هناك خلط بين ضرورة التوافق الفلسطيني، وهي مسألة يمكن حلها داخليا، وبين ضرورة ان تنسحب حماس من المشهد السياسي ومن قطاع غزة على وجه الخصوص لصالح السلطة الوطنية الفلسطينية، وهي مسألة تتعلق بالمساعي الفلسطينية والعربية والدولية لمواجهة مخطط التهجير، ومن اجل إفساح المجال امام البدء في عملية الاعمار بأسرع وقت.
انسحاب حماس من المشهد هو امر يجب ان يسبق اية خطوة أخرى في مثل هذه الظروف التي تجري خلالها محاولة خطيرة لتصفية القضية الفلسطينية، وتهديد الامن القومي العربي بشكل خطير، هذه الخطوة من قبل حماس ستدخلها التاريخ من الباب الصائب، إما اذا اصرت على الهروب الى الامام من خلال الرسائل بانها ستواصل حكم القطاع، فسيكتب التاريخ انها بمغامرة السابع من أكتوبر 2023 قد جرت على قطاع غزة حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية، التي حولت القطاع إلى منطقة لا تصلح للحياة، وإذا اصرت على عدم الخروج الطوعي من المشهد، فانها قد تقود الى التهجير.
فيما يتعلق بالتوافق الفلسطيني، فانه سيأتي على أرضية انسحاب حماس الطوعي، لأنها إذا فعلت ذلك فإن من حقها ضمان بقائها، او عودتها في المستقبل عبر الشرعية الفلسطينية، وضمن الآليات المعمول بها، وفي هذا الإطار يمكن ان تحصل حماس على ضمانات عربية وفلسطينية تعود من خلالها لاحقا للمشهد.
وما علينا جميعا أخذه بالاعتبار أنه لا مكان لفصائل مسلحة في المستقبل، وإنما لأحزاب سياسية تعمل في إطار النظام السياسي للسلطة الوطنية الفلسطينية، من خلال اعتماد مبدأ سلاح واحد يكون حكرا على السلطة التي هي لن تكون ملك لأي فصيل بعينه انما للشعب الفلسطيني عبر صناديق الاقتراع.
ما تقوم به حماس من استعراضات عسكرية، انما يحرض الرأي العام العالمي ليس ضدها وحسب وإنما ضد الشعب الفلسطيني، او على الاقل هو يوفر لاسرائيل كل الأسباب والمبررات لطرح مشاريعها لتصفية القضية الفلسطينية.
وعندما تقول حماس “نحن الطوفان ونحن اليوم التالي” فإنها توجه رسالة سلبية للعرب وفيها امعان خطير للاستمرار في الانقسام، وفصل القطاع عن الضفة، وهو ما يتقاطع مع اهداف نتنياهو واليمين المتطرف الإسرائيلي في منع قيام دولة فلسطينية، عبر رفضه استلام السلطة الفلسطينية للقطاع.
لعل مفتاح الخروج من المأزق بيد حماس. ولكن هو ايضا بيد الدول العربية التي يجب ان تقول لحماس بصوت موحد وحازم: تنحي عن المشهد، كما ألمح امين عام الجامعة العربية احمد ابو الغيط، فالحسم في هذه المسألة يمثل الخطوة الأولى في خلق بديل عربي عن مشروع ترامب للتهجير.
وعلى الدول التي تحاول ابقاء حماس في المشهد في إطار مصالحها الضيقة ان يوضع لها هي الأخرى حد. اما فيما يتعلق بإعادة بناء السلطة الوطنية الفلسطينية، او إعادة تأهيلها باعتباره شرطا لحكم قطاع غزة، فانه يمكن الاتفاق على برنامج عمل، على ان يكون الهدف منه تمكين السلطة وليس افشالها لمصلحة نخب لا هوية وطنية لها.
تفريغ السلطة من محتواها الوطني لن يخدم الاستقرار الموعود، خصوصا ان السياسة العامة للسلطة هي سياسة لا تدعو لاستخدام للقوة المسلحة لتحقيق الاهداف انما النضال الشعبي السلمي، كما انها تعمل ضمن منظومة الشرعية الدولية لا خارجها. فالدول العربية اليوم امام اختبار سياسي كبير وخطير، فإما أن تكون حاسمة وبشكل جماعي، وان تقول ما يجب ان يقال فيما يتعلق بإعادة بناء قطاع غزة، او اننا نذهب نحو مشروع ترامب باقدامنا، ونسمح لنتنياهو بتصفية القضية الفلسطينية، واقتحام الامن القومي العربي وتهديد وجود العرب كأمة.
لا يمكن البدء بأي خطة، او طرح البديل لمخطط التهجير من دون ان تبادر حماس، للانسحاب من المشهد، وإعادة بناء نفسها لاحقا كحركة سياسية تعمل ضمن العملية الديمقراطية، والانسحاب يعني ان تحل حماس جناحها العسكري، وان تنهي اي ارتباط لها باي اجندة خارجية، وان تعلن للعالم ان السلطة الوطنية الفلسطينية هي صاحبة الولاية على قطاع غزة. ان القيام بذلك لا يعني استسلاما وإنما محاولة لانقاذ الشعب الفلسطيني ومنع تصفية قضيته الوطنية، وهي بالأساس محاولة لقطع الطريق على التهجير، وإذا نجحنا في وقف كل ذلك يكون الشعب الفلسطيني قد انتصر فعلا.
قد يطرح سؤال: ما هي الضمانة ألا يحصل التهجير بعد ان تقوم حماس بالخروج من المشهد؟ الجواب ان الفلسطينيين والعرب والمجتمع الدولي سيكون لديهم سلاح أقوى في التصدي لمخطط التهجير خصوصا اذا ربطنا هذه الخطوة بخطة عربية فلسطينية متكاملة لإعادة بناء غزة من دون تهجير سكانه وتقنع ترامب بوقف تهديداته، وان تقود الخطة الى بناء مجتمع فلسطيني يؤمن بالسلام.
هناك حاجة ان تدرك حماس ان خطأها الكبير لم يبدأ بمغامرة الطوفان انما عندما سيطرت بالقوة العسكرية على قطاع غزة عام 2007 وفصلته عن الضفة، وما تلا ذلك من تطورات اوصلتنا إلى ما نحن فيه اليوم من كارثة، من هنا قد يكون المدخل لعودة حماس للمشهد السياسي يتطلب ان تجري حماس مراجعة لتجربتها منذ تأسيسها، ولكي نكون منصفين هناك حاجة ان يدخل الكل الفلسطيني بورشة المراجعة هذه كي نفتح صفحة جديدة إيجابية للعمل الوطني الفلسطيني.
عن صحيفة الحياة الجديدة