من السهل القول إنّ القمة العربية للمصالحة الفلسطينية، المقترحة في القاهرة من قبل قطر، ستجمع كلا من حركتي “فتح” و”حماس”، وليس “منظمة التحرير الفلسطينية” و”حماس”. وبالتالي، لا يعود هناك مكان للتحفظات التي عبّرت عنها قيادات “فتح” في اليومين الماضيين، والقول إنّ مثل هذه القمة تهدد وحدانية تمثيل “المنظمة” للفلسطينيين. والسؤال: هل يعبّر هذا التردد في الذهاب إلى القاهرة، بالتوازي مع الاتفاق الأردني-الفلسطيني، أول من أمس، عن استقطاب بين محورين؟ وتباين بين طريقتين؟ أو حالة حذر وترقب بين الأطراف الإقليمية؟
هل رفض قمة المصالحة هو ابتعاد عن المصالحة، أم أنّ العكس صحيح؛ فحركة “فتح” تقول الآن أن لا داعي للقمة لأنّه لا أزمة في العملية؟ فهل تتسارع عملية تشكيل حكومة بقيادة محمود عباس، تجنبا للقمة، وبالتالي تكون فكرة القمة قد نجحت دون انعقادها؟ وهل معارضة “فتح” للقمة هي فقط تجنبا لإعطاء “حماس” حضورا دوليا مميزا يعزز مكانتها، أم أن المنظمة لا تريد وضع الزمام بيد الدوحة، خوفاً من فقدان السيطرة على الأمور، ولأنّ هذا يعني حضور “حماس” بقوة؟!
حتى إذا كانت الاتفاقية التي وقّعها الملك عبدالله الثاني والرئيس محمود عباس، أول من أمس، تكريسا لأمر واقع موجود فعلا، فإنّ هذا لا يقلل من أهميتها؛ فالجديد هو أنّ الطرف الفلسطيني يوكل للأردن المهمة رسميا. وإذا ما ربطنا هذا بصندوق القدس “الملياري” المقترح من قطر في قمة الدوحة الأخيرة، فهو تأكيد على المرجعية الأردنية المدعومة بتأييد فلسطيني لتولي دور قيادي في أي جهد بشأن الأماكن المقدسة. وقد يكون الاتفاق جزءا من ترتيب أوسع للمرحلة السياسية المقبلة، ولضبط الحركة السياسية ومنظومة الأدوار الإقليمية.
ترتب الاتفاقية شؤون الأماكن المقدسة، ومؤسسات الوقف التي تشمل جزءا كبيرا من عقارات القدس ومؤسساتها التعليمية والخدمية، ومسألة حرية الوصول للأماكن المقدسة. ولكن يبقى السؤال حول حاجات المدينة الملحة في مجال خدمات البنية التحتية، والإسكان، والتعليم وغير ذلك؛ مَن الذي سيتصدى لها، من حيث مواجهة التعنت الإسرائيلي؟
سنرى في المستقبل القريب ربما أحد ثلاثة سيناريوهات: الأول، سيناريو “عمليات ترتيب متكاملة” عربياً، مع تفعيل واستثمار الوضع القانوني الأردني في القدس. ولن يكون هناك جناحان؛ “عمان ورام الله” مقابل “الدوحة والقاهرة وغزة”، وسيتضح عدم وجود خلاف يمنع تنسيقا أردنيا-فلسطينيا– قطريا–مصريا-عربيا.
والسيناريو الثاني، هو سيناريو “عمليات متنافسة”، ربما بين تصورات ومساعٍ لعملية سياسية بتنسيق بين عمّان ورام الله، مقابل تصور معين يجمع الدوحة والقاهرة وغزة (وحماس). وربما لا يكون التباين على أساس مواقف سياسية، بقدر ما هو على توزيع الأدوار.
أما السيناريو الثالث، فيتمثل في أن لا يكون هناك “تكامل” أو “تنافس”، بل عودة العمل العربي إلى حالة الخمول والسلبية المعهودة.
وإذا ما افترضنا السيناريوهين الثاني والثالث، فإنّ السؤال: هل يعني هذا إجهاض مشاريع العمل في الميدان، خصوصا في القدس، وأنّ وعود القمة الأخيرة ستتلاشى كما القمم السابقة، وسيصل الجميع إلى طريق مسدودة، ليتضح عدم وجود أي طرف قادر على ترجمة أي أجندة؛ وبالتالي استمرار حالة عدم الفاعلية في تطوير خطة لإحداث تغيير كبير في القدس وفي القضية الفلسطينية، وستستمر الموازين الراهنة، من فاعلية إسرائيلية في تهويد القدس، وفرض حقائق أمر واقع، وهروب من تسوية سياسية، مقابل محدودية التصدي العربي؟
تعطي الزيارة المزدوجة، “للمنظمة” و”حماس” إلى عمان والقاهرة، والحديث عن أنّ الزيارتين تتناولان ملفات فلسطينية عديدة، بدءا من الأسرى وصولا إلى المصالحة والعملية السياسية، مرورا بالقدس، مشهداً لطرفين فلسطينيين، يناقش كل منهما القضية الفلسطينية على حدة. وهذا بحد ذاته يحمل خطرَ أنّه بدلا من قمة مصالحة عربية، فإنّ الانقسام الفلسطيني سيتبعه استقطاب عربي ولو بصمت، وبدرجة محدودة، مرتبط بالطرفين الفلسطينيين.
ما يقلل احتمالات سيناريو الاستقطاب العربي، أنّ التصور العام لعملية التسوية ولسبل التعاطي مع الشأن الفلسطيني بين الأطراف المختلفة ليس متباعدا، خصوصا إذا قررت واشنطن تنشيط عملية سياسية. وتبقى الخطورة في موضوع الحسابات الأصغر في تحديد هويات اللاعبين وتوزيع الأدوار.
الغد الاردنية.