الايام – بديعة زيدان:رغم وصول العديد من الروايات العُمانية للمنافسة على الجوائز الأدبية العربية، إلا أن أسماء قليلة برزت مؤخراً على المستوى العربي من كاتبات وكتاب الرواية في السلطنة، التي يؤكد نقاد وخبراء وكتاب أن ما يقدمه مبدعوها على الصعيد الأدبي عامة، والروائي خاصة، لا يقل من حيث المستوى الفني لنتاجاتهم الروائية عما هو سائد عربياً، لكن تعددت الأسباب، والنتيجة أن حضور الرواية العُمانية عربياً لا يرتقي لمستوى إبداعات منتجيها، أو بمعنى أدق العديد منهم.. “أيام الثقافة” فتحت هذا الملف بسؤال عدد من المختصين في سلطنة عُمان، والتقيتهم خلال مشاركتي في معرض مسقط الدولي للكتاب بدورته الأخيرة، عما إذا كان حضور الرواية العُمانية عربياً عامة، وعبر الجوائز الأدبية خاصة، يبدو مقنعاً للمبدعين والمهتمين منهم.
الرواية العُمانية حاضرة فنياً
الروائي والقاص والإعلامي العُماني سليمان المعمري، وكان فاز بجائزة يوسف إدريس للقصة القصيرة، قال لـ”أيام الثقافة”: ثمة روايات عُمانية نافست في بعض الجوائز العربية. مثلا رواية “تبكي الأرض يضحك زحل” لعبد العزيز الفارسي وصلت إلى القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) في العام 2008، ورواية “الأشياء ليست في أماكنها” لهدى حمد، وفازت بجائزة الشارقة للإبداع الروائي العام 2009، فيما وصلت رواية “سيدات القمر” لجوخة الحارثي للقائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد، عدا وصول المجموعة القصصية “لم يكن ضحكاً فحسب” لمحمود الرحبي للقائمة القصيرة لجائزة الملتقى للقصة العربية في الكويت. ورغم هذا سأتفق معك أن حضور الرواية العُمانية مازال خجولاً في مشهد الجوائز العربية.
وأضاف المعمري: لكن دعينا نتفق أيضاً أن مجرد الحضور في الجوائز (خاصة العربية) لا يعني بالضرورة حضوراً فنياً لافتا. وكم من رواية عربية جميلة عَمِيَتْ عنها أعين لجان البوكر وكتارا، وكم في المقابل من رواية عربية ليست باللافتة فنياً فازت بالجوائز .. ما أردتُ الوصول إليه أن الرواية في سلطنة عُمان لا تختلف عن مثيلاتها في بعض الدول العربية. ففي كل بلد عربي نجد روايات جيدة وأخرى رديئة.
وثمة روايات عُمانية متحققة فنياً ومؤهلة للفوز بجوائز عربية أو على الأقل الوصول للقوائم الطويلة أو القصيرة لهذه الجوائز، ولكن هذا الوصول تحكمه أحياناً شروط أبعد حتى من مجرد ذائقة لجان التحكيم.
وتابع: ثمة دور نشر بعينها يتكرر وصولها لقوائم الجوائز هذه، وهي في العادة لا ينشر فيها العُمانيون.
وإن نشروا فإن الناشر مطالب باختيار ثلاث روايات فقط لترشيحها من بين عشرات الروايات، وبالتأكيد لن تكون أولويته لرواية عُمانية.. باختصار، إن كنتِ تسألين عن الحضور الفني للرواية العمانية فسأجادلك أنها حاضرة وبقوة، لكن هذا لا يعني بالضرورة حضورها في الجوائز العربية، للأسباب التي شرحتُها.
خير قادم
د. فاطمة العلياني، مؤسسة الصالون الأدبي الذي يحمل اسمها في محافظة البريمي، أجابت: هذا السؤال طرحته في ندوة حول الرواية التاريخية العمانية بمشاركة مجموعة من النقاد، وأشار وقتها د. ضياء خضير إلى أن الرواية العمانية لا تحتاج إلى جوائز لتكون حاضرة، ولكني أرى أن هناك حلقة مفقودة، وأنه يمكن لهذه الحلقات أن تترابط، خاصة أننا نشهد حاليا نوعاً من النضج في الرواية العمانية، خاصة على مستوى الرواية النسوية، وحتى على مستوى الرواية التي يكتبها الرجال، ولربما تخبئ لنا السنوات القادمة ما هو أفضل على مستوى الجوائز العربية، وعلى مستوى الحضور العربي للرواية العمانية.
وأضافت العلياني لـ”أيام الثقافة”: علينا التأكيد على أن الكتابة أولاً وأخيراً للمتلقي وليست للجوائز التي تقيّمه لاحقاً من خلال كتاباته وإبداعاته، خاصة أننا بدأنا فعلا في مرحلة من النضج تبشر بخير قادم.
ضعف في التسويق والنقد
الروائي العُماني خليل خميس، أكد لـ”أيام الثقافة” أن المشهد الثقافي والروائي في عمان مازال بخير، بل ويتطور من حين إلى آخر وخاصّة المشهد الروائي .. ظهر الكثير من الروائيين والقاصين الشباب والشابات الذين رفدوا الساحة الثقافية المحلية في الفترة الأخيرة بمجموعة جميلة من إصداراتهم، وهذه لعمري ظاهرة صحية متمنياً استمرارها، ومتمنياً في الوقت ذاته من المؤسسات والأندية والمراكز الثقافية والأدبية أن تتبناهم، وتشجعهم بالمعنى الحقيقي، وتأخذ بتلابيبهم نحو التألق والتميز مع ضرورة الابتعاد عن أسلوب الوصاية الفض الذي يتّبعه بعض من يتعاطى الأدب، كما أنّي أقدّر جهود تلك المؤسسات في تذليل الصعاب لأولئك الشبان وعقد الندوات والمحاضرات الفكرية والنقدية.
وأضاف خميس لـ”أيام الثقافة”: ما يُعاني منه المشهد الثقافي والروائي خاصة في السلطنة ينحصر في أمرين، أولهما: ضعف التسويق الإعلامي سواء محليا أو عربيا أو عالميا للأدب أو للكاتب العماني، وهذا الأمر مقلق للغاية فالكاتب أو الأديب العماني لا يقل إبداعا عن نظرائه من إخوانه العرب، لكن للأسف انعدام التسويق قبر الكثير من الأعمال وكسّر قلم الكاتب وأحيانا يتحمل الكاتب مسؤولية ذلك من خلال عزوفه عن المشاركة في التظاهرات الثقافية المتنوعة خارج السلطنة، والثاني: ضعف الظاهرة النقدية في المشهد الثقافي عامة والروائي خاصة في السلطنة، فبالرغم من الإصدارات الثقافية المثيرة والمتنوعة إلا أنّ النقد شبه مفقود، وإذا وُجد فبنسبة قليلة جدا لا تتساوق مع الحراك الكتابي المتدفق والغزير .. والنقد، كما هو معلوم، هو الذي يرصد القوّة والضعف لأي نص بل يكون سبباً في تسويقه وشهرته، وهنا لا أقصد النقد الانطباعي المُجامِل المنتشر هذه الأيام، وإنما النقد الاحترافي الذي يقوم على نظريات معروفة وراسخة تعطي النص قوة وزخماً.
بحاجة لمزيد من الوقت
بدورها أشارت الروائية العُمانية بدرية البدري إلى أن حضور الرواية العُمانية على المستوى العربي “أمر خاص بدور النشر العربية، لأن دور النشر العمانية غالبا لا تنتشر خارج السلطنة، ما يتسبب في قلة انتشار الرواية العمانية عامة في الخارج، ولكن على سبيل المثال، روايتي الأولى نشرتها الكترونيا، وكان التفاعل معها إيجابيا، وشعرت بأن النشر الالكتروني كان له دور كبير في تعزيز انتشار الرواية، ولكنه يتعارض لربما مع سياسات دور النشر”.
وأضاف البدري لـ”أيام الثقافة”: حاليا هناك نشر لكتاب وكاتبات من عمان في دور نشر عربية خارج السلطنة، كما أن دور النشر العمانية بدأت تتحسن من حيث الانتشار عربياً، لكن الأمر يحتاج لمزيد من الوقت لنصل إلى ما نصبو إليه من انتشار الإبداع العماني عامة، والروائي خاصة، وإلى خطط واضحة في التسويق، سواء لدور النشر المحلية والخارجية ما يتعلق بالمنتج الإعلامي.
وختمت: الجوائز تلعب دوراً مهماً في الانتشار، وهذا هو الواقع، ولربما الحضور العماني في جوائز الرواية أقل منه بكثير من الجوائز الشعرية على المستوى العربي، ولهذا فالشعراء العمانيون أشهر بكثير من كتاب الرواية في عمان.
وقفة جدية
الناقد العُماني د. يوسف المعمري، ذهب إلى ما هو أبعد من موضوع الرواية والأدب، فقال لـ”أيام الثقافة”: أنا عماني وأفتخر بعُمانيتي، لكني درست في مصر، وكثيرون هناك لا يعرفون عُمان على الإطلاق، وهذا قد يتكرر في دول أخرى .. الأمر ليس نقيصة في السلطنة، لكن هذا السؤال عن سبب غياب السلطنة عربيا على المستوى التاريخي والإبداعي يحتاج إلى وقفة جدية، فحتى شعر عُمان وأدبها التاريخي لم ينتشرا بالصورة المرجوة عربياً، وهذا ربما يعود لأسباب كثيرة بينها جغرافية عمان، وطبيعتها، وتاريخ عمان المرتبط بحضارات أخرى غيرالجزيرة العربية، وطبيعة الإنسان العماني الهادئ، والمجتمع العماني كذلك .. الأدب ليس إلا صورة للمجتمع، فهو جزء من كل.
الإبراز بالنقد ونشره
د. شيخة المنذري، الحاصلة على الدكتوراه في الأدب والنقد، أكدت لـ”أيام الثقافة”: الأدب العماني لا يقل بالمستوى عن الأدب العربي ككل، وعندي من الدلائل والبحوث ما يدلل على ذلك، لكن المشكلة الوحيدة أن القلم الناقد والمحلل قليل في عُمان، وكذلك قلة دور النشر وقلة من يروج للكتب والإبداعات الأدبية.
وأضافت لـ”أيام الثقافة”: لو قننت مسألة النشر لظهر الأدب العماني بصورة لا تقل عن الأدب العربي في أقطار أخرى .. الشعر العماني حقق مؤخراً قفزات كبيرة، لكن المشكلة في النشر على مستوى المجلات المحكمة ودور النشر التي لو رغب المبدع العماني بنشر منتجه لتكفل بتكاليف هذا النشر.
وخلصت المنذري إلى أنه “لا يوجد وجه مقارنة لقياس حركة الأدب العماني من شعر ورواية بالأدب العربي والعالمي الذي ظهر مبكرا ووجد متسعا له للانتشار، خاصة إذا ما عدنا إلى حركة التعليم والتعلم والتنوير الحديثة نسبيا في عُمان .. بالنسبة للرواية ما زالت تحبو ونحن نجتهد في الدراسات النقدية حتى نقدم العمل مثلما ظهر عليه، فدور الناقد دراسة تقنيات السرد وصيغ الخطاب الروائي .. عمل الروائي العُماني الذكوري أو النسوي فيه جانب من الاتزان، وفي اتساق مع الواقع، ولكن لا يقاس مع الأدب لدى شعوب أخرى، فالحركة الروائية العُمانية حديثة نسبياً، وهي الآن في حالة من التقدم والتطور.
الإبداع أولاً
“العُمانيون بطبيعتهم يشتغلون على الإبداع أكثر من التسويق والترويج، ولربما هذا يعود لصفة التواضع في الشخصية العمانية، وهو أمر معروف على مختلف المستويات، أو قلة في الثقة بالنفس بقدرتهم على المنافسة عربياً في الجوائز خاصة، رغم أنهم وصلوا إلى القائمة القصيرة لعدة جوائز أدبية عربية، بل إن بعضهم حصل على جوائز أدبية في الشارقة والقاهرة وغيرها في الرواية والقصة القصيرة علاوة على الشعر”.. هكذا بدأت الروائية العُمانية بشرى خلفان مداخلتها في هذا الملف.
وأضافت خلفان لـ”أيام الثقافة”: ليس صحيحاً أن العُمانيين لم يحصلوا على جوائز، لكنهم لا يجيدون ولا يريدون الصراخ والصوت العالي .. ما يهمهم الإبداع، وكأن الكاتب يكتب لنفسه، وهذا ساد لفترات طويلة.
وختمت خلفان: فكرة الانتشار بدأت تطفو على السطح مؤخراً، لكنهم على طوال العقود السابقة اشتغلوا على الكتابة وعلى الإبداع … على المستوى الإبداعي لا يقل الإبداع الأدبي العُماني عن أي إبداع أدبي في أي بلد عربي، المبدع العُماني ينافس من حيث الجودة، ولكنّ هناك شيئا ما في طبيعته الشخصية يمنعه من الانتشار قد يكون تواضعاً، أو خجلاً، أو تردداً، أو خوفاً ما، أو عدم وجود الثقة الكاملة بالنفس، كما أن دور النشر العُمانية لا تزال بحاجة إلى تطوير أدواتها لتنافس عربياً.