إن اعتراف 138 دولة بالدولة الفلسطينية، وامتناع 41 دولة عن التصويت ومعارضة 9 دول من بينها الولايات المتحدة و”إسرائيل”، له دلالات سياسية عميقة لا بد من الإشارة إليها والاستفادة منها على مستوى الدولة الفلسطينية في طريق إنهاء الاحتلال “الإسرائيلي”، وفي أي عملية تفاوضية قادمة . وأول هذه الدلالات أن الدول التي عارضت وهي دول قليلة جداً وصغيرة جداً أيضاً، توضح مدى ضعف الدبلوماسية الأمريكية ومعها “الإسرائيلية” في حشد التأييد الدولي الذي كانت تتمتع به الولايات المتحدة في الخمسينات من القرن الماضي، وقت كانت قادرة على التحكم في أصوات ما لا يقل عن ثلثي أصوات الأعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة بفضل قوتها الاقتصادية والسياسية والعسكرية، والتلويح بحرمان الدول من المساعدات المالية، هذا لم يعد قائماً الآن، وواضح من هذا التصويت أن الولايات المتحدة لم تعد قادرة على التحكم إلا في أقل من خمس دول وهي الدول التي دائماً تصوت حسبما تريد، وهي دول لا تأثير لها في السياسة الدولية من منظور القوة .
وبالنسبة إلى”إسرائيل”، فإن هذا العدد يعني تراجعاً وفشلاً واضحاً في الدبلوماسية “الإسرائيلية”، ويوضح حالة العزلة الدولية التي بدأت “إسرائيل” تجني ثمارها بسبب سياسات القوة، ورفض الانصياع للقرارات الدولية، وبدأت الدول تتساءل: هل “إسرائيل” فوق القانون، وهذا السؤال مهم لأنه يعني تغيّراً في مدركات وتصورات الدول نحو “إسرائيل” . أما الدول التي امتنعت وعددها ليس بالقليل، فهي تشكّل رصيداً قوياً للدولة الفلسطينية في معركة الشرعية الدولية التي بدأت مع قبول الدولة الفلسطينية عضواً مراقباً، وهي في التحليل السياسي لسلوكها التصويتي أقرب إلى الموقف الفلسطيني منه إلى الموقف “الإسرائيلي” .
ومن الدلالات السياسية المهمة لهذا التصويت السياسي للدول الأعضاء في الأمم المتحدة، أنه يعني أيضاً فشلاً في الخطاب والحجج “الإسرائيلية”، فلم تعد مقولات “إسرائيل” بل إنها الدولة الضحية التي تعيش وسط عالم عربي مستبد ومتخلف مقبولة، ولم تعد “إسرائيل” هي الدولة صاحبة الحق دائماً، والدولة المعتدى عليها، وإنها دولة احتلال، وإن هذا الاحتلال حان الوقت لإنهائه عبر هذا التصويت، وعليه فإن هذا التصويت ليس تصويتاً فقط على قبول فلسطين بصفة دولة مراقب، بل هو في الوقت ذاته تصويت ضد الاحتلال، وكل السياسات التي يقوم بها على الأرض الفلسطينية، وهو تصويت ضد المستوطنات التي تلغي قيام الدولة الفلسطينية . وبالمقابل هذا التصويت فلسطينياً يعدّ أول إنجاز دبلوماسي منذ العام 1948 عندما أصدرت الأمم المتحدة قرار التقسيم الذي أعطى الفلسطينيين دولة بمساحة تقارب ال 44 في المئة، ولا شك في أن هذا بداية رؤية فلسطينية في الاتجاه الصحيح .
وعليه، فمن الدلالات المهمة في هذا التصويت السياسي للدول الذي يشكل بداية مرحلة جديدة من إدارة الصراع وبآليات وأدوات جديدة، أن نفهم لماذا صوتت هذه الدول إلى جانب الدولة الفلسطينية؟ لا شك أن هذا التصويت لم يأت من فراغ، فهو نتاج جهد دبلوماسي فلسطيني وعربي وإسلامي طويل، وهو ما يستلزم رؤية دبلوماسية جديدة تتوافق ومعطيات الدولة الفلسطينية الجديدة .
الخليج الإماراتية