القدس/ كشفت مصادر غربية أمس الاحد عن أن إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما وجهات أوروبية، وجهت رسائل إلى الرئيس الفلسطيني محمود عباس، تطلب فيها أن يوقف مشروعه لرفع مكانة منظمة التحرير في الأمم المتحدة إلى “دولة غير عضو”، بدعوى أن خطوة كهذه ستساعد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وحليفه أفيغدور ليبرمان، على تحقيق فوز كاسح في الانتخابات المقبلة.
وقالت هذه المصادر، حسب تقريرين نشرا أمس، في الصحيفتين الإسرائيليتين “معاريف” و”يديعوت أحرونوت”، إن الأميركيين والأوروبيين أقاموا اتصالات مكثفة مع مكتب الرئيس عباس في رام الله ومبعوثيه في الخارج، وقالوا لهم إن تمرير قرار في الجمعية العامة بروح الطلب الفلسطيني، سيستغل في إسرائيل من جانب اليمين، بما يضعف قوى الوسط واليسار في الانتخابات التي ستجري في 22 يناير (كانون الثاني) المقبل. وهذا بالضبط ما يريده نتنياهو وليبرمان؛ فهما يسعيان إلى الهرب من طرح أجندة اقتصادية – اجتماعية على هذه المعركة الانتخابية، وفرض أجندة سياسية – أمنية، ويخططان للرد على المشروع الفلسطيني بسلسلة إجراءات عقابية ضد السلطة الفلسطينية، مثل حجب أموال الضرائب والتسبب في تشديد أزمتها المالية.
وقالت هذه المصادر إنها تتصور سيناريو صعبا في أعقاب هذا المشروع، إذ إن اليمين المتطرف لن يكتفي بإجراءات نتنياهو، وسيطالبه بإجراءات أقسى، مثل إلغاء اتفاقيات أوسلو وضم مناطق من الضفة الغربية إلى تخوم إسرائيل وإخضاعها للسيادة الإسرائيلية، وتبني تقرير القاضي إدموند ليفي الذي لا يعتبر الضفة الغربية منطقة محتلة، ويجيز إعطاء الشرعية للبؤر الاستيطانية، وهذه الإجراءات أو بعضها ستلهب المعركة الانتخابية لصالح اليمين.
لكن التقديرات الإسرائيلية تقول إن الفلسطينيين لا يقبلون هذا التوجه الغربي، ويصرون على المضي قدما في مشروعهم، “حتى وهم يعرفون أن الغرب قد ينضم إلى العقوبات عليهم”. ويقولون إنهم احترموا رغبة الولايات المتحدة ولم يطرحوا مشروعهم للتصويت قبيل الانتخابات الأميركية، لكنهم ينوون طرحه في الخامس عشر من الشهر الجاري، الذي يصادف يوم التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني، ويعتبره الفلسطينيون يوم استقلالهم الرسمي منذ أن قرر المجلس الوطني في الجزائر في 15 نوفمبر (تشرين الثاني) 1988 إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس على حدود 1967. وقد يختارون موعدا آخر ليس بعيدا هو 29 الجاري، الذي يصادف ذكرى قرار الأمم المتحدة سنة 1947 تقسيم فلسطين إلى دولتين: يهودية وعربية.
وأضافت صحيفة “يديعوت أحرونوت” أن النرويج تبلور اقتراح حل وسط لهذه المعضلة، بموجبه يتم الاعتراف بفلسطين دولة غير عضو في الأمم المتحدة بشرط أن تتعهد السلطة الفلسطينية بالعودة إلى طاولة المفاوضات مع إسرائيل دون شروط مسبقة وبشكل فوري. وتسعى النرويج للحصول على تأييد جميع دول الاتحاد الأوروبي (27 دولة) لاقتراحها. وحسب التقديرات الإسرائيلية، فإن الأوروبيين سيختلفون حول الموضوع وسينقسمون في تصويتهم إلى ثلاثة أقسام، ما بين مؤيد ورافض وممتنع، لكن الفلسطينيين سينجحون في تمرير مشروعهم.
وتقول أوساط في وزارة الخارجية الإسرائيلية إن معلومات نمت إليها، تفيد بأن الفلسطينيين يستعدون من الآن إلى اليوم الذي يلي تمرير القرار بالاعتراف بفلسطين دولة غير عضو في الأمم المتحدة، وذلك بوضع لائحة خطوات ضد إسرائيل، في مقدمتها التقدم بدعوى ضد رئيس الوزراء نتنياهو، ووزير خارجيته، وقادة المستوطنات، تتهمهم بارتكاب جرائم حرب ضد الشعب الفلسطيني، وخرق مواثيق الأمم المتحدة في المناطق المحتلة. وتستخدم إسرائيل هذه المعلومات في محاولاتها إقناع العالم بأن وجهة الفلسطينيين ليست للتسوية السياسية، بل في مجابهة إسرائيل في حرب على الساحة الدولية.
من جهة ثانية، كشفت صحيفة “معاريف” أمس، عن تقرير أعدته وزارة الخارجية الإسرائيلية ينتقد سياسة رئيس الحكومة ووزير خارجيته في هذه القضية، ويفيد بأن الجمود السياسي على المسار الفلسطيني يضر بإسرائيل. وقالت الصحيفة إن التقرير الذي وصفته بأنه سري للغاية، يشكك في أسس سياسة كل من نتنياهو وليبرمان الساعية لعرقلة وإحباط محاولات السلطة الفلسطينية الحصول على اعتراف أممي بدولة فلسطينية في حدود عام 67، من جهة، والإصرار على مطالبة الفلسطينيين بالاعتراف بإسرائيل دولة يهودية من جهة ثانية. وبحسب الصحيفة فإن التقرير المذكور يؤكد أن هذين المبدئين لنتنياهو وليبرمان لا يساهمان في تعزيز بقاء إسرائيل ووجودها، بل إن معد التقرير، الدبلوماسي دي جي شنيفس، الذي عين مؤخرا قنصلا إسرائيليا عاما في تورونتو الكندية، يعتقد أن إطلاق مبادرة سياسية من إسرائيل سيعزز ويقوي مكانة القدس.
وبحسب هذا التقرير، فقد تحولت إسرائيل “إلى هدف ثابت للرماية في الساحة الدولية، وباتت غير قادرة على تحديد أجندة خاصة بها، وتضطر باستمرار للرد على أجندات واقتراحات الآخرين”. ويرى معد التقرير أن الاعتراف بالفلسطينيين لا ينفي وجود إسرائيل، وبالتالي يجب عدم اعتبار التحرك الفلسطيني في الأمم المتحدة خطوة لنزع الشرعية عن إسرائيل، حتى في حال تم استغلال حصول الفلسطينيين على مكانة دولة من أجل القيام بخطوات وتحركات معادية لإسرائيل. ويضيف شنيفس في تقريره أن اعتراف غالبية دول العالم بالدولة لفلسطينية لا يعني رفض أو معارضة وجود إسرائيل. ويرى معد التقرير أن “اعتراف الفلسطينيين بإسرائيل دولة يهودية لا يضمن لها بالضرورة الشرعية”. وبحسب الصحيفة، فإن التقرير ينتقد أيضا سياسة الاستيطان في الضفة الغربية، وتعامل سلطات الجيش الإسرائيلي مع الجمعيات والناشطين الأجانب، وعملية تشريع القوانين داخل الكنيست ضد الجمعيات اليسارية ومصادر تمويلها الأجنبية.
المصدر صحيفة القدس