بعد قرار الجمعية العامة للامم المتحدة ، بالاعتراف بفلسطين دولة تحت الاحتلال ، كثر الحديث عن مصالحة داخلية ، بمعنى بين حركتي فتح وحماس ، بدل التوجه الى شعار الوحدة الوطنية عبر قيادة موحدة تحت راية ( م.ت.ف ) مع ادراك كلا الحركتين ان المصالحة المذكورة ، ليست سوى عملية تقاسم بين طرفين للحكم ، مع اصرار كل طرف ( ولو ضمنيا ) بالاستحواذ على السلطة ، وان انشقاق حركة حماس بما سمي ( الحسم العسكري ) جاء توجهاً عقائدياًَ مرتكزاً الى فكر الحركة وبرنامجها السياسي ، وان اهدار الوقت بالتداعي للحوار اصبح شكلا ممجوجا ومملاً ، وامكانية الاتفاق على التقاسم غير ممكنة في ظل تباعد سياسي وعقائدي عميق ، ولعل خطابات خالد مشعل في غزة اوضحت ذلك ، فقال يوم 8/ديسمبر 2012 كما ورد في صحيفة القدس / اسأل الله ان تكون ولادتي الرابعة يوم ندخل الاقصى … فاليوم غزة وبعدها رام الله والقدس وحيفا ويافا باذن الله !!، ثم حدد مفهومه للوحدة الوطنية حيث قال : نريد وحدة وطنية على اسس واضحة ، نريد وحدة وطنية تجمع بين المقاومة الشعبية والمسلحة ، وكان بهذا واضحاً ومنسجماً مع نفسه .
فالحركة الاسلامية التي تعتبر نفسها جزءاً او امتداداً للحركة الاسلامية العالمية ، لا تستطيع ان تحشر نفسها في اطار وطني ، الا اذا كان هذا الاطار في عهدتها ، كما هو الحال بقطاع غزة ، او انها استحوذت عليه بشكل او اخر ، وبهذا فهي تكون قد اسهمت بما عليها من مهمة في اطار البرنامج الاسلاموي او ما اطلق عليه الاسلام السياسي ، الساعي لوحدة الامة الاسلامية واعادة اقامة الخلافة ، وفيما بعد مواصلة الكفاح !! لتحرير العالم من ( الجاهلية ) الى ان يرفع الراية الاسلامية !! ، هذا هو فكر عقائدي يستخدم ( البرجماتية ) حسب متطلبات اللحظة الزمنية ، لكنه مخلص نحو غايته ومسعاه ، وبذلك يكون من باب الملهاة النظر الى الوحدة الوطنية الفلسطيني بهذا الاسلوب، الى جانب ان للشعب الفلسطيني اطارات سياسية ذات برنامج وغايات ، ولها اطارت تنطوي اليها جماهير فلسطينية ، تشكل معاً منظمة التحرير التي ظلت الممثل الشرعي الوحيد وان الجماهير الفلسطينية تهتم بالوحدة على طريق انهاء الاحتلال حسب الشرعية الدولية التي على اساس منها صوتت الامم المتحدة لدولة فلسطين على حدود الخامس من حزيران 1967 .
ولا يعتد الاسلام السياسي بتلك الشريعة ، ويجد في دولة فلسطينية على حدود حزيران ، حالة هدنة ! على طريق استكمال مسيرة التحرير الشامل ، مؤكداً انه يقبل بتلك الدولة دون ان يعترف باسرائيل ، وهو ايضاً ومرة اخرى منسجم مع فكره ، ذلك الفكر المستند الى برنامج يعتبر نفسه جزء من الحركة الاسلامية الاخوانية بوضوح ومسجلة وفي مقدمة برنامجه السياسي .
ومن هنا يتضح ان الانقسام ليس مجرد حادث سير عابر ، وانه عفا الله عما سلف ، على رأي خالد مشعل ، ليؤسس بذلك خطوته القادمة واثقاً ان قطاع غزة قد استقر امره ، بعد ذلك التسليح وتلك العلاقات الدبلوماسية والتضامنية الكبيرة ، والان يجب الانتباه الى الضفة التي تعاني من قلق استيطاني وازمة مالية واقتصادية ،يعتقد الاسلامين انهم يستطيعون حلها ، بالمال السياسي والهدنة التي يدعو لها وبالنشاط الذي يطالب به لحركته تحت شعارات الحرية والديمقراطية التي لا حضور لها في القاموس الاسلاموي .
كما وان الانتقال من الاعتراف الاممي بمنظمة التحرير ممثل شرعي وحيد له صفة مراقب ، الى الاعتراف بفلسطين دولة محتلة على اهميته ، فانه يحتاج حضوراً واضح للمنظمة ، واعطائها دوراً قيادياً في اطار قيادة الوحدة الوطنية ، وليس الان بالضرورة الامور محتاجة بعد هذا الانتظار الطويل الى تفعيلها بالانتخابات ، فالرمزية هنا لها اعتبارها ، حيث ان الدولة لها قيودها وعهودها وارتباطاتها ، وايضاً لغتها الدبلوماسية ، والمنظمة اطار وطني وحدودي تحكمه قرارات شعبه المتمثلة في مجلسها الوطني كتنظيمات سياسية و اطارات شعبية ، ولا داعي لربط الحراك الوطني المطلوب ، بمصالحة غير واقعية ، قد تهدر وقتاً ، وقد تعطل جهداً ، وقد تضيع امراً خاصة لدور م.ت.ف .
فقد اصبح واضحاً استيلاء الاسلام السياسي ، بما لديه من دعم لوجستي متعدد ، على انتفاضة الشعوب العربية ، وبدل اقامة انظمة ديمقراطية قد تزعج مستقبل انظمة البترودولار الشمولية القرووسطية ، فانها تدعم حركات اسلاموية وهابية تتبع سياسية الارض المحروقة كما في سوريا والعراق وليبيا ، وحتى مصر ، لتكون حليفاً مضموناً لاميركا وسياستها في المنطقة المعادية لحق شعبنا في الاستقلال ودحر الاحتلال ، وليست حركة حماس بعيدة عن هذا الحراك بل جزء منه ، وليست المصالحة سوى حالة مداهنة مكشوفة ، ولن يضرها ان جاءت عبر وحتى بعد استكمال اقامة الجبهة الوطنية الفلسطينية تحت راية منظمة التحرير الفلسطينية ، وجعل كافة الاطراف تحدد موقفها على الارض وبين الجماهير وليس في لقاءات الغرف المغلقة ، وليس الغزل القائم مع الاوربين واميركا في مصر وفي غزة ، الا تعبيرا عن الاستعداد لتحالفات جديده مع الاسلام السياسي الذي لا يضرهم التعامل معه طالما مصالحهم لا تتضر !!.