رام الله / نجح الرئيس محمود عباس في اختبار توسيع نطاق الحريات، وفشل الصحفيون في الاختبار؟!. هذه المحصلة التي يمكن الخروج بها من المؤتمر الصحفي الذي عقده الرئيس بمشاركة العشرات من الصحفيين والاعلاميين والكتاب في مقر الرئاسة في رام الله، أمس، حينما بدأ الرئيس حديثه بالطلب من الصحفيين توجيه الاسئلة «الحراقة» في اشارة واضحة الى سعة صدره لاستقبال أية اسئلة مهما كانت صعبة واستعداده للاجابة عليها.
وفي المقابل لجأ الصحفيون ممن اعطي لهم «الميكروفون» وحق السؤال في طرح الاسئلة العميقة للرئيس كونه يمثل اعلى قمة الهرم السياسي للسلطة الوطنية، الى طرح اسئلة عامة وبقي الجزء منها يدور في الهوامش على حساب الجوهر والمضمون ما يؤشر الى وجود اشكالية حقيقية في قدرة الصحفيين على استثمار الهامش المتاح للحرية الصحفية وبقاء الاغلبية منهم اسرى للرقابة الذاتية .
واكثر ما يدلل على ذلك هو حرص الصحفي ماهر العلمي الذي امسك بـ»المايك» وقوله قبل طرح سؤاله على الرئيس « بان سؤالي قد يكون محرجا ؟!ّ» لكن المفاجأة تمثلت في ان الرئيس أشاد بالسؤال عن الفساد وعلاقته بالازمة المالية التي تعاني منها السلطة الوطنية.
والاكثر من ذلك فان الرئيس نفسه قال تعليقا على الاسئلة التي طرحها الصحفيون عليه «اعتقد ان اسئلتكم بدأت تميل نحو الغموض ولا سؤال حراقاً»، في اشارة واضحة لامتعاض الرئيس من نوعية وجود الاسئلة التي طرحت عليه في هذا المؤتمر وطلبه بـ«الاسئلة الحراقة».
وفي المقابل فإن الرئيس عباس ختم حديثه قبل فتح المجال لطرح اسئلة الصحفيين بالطلب منهم طرح اسئلة مفتوحة وبدون قيود، في وقت ان أغلبية الصحفيين المفترض ان يكونوا محترفين في المهنة ويدركون بأن طرح الاسئلة المفتوحة توفر لأي مسؤول فرصة للهروب من الاسئلة المحرجة، وهذا ما حدث في المؤتمر الصحفي حينما طرحت أغلبية الأسئلة بطريقة مفتوحة تدلل الى استجابة الصحفيين بقصد أو بدون قصد لرغبة الرئيس وأضاعوا فرصة الاستفادة من رغبة الرئيس بـ«الاسئلة الحراقة»، واضاعوا فرصة استماع المواطن لمواقف ومعلومات تشفي غليله وتساهم في تعديل او تصويب مواقفه ازاء ما يجري في الساحة الداخلية من تفاعل اجتماعي واحتجاجات على ارتفاع الاسعار .
فعلى سبيل المثال حينما قال الرئيس محمود عباس انني أتحمل المسؤولية عما يجري، فلا احد من الصحفيين سألوه « لما لا تقدم استقالتك اذا كنت تتحمل المسؤولية ؟!، كأحد الاسئلة «الحراقة» التي طالب الرئيس بطرحها عليه.
وعندما شعر الرئيس بتدني مستوى الاسئلة المطروحة عليه من قبل الصحفيين قال لهم « بطلتم تسألوا فنحن قلنا لكم اسألوا بحرية ؟!»، في اشارة واضحة الى فشل الصحفيين في استدراج الرئيس الى مربعات الاسئلة العميقة، وبقاء اغلبية الاسئلة تدور في الهامش والقشور.
وحسب متابعة بعض آراء الصحفيين الذين لم يحضروا المؤتمر، فان الصحفيين فشلوا في الاختبار ولم يقدموا على طرح الاسئلة الصعبة، ومنهم من ذهب الى أكثر من ذلك بالحديث عن وجود فبركة للاسئلة التي طرحت ؟!، في حين رأى البعض الآخر بان الموضوع له علاقة بالصحفيين انفسهم من حيث التحضير لمثل هذا المؤتمر والاستعداد لطرح الاسئلة المبنية على المعلومات الحقيقية، فلا احد من الصحافين ممن سألوا بادر الى طرح سؤال حول حجم الاموال التي تملكها السلطة الوطنية الآن؟، ولم يسأل أحد عن كيفية اقامة دولة فلسطينية مستقلة على 1967 اعتمادا على المساعدات الخارجية سيما بعد اثبات فشل هذه السياسة التي اوصلت السلطة الوطنية الى مستوى عدم القدرة على دفع رواتب موظفيها؟.
وقال احد الصحافيين ممن تابعوا المؤتمر عبر شاشة التلفاز «على الصحفيين الاعتذار للشعب لانهم نسوا ان مهمة الصحفي هي العمل كمندوب للشعب وعكس حاجاته وهمومه والحصول على المعلومات ونشرها للجمهور بمهنية عالية».
الطريقة التي تعامل بها الصحفيون في طرح الأسئلة على الرئيس لا تختلف كثيرا عن الطريقة التي يتعاملون بها مع رئيس الوزراء د.سلام فياض، الذي كان عقد لقاء للاعلاميين والصحفيين وكتاب الاعمدة للحديث عن الازمة حيث قال احد الصحفيين المشاركين في ذلك اللقاء «لم اجد سؤالا واحدا حقيقيا طرح على رئيس الوزراء؟!»، في اشارة واضحة الى وجود إشكالية حقيقية في نوعية الاسئلة التي يجب ان يطرحها الصحفيون على المسؤولين والتي يجب ان تكون مبنية على المعلومات وعلى حاجيات الناس، لانه بدون ذلك فان الصحفيين سيتحولون الى ناقلي المواقف والآراء للجمهور وتغيب المعلومات الحقيقية التي تجعل الناس يبنون مواقفهم بناء عليها.
الحياة الجديدة- منتصر حمدان .