كان رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، قد سعى إلى جعل الحياة في بلده طبيعية. وفي الوقت الذي اشتعل فيه الشرق الأوسط كله، كان الاقتصاد الإسرائيلي يزدهر. والمقاهي التي كان قد أفرغها المفجرون الانتحاريون الفلسطينيون من روادها قبل عقد من الآن، أصبحت تغص ثانية بالزبائن. ولم يتظاهر المحتجون في القدس وتل أبيب من أجل الحرب والسلام وحسب، وإنما تظاهروا بقدر أكبر من الحماس من أجل أسعار الجبنة في الأكشاك.
هذه الحياة العادية غير الطبيعة أصبحت الآن تحت التهديد. فبعد هدنة دامت عامين، أمطرت الصواريخ المنطلقة من غزة على إسرائيل. وقامت قوات جيش الدفاع الإسرائيلي بقصف مئات المواقع في غزة. ويستعد الجيش الإسرائيلي الآن لتعبئة ما يصل إلى 40.000 من جنود الاحتياط. ويجري الحديث عن هجوم بري يُشن ضد حماس التي تحكم غزة. وينزلق الفلسطينيون الذين قُتل 70 منهم على الأقل حتى كتابة هذا التقرير في اتجاه انتفاضة ثالثة.
كانت غلطة نتنياهو -والتي واكبتها تصرفات السيد محمود عباس،هي الاعتقاد بإمكانية إدامة نسختهما من الحياة الطبيعية ببساطة عن طريق إدارة الصراع. لكن مجرد إبعاد طيف المواجهة لا يكفي، وسيظل الوضع عرضة للذهاب دائماً إلى العنف. وسوف يأتي السلام الدائم فقط عندما يتوصل الطرفان إلى تسوية شاملة للصراع.
أكثر من مجرد الصيانة
اندلعت أعمال العنف الحالية بسبب مقتل ثلاثة من المراهقين الإسرائيليين الذين تم اختطافهم وهم في طريق عودتهم من الدراسة في مدرسة دينية في مستوطنة إسرائيلية في الضفة الغربية. واتهم نتنياهو حركة حماس -على أساس أدلة ما تزال غير واضحة- مما أفضى إلى اعتقال المئات من الفلسطينيين، بما في ذلك بعض السجناء الذين كان قد أفرج عنهم مؤخراً في إطار خطة برعاية أميركية، مصممة لتعزيز محادثات السلام مع السيد عباس. وفي رد انتقامي على مقتل شاب فلسطيني في المقابل، قام نشطاء فلسطينيون بإطلاق صواريخ على إسرائيل. ورد الجيش الإسرائيلي بقوة مميتة. وخلال أيام قليلة قصيرة، جرى استبدال الغضب الأصلي بمنطق تصعيد الفعل ورد الفعل.
هذه الهشاشة هي عرَض من أعراض تأثير المتطرفين على كلا الجانبين. ويرى البعض من اليمين الإسرائيلي فرصة في الأحداث الأخيرة لسحق حماس التي ضعفت في غزة، سواء بسبب عدم كفاءتها الخاصة أو بفعل قيام الحكومة المصرية الجديدة بإغلاق الأنفاق المؤدية من سيناء إلى غزة. لكن الاحتمال الأكثر ترجيحاً هو أن تؤدي القوة الإسرائيلية إلى إعادة إحياء حماس وليس إلى كسرها. سوف يتمكن الإسلاميون من حشد الدعم مرة أخرى باسم المقاومة الرئيسية للمحتلين المكروهين، في حين يتركون السيد عباس أقرب شبهاً بجاسوس.
لا يمانع الإسرائيليون من الوسط السياسي مهمات دورية تكون مصممة لإخماد فورة حماس -عمليات “جز العشب” كما يسمونها. والفكرة هي أن العرض الوحشي للقوة يمكن أن يشتري الوقت لبضع سنوات إضافية أخرى من الحياة الطبيعية. ومع ذلك، أخذ القيام بهذا يصبح أكثر صعوبة الآن. وحتى لو أن صواريخ حماس ما تزال غير دقيقة ونادراً ما تكون قاتلة، فقد وصلت آخرها إلى أجزاء من شمال إسرائيل، والتي تبعد 125 كيلومتراً عن قطاع غزة. وسوف يرفض الناس في تل أبيب والقدس، ولأسباب مفهومة، فكرة العيش تحت التهديد المستمر. وتستطيع إسرائيل بالطبع أن تضرب أعداءها بحماس وقسوة أكثر دموية باطراد. لكن استخدامها الغامر للعنف، والذي يترك دائماً قتلى فلسطينيين أكثر بكثير من الأموات الإسرائيليين، بدا أمام العالم المراقب في كثير من الأحيان مفرطاً ومتجاوزاً للحدود، جعل مكانتها الدولية، التي تهتم بالإسرائيليين المعتدلين، تهوي مرة أخرى.
على أي حال، يبدو الوضع الراهن في الجانب الفلسطيني غير قابل للدفاع عنه. عباس متعب. وتحت قيادته، أصبحت الحياة الطبيعية للفلسطينيين في الضفة الغربية تعني القبول بالاحتلال الإسرائيلي، ومن دون وجود حتى مجرد أفق لقيام الدولة، يصبح الفلسطينيون هناك نافذي الصبر باطراد.
لجميع هذه الأسباب، يصنع فشل نتنياهو في جعل السلام أولوية واقعاً خطيراً. إنه لم يحقق الاستفادة القصوى من الخطة الأخيرة التي طرحها وزير الخارجية الأميركي جون كيري. وقد سعى هو والسيد عباس بتهور إلى استغلال المزايا قصيرة الأمد خلال المحادثات، وتركا بلديهما مكشوفين أمام الذين يجادلون بأن الصراع هو كل ما تبقى بعد أن استنفدت الآمال في تحقيق السلام. وهذا خطأ جسيم. إن قيام دولتين؛ واحدة للإسرائيليين وواحدة للفلسطينيين، ما يزال يشكل أكبر أمل للسلام في المنطقة. وكانت عناصر الاتفاق وما تزال معروفة تماماً للجميع. لكن ما ينقصنا هو توفر القناعة لدى العاقلين بأن هناك حاجة إلى تحقيق مثل هذه التسوية الآن. ومن دون هذه القناعة، فإن الحياة الطبيعية في إسرائيل سوف تختلط دائماً بريح من اللاواقعية.
الإيكونوميست