشعبية هناك الذي رفض الكشف عن اسمه. يضيف: «بعدما منعنا من ذلك دفناه على باب جبانة خالد بن الوليد».
لكن المشكلة لا تنحصر بمدافن البارد فقط؛ إذ تعاني مدافن الفلسطينيين في لبنان، تماماً كالمخيمات، من اكتظاظ، ما يدفع أهل الميت إلى تكبد، إضافة إلى عناء فقدان الغالي، عناء تدبير مكان لدفنه.
في مخيم برج البراجنة، وكما باقي المخيمات، لم يعد الحل المؤقت الذي كان قد وجده اللاجئون في دفن «الأقارب بعضهم فوق بعض» مجدياً. فاستيعاب الجبانة للموتى الجدد لم يعد ممكناً؛ فقررت اللجنة الشعبية في المخيم توسعة الجبانة «داخلياً»، فهدمت الغرفة المخصصة للصلاة على الميت. هذه الخطوة فتحت المجال لإضافة 100 قبر جديد فقط؛ ما دفع اللجنة الشعبية إلى الطلب من الأهالي التزام دفن الأقارب فوق بعضهم، لتخصص القبور المئة الجديدة لفلسطينيي بيروت خارج المخيم.
هذه الخطوة قد تساهم في تأجيل أزمة اكتظاظ المدافن لأشهر أو أسابيع، حسب «نشاط ملاك الموت»، لكنها لن تكون حلاً.
ومنذ عام تقريباً، تبرع النائب وليد جنبلاط بقطعة أرض في منطقة سبلين لتكون مدفناً للفلسطينيين.
فرزت الأرض بطريقة تستطيع استيعاب أكبر عدد ممكن من المتوفين. لكنّ فلسطينيي تجمعات منطقة وادي الزينة بدأوا بدفن موتاهم فيها، إضافة إلى أبناء مخيمات بيروت. حالياً، يمكن اعتبار هذه الجبانة المنفذ الوحيد، وخصوصاً بعد امتلاء مدافن شاتيلا داخل المخيم، وبرج البراجنة، تقريباً.
وكما في بيروت، كذلك في الجنوب؛ فجبانة عين الحلوة «فوّلت»، ما اضطر أبناء المخيم إلى جمع الأموال لشراء أرض في درب السيم كمدفن باسم الوقف الإسلامي، بعد شرائها من قبل جمعية الأسرى والشهداء التابعة لمنظمة التحرير. لكنها ستُسجَّل باسم دار الإفتاء؛ لأن الفلسطينيين لا يستطيعون التملك. لذلك، تبرعت الفصائل الفلسطينية ورجال أعمال فلسطينيون بسعر قطعة الأرض التي يجري تجهيزها لتتحول إلى مقبرة لأكبر مخيمات لبنان. اكتظاظ مدافن المخيم ولّد مشاكل أخرى للاجئين. فالفلسطيني القاطن خارج المخيم سيجد صعوبة في الدفن داخله، وخصوصاً إذا لم يكن قد دفن أياً من أقاربه في المخيم مسبقاً، ما يحتم على أهل الراحل أن يوفروا قطعة أرض في جبانة المخيم، إذا وجدت، كي يدفن فيها.
ما زاد الطين بلة، منع دار الإفتاء منذ شهرين الفلسطينيين من الدفن في جبانة دار الإفتاء بالقرب من روضة الشهيدين.
تذرعت الدار بأنها تعاني من أزمة قبور، وأنها لن تستطيع السماح للفلسطينيين بالدفن فيها؛ لأن اللبنانيين أنفسهم يعانون من هذه الأزمة(!!). وقالت دار الإفتاء للسفارة الفلسطينية: «افتتحتم جبانة سبلين وحلت مشكلة موتاكم، لذا لن نسمح لكم بشراء قبور جديدة في جبانة الدار»، يقول أحد الذين تواصلوا مع دار الإفتاء.
من جهتها «فاوضت» السفارة الفلسطينية مع «الدار» كي تعطيها الأرض المقابلة لجبانة الدار في منطقة الغبيري ليدفن لاجئو مخيمات بيروت موتاهم فيها، لكن تبين أنّ هناك نزاعاً بين «دار الإفتاء والمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى عليها»، كما يقول مسؤول في السفارة. يشار إلى أن اللجنة الشعبية في شاتيلا، المخيم الأكثر تأثراً بهذا القرار، كانت قد طلبت من السفارة الفلسطينية توفير مدفن لها في بيروت.
من جهتها تقول مصادر في دار الإفتاء لـ«الأخبار» إنه «لا خلفية سياسية أو عنصرية تجاه هذا القرار؛ إذ إن أبناء بيروت يعانون أزمة في المدافن، لذلك من الطبيعي أن تكون الأولوية لهم». وتضيف تلك المصادر المطلعة على الملف: «تأتينا حالات دفن من البقاع أو الشمال، فنطلب من الأهل دفن فقيدهم في مناطقهم». لكن «يسمح لمن كان يملك قبراً لفقيد في تلك الجبانة أن يدفن فيه».
هكذا، تبقى المشكلة؛ فالأموات بحاجة إلى مكان ينامون فيه.
يمكن للاغنياء الفلسطينيين ان يدفنوا موتاهم اينما ارادوا، فهؤلاء بإمكانهم شراء قطعة ارض في اي مكان، ان في الجبانات اللبنانية او الفلسطينية. ويقول الباحث الفلسطيني د. سهيل الناطور ان الحل الافضل لمشكلة المدافن واكتظاظها هو ان «يشتري الاغنياء الفلسطينيون قطعة ارض ليدفن فيها الفقراء معهم ايضاً». يضيف الناطور أن «الفلسطينيين المسيحيين لا يعانون اي مشكلة في ايجاد مكان لدفن موتاهم فهم يعاملون كالمسيحيين اللبنانيين».