للأسف تأكدنا أخيرا أننا نتلقى رواتبنا كموظفين حكوميين فلسطينيين من إسرائيل مباشرة وهذه مفاجأة أعادت إلى أذهاننا الماضي الأليم وغموض المستقبل وآلية الرد في الوقت الحاضر . ما يوحى لنا باستمرار هو التطور الايجابي والازدهار الاقتصادي حيث قاطعنا العمل في المستوطنات الإسرائيلية وتم توفير بدائل العمل المحلية للعمال وفي النهاية وصل اعتماد السلطة الفلسطينية على نفسها حوالي 80% وتقلصت المساعدات الأوروبية والأجنبية بشكل عام وفي النهاية يتأخر صرف الرواتب بسبب التحويلات المالية من إسرائيل!!! مشكلة هذه الرواتب قائمة باستمرار خاصة في تذبذبها وعدم انتظامها وعدم صرفها في الوقت الصحيح وهو أول أيام الشهر التالي أو نهاية الشهر القائم .
لا احد ينكر أن ما تقوم به إسرائيل من احتجاز العائدات الضريبية هو قرصنة وابتزاز واستهتار وقد قامت بنفس الأمر سابقا ، فماذا كان ردنا ؟ وما هي الإجراءات التي يمكن استخدامها لمنع تكرار مثل هذا العمل ؟ وأين حقيقة ما نسمع به من اعتمادنا على أنفسنا ونحن نرى معظم الموظفين ينتظرون رواتبهم منذ منتصف الشهر وليس في آخره ؟ وأين مركز القوة لدينا والذي يوقف عنجهية إسرائيل وتحكمها حتى في رواتبنا؟
ان الحملة التي تشنها اسرائيل هي جزء من سياساتها المعروفة لدينا والتي لم ولن نستطيع تحديها والتغلب عليها ومقاومتها رغم الشفافية والديمقراطية والحرية التي ملأت مناخنا ورغم التطمينات والتأكيدات الحكومية خاصة بعد الذهاب للأمم المتحدة .
ان الغريب في الأمر ان الموظف مطالب بالالتزام ببرنامج صمود المقترح من نقابة الموظفين العموميين الذي يقنن أيام العمل متناسيا ان الموظف لا يملك ثمن المواصلات الى عمله وخاصة لمن ينتقلون للدوام اليومي في محافظات اخرى بمعنى ان الأولوية تعطى للإبقاء على بعض المدخرات ان وجدت لصرفها على الحاجات الفسيولوجية الأساسية من طعام وشراب قبل دفعها أجرة مواصلات الى وظيفة ربما لن تدوم طويلا إذا استمر الوضع دون إستراتيجية حكومية جدية مبنية على الثقة وعلى وجود موازنات تقديرية أعدت مسبقا باحتمال نجاح 90% من بنودها.
لقد نضبت خزائن الموظفين كما هي خزينة الدولة وانتشر الضباب كثيفا يحمل في طياته الكثير من المعاناة السابقة في عام 2006 .
ان التاريخ يعيد ويكرر نفسه دون نظرة صائبة منا الى المستقبل ودون تخطيط لما قد تأتي به عثرات الزمان وما قد نقاسيه من آلام.
لقد اثبت الواقع ان رواتب الموظفين العموميين هي إحدى ركائز الاقتصاد الوطني الأساسية ، فمن دونها يتراجع الأداء الاقتصادي ويحل مكانه ركود حيث تقل النقود وتنخفض القدرة الشرائية وتموت الأسواق وتعم الخشية والرهبة مما هو آت . ان المراجعة الموضوعية لما وصل إليه هذا الحال قد يصل بنا الى نتيجة نعرف من خلالها أسباب عدم نجاح الاستثمارات التي انهالت على أراضي السلطة الفلسطينية منذ سيطرتها على كافة محافظات الوطن ، وقد تصل بنا الى كثير من الحلول الداخلية قبل ان نوجه الاتهام للعائدات الضريبية التي قد لا نراها ثانية في ظل سكوت دول العالم اجمع على تحدي اسرائيل لها ، فقد نتوصل الى أسباب ووسائل هدر المال العام منها التوظيف غير المبرمج واعتماده على الواسطة والمحسوبية والتوظيف العشوائي والذي يقوم على أسس حزبية أو تنظيمية أو عشائرية أو اخذ لخواطر الوزراء والمدراء العامون وأعضاء المجلس التشريعي وغيرهم ، ومنها عدم العدالة في توزيع الرواتب والدرجات الوظيفية ، والدورات الخارجية لموظفي القطاع العام والتي لا نستفيد منها في كثير من الأحيان بسبب إرسال الأشخاص غير المناسبين وقد تجير في معظم الأحيان لتصبح رحلات ترفيهية.
لقد أصبح الراتب محور الصراع مع الاحتلال يستخدمه كلما أراد إبعاد الأنظار والاهتمام عن قضايا اخرى كقضايا الأسرى والاستيطان والقدس رغم كونها قضايا الوقت الساخنة والتي لا تخبو نيرانها داخلنا أبدا . ولكن هذه الأداة العقابية وتربص الاحتلال بلقمة عيشنا لن يعفينا من البحث عن بدائل عملية طالما انتظرنا ابتكار الكثير منها كي نطور ونصلح ما يمكن إصلاحه من أدوات الصمود امام أسلحة العدو المتعددة كتلويحه بالجوع وحصار أموالنا ومستحقاتنا مع بطش ثعالب المستوطنين وتسهيل أوامر إطلاق النار للجيش وأوامر الهدم وتوسيع المستوطنات.
لا بد من الإصلاح الذي يجب ان يبدأ بثقافاتنا التي تحكم مؤسساتنا ويبدأ بدعوة المستثمرين الفلسطينيين في الخارج وغيرهم من العرب للعودة للاستثمار في مدننا وقرانا مع التأكيد لهم بعدم العودة الى ابتزاز أموالهم وتوجيهها لدعم صمودنا كي نعتمد على أنفسنا ونوفر رواتبنا بأنفسنا قبل ان نتسولها من الغرب ومن العرب الذين يتناسون واجبهم اتجاهنا بدعمنا على أرضنا واتجاه مقدساتنا التي هي مقدساتهم وفي نفس الوقت يشكل هذا الدعم قوة لهم كي يقفوا في وجه الضغوطات الأمريكية التي تتخذ الدعم المادي لنا ذريعة لوقف المساعدات عنهم