تونس – «القدس العربي»: أثار الإعلان عن توقف أحد البرامج السياسية الساخرة في تونس، ردود فعل متباينة حول أهمية هذه النوعية من البرامج والتي يرى فيها البعض دليلاً على تنامي حرية الإعلام في البلاد متهماً السلطات بمحاولة «تكميم أفواه» القائمين عليها بسبب تضمنها جرعة كبيرة من النقد اللاذع لعدد من الشخصيات السياسية في البلاد، فيما يعتبر آخرون أنها مجرد «إهدار للوقت» ومحاولة الإساءة للرموز الوطنية في البلاد.
وكان الإعلامي صابر الوسلاتي أعلن قبل أيام عن توقف برنامج «صابر وبرّا» (لا أملك سوى الصبر) الذي يقدمه في إحدى الإذاعات الخاصة، حيث كتب على صفحته في موقع «فيسبوك»: «التزاماً منّي بمبادئ أعتبرها جوهريّة ولا تقبل المساومة، أُنهي مشاركتي في برنامج «راف ماغ»، وتنتهي بذلك فقرة «صابر و برّا».. مع مواصلة العمل في إذاعة «أي اف ام» عبر مشاريع أخرى. شكراً لكلّ من تابعني وساندني وشجّعني، وكلّ التقدير للإذاعة..».
وكتب رئيس الهيئة السياسية لحزب «المؤتمر من أجل الجمهورية» سمير بن عمر تعليقا عل ما كتبه الوسلاتي «صوت آخر يتم تكميمه».
وأكد لـ«القدس العربي» أهمية البرامج السياسية الساخرة في المشهد الإعلامي التونسي كونها «تعكس مدى نضج الخطاب الإعلامي وتقدّم حرية الإعلام في البلاد، ولكن للأسف الشديد هذا اللون (السخرية السياسية) هو في طريقه إلى الاندثار منذ 2014، فثمة عدد كبير من القنوات التي كانت تقدم هذا النوع من البرامج تنتقد فيها السياسيين الذي كانوا يحكمون زمن الترويكا، تخلّت عنها وبالتالي بدأت هذه البرامج تختفي من المشهد الإعلامي وأصبحت ظاهرة معزولة، وهذا مؤشر خطير على التضييق على حرية الإعلام وتراجع مستوى حرية الإعلام في البلاد».
وخلال السنوات السابقة قدمت وسائل الإعلام التونسية عدداً كبيراً من البرامج السياسية الساخرة من بينها «خبزولوجيا» و»دمى المغرب العربي» وغيرها، إلا أن غالبية هذه البرامج اختفت لاحقاً ولم يتبقّ منها سوى عدد قليل أبرزها برنامج «سايس خوك» (ارأف بأخيك) الذي يعده ويقدمه الإعلامي وسيم الحريصي، وقد بدأ أساسا على شكل سلسلة هزلية تتلخص بحوار افتراضي ساخر بين الرئيسين السابقين التونسي زين العابدين بن علي والليبي معمّر القذافي، قبل أن يطاول النقد بقية الشخصيات السياسية في تونس.
ويقلل المحلل السياسي والدبلوماسي السابق عبد الله العبيدي من أهمية البرامج السياسية الساخرة، معتبراً أنها مجرد «مضيعة للوقت، وربما بعدما تم «تجويع» نُخبنا الإعلامية لجأت إلى تقديم هذا النوع من البرامج، وعموما التونسي لديه اهتمامات أخرى ولا يملك الوقت الكثير لمتابعة هذه البرامج، باستثناء ربما بعض ربات البيوت اللواتي يقبلن على مشاهدة التلفزيون أو الاستماع للإذاعة بهدف الراحة من العمل المنزلي، ولكن من يعي جيداً مشاكل البلاد يعلم أن الوقت لا يسمح بالاستماع لهذه النوعية من البرامج».
ويوافق النائب والقيادي في حركة النهضة الصحبي عتيق على وجود «السخرية السياسية» شرط ألا يتجاوز النقد الخطوط الحمر. ويضيف لـ»القدس العربي»: «أنا لست مع تبخيس السلطة أو ترذيل شخصيات كبرى أو رموز للسلطة مثل رئاسة الحكومة والجمهورية ومجلس نواب الشعب، فعندما يكون النقد مقبولاً ومؤدّباً أنا معه، أما أن يتجاوز حدود اللياقة والأعراف السياسية واحترام مؤسسات الدولة وهيبة الدولة فأنا ضده. فهناك برامج فيها الكثير من الإساءة لرموز الدولة بل إن الأمر يصل إلى حد الشتم وخاصة مجلس نواب الشعب».
السخرية السياسية في تونس: تعبير عن نضج الخطاب الإعلامي أم محاولة للإساءة لرموز الدولة؟
Leave a comment